ثروت حجاح: الدولة تحتاج لإرادة وليس تشريع.. والإشكالية مركبة ومعقدة
هيئة الدواء: نوفر 3 طرق إلكترونية للإبلاغ عن الإعلانات المضللة والحد من الاستشارات غير الموثوقة
مدير مركز الحق فى الدواء: الصفحات والمخازن المجهولة سيواجه أصحابها الحبس عقب إقرار القانون الجديد
في ظل تصاعد المخاوف من فوضى بيع وتداول الأدوية عبر الإنترنت دون رقابة طبية أو قانونية، تتجه الدولة إلى تشديد الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة التي باتت تمثل تهديدًا مباشرًا لصحة المواطنين.
وبين تحركات وزارة الصحة لإعداد تشريع ينظم عمل الصيدليات الإلكترونية، وتحذيرات متخصصين في مجال الدواء من خطورة البيع خارج القنوات الرسمية، تتكشف أبعاد أزمة مركبة تتعلق بسلامة الدواء وغياب الرقابة واستغلال المرضى تحت غطاء التجارة الإلكترونية.
وفي هذا السياق، كشف الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، أن الوزارة تعمل على إعداد تشريع خاص لتنظيم عمل الصيدليات الإلكترونية، يهدف إلى منع بيع الأدوية عبر الإنترنت دون وصفة طبية معتمدة، مؤكدًا أن الدواء لا يجوز تناوله إلا تحت إشراف طبي دقيق، حتى في الحالات البسيطة، لاختلاف طبيعة الأجسام من شخص لآخر.
وأوضح «عبد الغفار»، أن مشروع «الجينوم» يستهدف تحديد الدواء الأنسب لكل مواطن وفق حالته الصحية، بما يضمن دقة العلاج ويحد من المضاعفات، محذرًا من خطورة تناول أدوية التخسيس مجهولة المصدر أو أي عقاقير يتم تداولها دون إشراف طبي، لما تمثله من خطر جسيم على الصحة العامة.
وفي أكتوبر الماضي، أكد الدكتور حسام عبد الغفار، أن شراء الأدوية عبر الإنترنت يشكل تحديًا عالميًا وليس محليًا فقط، مشيرًا إلى سهولة إنشاء صفحات وصيدليات إلكترونية بعيدة عن الرقابة، ما يزيد من المخاطر على صحة المواطنين.
وأضاف أن وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات الرقابية وعلى رأسها هيئة الدواء تتخذ خطوات فورية لإغلاق الصفحات المخالفة، ويتم الإبلاغ عنها مباشرة لمباحث الإنترنت والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وأوضح أن الوزارة نجحت بالفعل خلال الفترة الأخيرة في إغلاق عدد كبير من هذه الصفحات، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المسؤولين عنها.
وحذر «عبد الغفار» من أن هذه الصفحات غالبًا ما تروج لأدوية التخسيس، أو الأدوية المستوردة النادرة، أو أدوية مجهولة المصدر وغير مسجلة، مشيرًا إلى شعارات مضللة مثل «الحل السحري» لإنقاص الوزن أو إزالة حب الشباب، وقد تكون هذه الأدوية منتهية الصلاحية أو مغشوشة.
وأكد أن استخدام المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب قد يكون خطيرًا جدًا، داعيًا المواطنين دائمًا للتوجه للصيدليات المرخصة واستشارة الأطباء قبل أي استخدام دوائي.
وأشار إلى أن هناك تعاونًا مستمرًا مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ووزارة العدل ووزارة الاتصالات وهيئة الدواء لإصدار تشريعات تنظم الصيدليات الإلكترونية، لضمان خضوعها للرقابة القانونية والصحية.
احذر مستحضرات السمنة والتخسيس
من جانبه، شدد الدكتور ياسين رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء، على ضرورة الحذر الشديد من شراء الأدوية عبر الإنترنت أو من مصادر غير موثوقة.
وأوضح أن العديد من هذه الأدوية قد تكون مغشوشة أو لا تحتوي على المواد الفعالة المطلوبة، أو تحتوي على مواد ضارة، مما قد يؤدي إلى فشل العلاج أو آثار جانبية خطيرة تصل إلى الوفاة.
وحذر «رجائي» من المستحضرات المجهولة التي تُروج على وسائل التواصل الاجتماعي لعلاج السمنة أو إنقاص الوزن، مؤكدًا أنها غالبًا غير مسجلة في قاعدة بيانات هيئة الدواء، وقد تسبب أضرارًا صحية بالغة عند استخدامها.
ودعا المواطنين إلى عدم الانجراف وراء الإعلانات المضللة، وإلى استشارة الأطباء والصيادلة قبل تناول أي دواء أو مستحضر دوائي، مؤكدًا أن الهيئة توفر خدمات إلكترونية للإبلاغ عن المخالفات والاستفسارات، منها خدمة «مخالفة» للإبلاغ عن مخالفات المستحضرات أو المنشآت الصيدلية، وخدمة «إعلان غير ملائم» للإبلاغ عن مواد دعائية دوائية مضللة، وخدمة «استشارة دوائية» للحصول على معلومات دوائية موثوقة.
تحرك برلماني
لم يكن صدى فوضى سوق أدوية الإنترنت بعيدا عن قبة البرلمان، إذ تقدَّم النائب خالد طنطاوي، عضو مجلس النواب، بسؤال للحكومة حول انتشار عشرات الصفحات والتطبيقات غير القانونية لبيع الأدوية، مؤكدًا أن هذه الظاهرة تشكل خطرًا كبيرًا على حياة المواطنين، حيث يتم تداول أدوية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية بعيدًا عن الرقابة الصحية.
وأوضح «طنطاوي»، أن القانون الحالي لم يفلح في وقف هذه الظاهرة بسبب غياب الرقابة الإلكترونية، متسائلًا عن خطة وزارة الصحة لملاحقة الصفحات والتطبيقات التي تبيع الأدوية إلكترونيًّا، والدور الرقابي لوزارة الاتصالات في حجب هذه المنصات المشبوهة.
وتساءل النائب خالد طنطاوي، عن التنسيق بين الوزارات والجهات الرقابية مثل الشرطة وجهاز حماية المستهلك ونقابة الصيادلة لمواجهة الظاهرة، وعن سبب عدم تغليظ العقوبات القانونية على المخالفين، وعن حق الدولة من ضرائب ورسوم الموارد المالية التي تحصل عليها هذه التطبيقات غير القانونية.
وطالب بإنشاء وحدة إلكترونية متخصصة داخل وزارة الصحة لرصد وتتبع الصفحات والتطبيقات غير القانونية، وإطلاق تطبيق حكومي رسمي يسمح فقط للصيدليات المرخصة ببيع الدواء بشكل آمن، إضافةً إلى حملات توعية للمواطنين عن مخاطر شراء الدواء من خارج الصيدليات المرخصة، مع تغليظ العقوبات لتشمل الحبس والغرامة لكل من يروج أو يبيع أدوية عبر الإنترنت بشكل غير قانوني.
فوضى الأدوية
من جانبه، قال الدكتور ثروت حجاج، عضو مجلس نقابة الصيادلة، إن بيع الدواء عبر أي وسيلة بخلاف الصيدليات المرخصة يُعد جريمة يُعاقب عليها القانون، مؤكدًا أن قانون الصيدلة واضح في حصر بيع وتسويق وتداول الدواء من خلال الصيدليات فقط.
وأشار «حجاج»، في تصريح لـ«»، إلى أنه مع انتشار فوضى بيع الأدوية عبر الإنترنت، ناشدت النقابة المسؤولين أكثر من مرة للتدخل والتحذير من العواقب الخطيرة لهذه الظاهرة، إلا أنه لم يتم الاستجابة في حينها، لافتًا إلى أن الحكومة لم تبدأ في البحث عن حلول إلا بعد أن كشف الواقع عن كوارث صحية واقتصادية طالت جميع الأطراف.
وأضاف أن بيع الأدوية عبر الإنترنت، سواء من خلال تطبيقات أو منصات إلكترونية أو أي وسيلة أخرى، يتم خارج إطار القانون، متسائلًا عن الجهات التي تقف خلف هذه الكيانات التي باتت تتصرف وكأنها فوق القانون، في ظل تجارة تقدر بمليارات الجنيهات دون أي رقابة حقيقية على مصدر الدواء أو جودته أو مدى الالتزام بتسعيره الرسمي.
وأوضح أن غياب الرقابة يثير تساؤلات خطيرة حول مدى خضوع هذه الأدوية لقرارات هيئة الدواء المصرية، خاصة في الحالات التي تصدر فيها قرارات بحظر تشغيلات معينة، متسائلًا عما إذا كانت هذه المنصات تلتزم بتلك القرارات من الأساس، فضلًا عن تجاهل السؤال الأهم المتعلق بمدى ملاءمة الدواء لحالة المريض الصحية.
وأكد «حجاج» أن المشكلة مركبة ومعقدة، بدأت بشكل محدود ثم تفاقمت نتيجة التجاهل، حتى وصلت إلى أوضاع وصفها بـ«الكارثية»، مشددًا على أن الأصل في الدواء أن يخضع لرقابة سابقة تشمل التصنيع والإنتاج والتوزيع، ورقابة لاحقة من خلال التفتيش والمتابعة.
وأشار إلى أن الدولة ليست بحاجة إلى تشريع جديد لوقف هذه الفوضى، بقدر حاجتها إلى إرادة حقيقية وقرار حاسم لتفعيل القوانين القائمة، محذرًا من أن إصدار تشريع جديد قد يفتح الباب لمزيد من التعقيدات.
ودعا إلى تغليظ العقوبات، ومنع الإعلانات الدوائية المخالفة، ووقف ما وصفه بـ«استغلال الغلابة» لصالح مرتزقة يتاجرون بآلام المرضى، مؤكدًا أن الدولة قادرة على فرض الانضباط.
وفيما يتعلق بصرف الدواء، أوضح حجاج أنه لا يمكن منع صرف جميع الأدوية إلا بروشتة طبية، مشيرًا إلى أن الأدوية التي تُصرف بوصفة تمثل نحو 80% من سوق الدواء، بينما تنقسم الأدوية إلى نوعين: أدوية لا وصفية لا تحتاج إلى روشتة مثل المسكنات البسيطة، وأدوية أخرى تستلزم الكشف والفحص الطبي الدقيق، مثل أدوية القلب والأمراض المزمنة.
سرعة التنفيذ
وفي الإطار ذاته، قال محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، إن هناك تشريعًا جديدًا انتهى منه مجلس الدولة ووصل إلى الوزارة، ينظم عمل الصيدليات الإلكترونية، ويتضمن عقوبات مشددة تصل إلى الحبس، تستهدف الصفحات المجهولة، والمخازن غير المرخصة، وشركات التجميل والمكملات التي تبيع الأدوية مباشرة للجمهور.
وأوضح «فؤاد» أن مركز الحق في الدواء كان من أوائل الجهات التي فتحت هذا الملف منذ عام 2019، مشيرًا إلى أن التشريع المنتظر لتجريم بيع الأدوية عبر المنصات الإلكترونية من شأنه وقف جرائم خطيرة ترتكبها بعض الشركات والمخازن التي تبيع الدواء مباشرة للمواطنين، فضلًا عن بعض الأطباء والصيادلة عبر منصات التواصل الاجتماعي، الذين يروجون لأدوية شركات بعينها في ظل وجود مصالح مالية ضخمة.
وأكد مدير مركز الحق في الدواء، أن سرعة تنفيذ هذا التشريع تمثل خطوة حاسمة لحماية صحة المواطنين، موجهًا الشكر للدولة ووزارة الصحة، ومطالبًا بالإسراع في تطبيق القانون على أرض الواقع لوضع حد نهائي لفوضى بيع الدواء عبر الإنترنت.
