شددت رئيسة مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، تيريزا ريبيرا، على أن التكتل “بحاجة إلى الدفاع بقوة أكبر عن أطره التنظيمية” للحفاظ على تنافسيته عالمياً، داعية إلى مقاومة الضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومن دعاة تعديل القوانين داخل أوروبا.
وأوضحت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”، أن مصير الاتحاد الأوروبي قد يكون “الخسارة” في ما وصفته بـ”سباق خفض المعايير”، مؤكدة أهمية الرقابة الصارمة التي تفرضها بروكسل على الاقتصاد الأوروبي.
وتأتي تصريحات ريبيرا، بصفتها أبرز شخصية اشتراكية في الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، فيما يسعى قادة التكتل من أحزاب الوسط المائلة لليمين إلى إرضاء واشنطن، وقطاع الصناعة الأوروبي من خلال تخفيف مجموعة من اللوائح التنظيمية.
وقالت ريبيرا: “ليس من قبيل الصدفة أن تكون الأجندة الخضراء والرقمية هي التي تتعرّض للتهديد، فهما المحركان الرئيسيان للتنافسية”.
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى التمسك بدليل القواعد الرقمية والمعايير البيئية، مع تعزيز السوق الموحدة لضمان قدرة القارة على المنافسة في السباق الاقتصادي العالمي.
ضمان التنافسية
وبالانتقال إلى الإدارة الأميركية، أكدت ريبيرا أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يستمع إلى واشنطن، لكنه “لا ينبغي أن يخضع أبداً لمطالبها بالتخلي عن قوانين سلاسل التوريد المستدامة، أو مكافحة إزالة الغابات، أو تنظيم مواقع التواصل الاجتماعي”.
وكانت إدارة ترمب قد هددت بفرض رسوم وعقوبات على الشركات الأوروبية في حال عدم تلبية هذه المطالب.
وقالت ريبيرا: “إذا فقدنا هويتنا وقيمنا وثقة شعوبنا، فلن نكون في موقع يمكننا من التفاوض أو سد أي فجوة”، غير أنها لم تذكر اسم الرئيس الأميركي بشكل مباشر.
وأكدت أن أوروبا يجب أن تكون أكثر فاعلية خلال العام المقبل لضمان “التنافسية والأمن والقيم التي تشكّل جوهر هذا التفويض”.
وشغلت ريبيرا منصب نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2024، وكانت سابقاً نائبة رئيس وزراء إسبانيا، وقدّمت نفسها كمدافعة قوية عن اللوائح الرقمية والخضراء للاتحاد الأوروبي، رغم تحرك رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين لإلغاء بعض القواعد التي دافعت عنها سابقاً.
وقالت ريبيرا: “كانت هناك لحظات اضطررت فيها للوقوف والقول: عذراً، لن نتراجع عن تنظيمنا لمجرد أنه لا يعجبكم”.
وفي الأشهر الأخيرة، كثفت ريبيرا وزملاؤها في المفوضية تطبيق القواعد الرقمية للاتحاد الأوروبي، حيث فتحت بروكسل تحقيقات حول هيمنة شركتي أمازون ومايكروسوفت في قطاع الحوسبة السحابية، وبدأت تحقيقات حول نماذج الذكاء الاصطناعي لشركتي جوجل وواتساب، وفرضت غرامة قدرها 120 مليون يورو على منصة إكس المملوكة للملياردير إيلون ماسك لانتهاكها قواعد الشفافية الرقمية.
قلق الاشتراكيين
وأكدت ريبيرا على ضرورة حفاظ الاتحاد الأوروبي على مكانته “كمحدد للمعايير العالمية”، رغم الضغوط الخارجية، قائلة: “كأوروبيين، لا يمكننا المراهنة على سباق خفض المعايير.. نحن نعلم أن هذه المعايير العالية التي نبتكرها من خلال التنظيم تساعد الشركات على تحسين وضعها التنافسي، ولا توجد أي شركة في أوروبا لا تدرك هذه الحقيقة أو تنكرها”.
وتأتي تصريحات ريبيرا في وقت يشعر فيه بعض الاشتراكيين الأوروبيين بالقلق من أن أجندة فون دير لاين لتخفيف القواعد قد تتجاوز الحد، في ظل رد فعل مضاد ضد أجندة المناخ الأوروبية وضغوط من الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من اعترافها بالحاجة إلى تبسيط القواعد القائمة، قالت ريبيرا إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى “التمسك بقيمه” والحفاظ على التناسق في تطبيق القوانين.
وأضافت أن المفوضية تجري “مناقشات مستمرة حول كيفية تحسين طرق العمل”، مشيرة إلى أنها ترى أن هناك حاجة لمزيد من الوقت لتقييم حملة تخفيف القواعد بشكل صحيح.
ودافعت ريبيرا أيضاً عن موقف الاتحاد من تعديل قواعد الرقابة على الاندماجات، رافضة دعوات الصناعة لتخفيف هذه القواعد في إطار استراتيجية صناعية تهدف إلى بناء “أبطال أوروبيين”، لا سيما في قطاعات مثل الاتصالات والبنوك.
وتعمل المفوضية الأوروبية، بصفتها الجهة المسؤولة عن مكافحة الاحتكار، حالياً على تحديث إرشاداتها الخاصة بالاندماجات، وهو موضوع أصبح بحسب “فاينانشال تايمز”، “أكثر حساسية سياسياً” بعد أن دعت فون دير لاين في سبتمبر الماضي ريبيرا إلى تسريع العمل عليه، وهو ما قالت الأخيرة إنه “فاجأها”.
وشددت ريبيرا على أن الإرشادات الجديدة ستوفر وضوحاً أكبر للشركات وستأخذ بعين الاعتبار الابتكار المستقبلي، لكنها أكدت أن القواعد “لن تُخفَّف ببساطة لمنح الشركات حرية مطلقة”، مضيفة: “إذا كان هناك مَن يتوقع ذلك، فإنه سيشعر بخيبة أمل”.
