وافق مجلس النواب الجزائري على مشروع قانون يجرم الاستعمار ويطالب فرنسا بالاعتذار ودفع تعويضات عن استعمارها الذي استمر 130 عاماً، فيما اعتبرت باريس هذه الخطوة “عدائية” ضدها.
وصوّت النواب الجزائريون، الأربعاء، على التشريع الذي يعلن الاستعمار الفرنسي “جريمة دولة”، ويحمل فرنسا مسؤولية “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” خلال الفترة الممتدة بين عامي 1830 و1962. كما يجرّم أي “تمجيد” لتلك الحقبة.
وكانت تشريعات مماثلة قد طرحت في الجزائر لأول مرة عام 1984، ثم عدة مرات منذ عام 2000، أبرزها في عام 2007 رداً على قانون يمجد الاستعمار الفرنسي. ولم يسبق أن نجحت مثل هذه المقترحات في المرور عبر الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري.
ولا يزال المشروع بحاجة إلى موافقة مجلس الأمة وتوقيع من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ليصبح قانوناً نافذاً.
ويتضمن نص المشروع أكثر من عشرين مادة، من بينها مادة تُصنّف 27 شكلاً من الجرائم المرتبطة بالاستعمار الفرنسي، بما يشمل الهجمات العسكرية ضد المدنيين، والاستخدام المفرط للقوة المسلحة، واستخدام أسلحة غير تقليدية، والإعدامات خارج إطار القانون، وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي على نطاق واسع، والنهب المنهجي للثروات.
وتطالب مادة أخرى فرنسا بتنظيف المواقع الملوثة جراء التجارب النووية التي أجرتها في صحراء الجزائر خلال ستينيات القرن الماضي، وتقديم خرائط للمناطق المتضررة، إضافة إلى تعويض الضحايا وذويهم.
كما يدعو المشروع إلى استعادة الممتلكات “المادية” و”غير المادية”، بما في ذلك الأرشيف الجزائري في فرنسا.
ويُجرّم المشروع “تمجيد الاستعمار الفرنسي” بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك الأفعال والكتابات ومقاطع الفيديو، وينص على عقوبة سجن قد تصل إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى مليون دينار (7720 دولارات) بحق المدانين، دون تحديد دقيق للأشياء التي تعتبر تمجيداً.
وقال رئيس مجلس النواب إبراهيم بوغالي، في وقت سابق من هذا الشهر، إن مشروع القانون “لا يستهدف أي شعب، ولا يسعى للانتقام أو تأجيج الكراهية”، مضيفاً: “بل يقوم على مبدأ راسخ مفاده أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ولا تبرّر بالقوة، ولا يمكن السكوت عنها”.
باريس تندد
وفي باريس، ندّدت وزارة الخارجية الفرنسية بما اعتبرته خطوة “عدائية بشكل واضح، سواء تجاه الرغبة في استئناف الحوار الفرنسي–الجزائري، أو تجاه العمل الهادئ في قضايا الذاكرة”، بحسب ما أوردت شبكة “بي إف إم”.
ومع ذلك، أكدت الخارجية الفرنسية أنها تعتزم مواصلة “العمل على استئناف حوار صارم مع الجزائر”، خصوصاً في ما يتعلق بـ”القضايا الأمنية والهجرة”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد شدد على ضرورة اعتماد “علاقات هادئة” مع الجزائر، عبر “تصحيح العديد من الأمور”.
واعتبر ماكرون في تصريحاته على هامش قمة العشرين بجنوب إفريقيا في نوفمبر الماضي، أن الكثيرين في فرنسا “يريدون جعل الجزائر قضية سياسية داخلية”، وأن “الكثيرين في الجزائر يريدون جعل فرنسا قضية سياسية داخلية”، مضيفاً أنه “إذا تركنا هؤلاء، من الجانبين، يضعون جدول الأعمال، فلن نحقق أي فرصة للتقدم”.
وأكد ماكرون أنه يريد “بناء علاقة مستقبلية يسودها الهدوء” مع الجزائر، ودعا إلى ضرورة “تصحيح الكثير من الأمور”. وأضاف: “نحن نعلم أنه في العديد من الملفات الأمنية، والهجرة، والاقتصاد، لسنا في وضع مُرض، من الجانبين، ولدينا أيضاً الكثير من التحديات المشتركة”.
وتحمّل الجزائر فرنسا مسؤولية التصعيد في العلاقات بين البلدين، إذ سبق وأن اعتبرت الخارجية الجزائرية أن باريس “اختارت طريق التهديد بدلاً من الحوار البنّاء”، وأكدت أن الجزائر “ترفض بشكل قاطع الرضوخ لأي ضغوط أو محاولات ابتزاز”.
