واصل سعر الدولار الأمريكي استقراره أمام الجنيه المصري في ختام التعاملات، في مشهد يعكس حالة من الهدوء النسبي في سوق الصرف، بالتزامن مع تحركات نقدية مدروسة من جانب البنك المركزي المصري.
هذا الاستقرار لم يأتِ بمعزل عن السياق الاقتصادي العام، بل يتقاطع مع قرارات مهمة في مقدمتها خفض أسعار الفائدة، وهو ما يفتح الباب أمام قراءة أوسع لمشهد الاقتصاد المصري خلال المرحلة الحالية.
الدولار في البنك المركزي.. أرقام تعكس الثبات
وسجل سعر الدولار أمام الجنيه المصري في البنك المركزي المصري 47.53 جنيه للشراء و47.66 جنيه للبيع، في ختام التعاملات الرسمية، ليؤكد استمرار حالة الاستقرار التي تشهدها سوق العملات خلال الأيام الأخيرة، دون تقلبات حادة أو ضغوط مفاجئة على العملة المحلية.
ويعكس هذا المستوى السعري توازنًا نسبيًا بين العرض والطلب، في ظل سياسات نقدية حذرة تستهدف الحفاظ على استقرار السوق ومنع أي تحركات غير مبررة في سعر الصرف.
أسعار الدولار في البنوك الحكومية
وشهدت البنوك الحكومية الكبرى استقرارًا مماثلًا في أسعار الدولار، حيث سجل السعر في البنك الأهلي المصري 47.55 جنيه للشراء و47.65 جنيه للبيع، وهو نفس المستوى المسجل في بنك مصر وبنك القاهرة.
ويشير هذا التوافق بين البنوك الحكومية إلى وضوح الرؤية النقدية وتوحيد آليات التسعير، بما يحد من فرص المضاربة ويعزز ثقة المتعاملين في القطاع المصرفي.
البنوك الخاصة تواكب الاستقرار
وفي السياق نفسه، سجل سعر الدولار في البنك التجاري الدولي (CIB) 47.55 جنيه للشراء و47.65 جنيه للبيع، وهو ما يعكس انسجام البنوك الخاصة مع التوجه العام للسوق، ويؤكد أن حركة الدولار باتت محكومة بعوامل اقتصادية حقيقية، وليس بتقلبات آنية أو توقعات مضاربية.
كما سجل بنك الإسكندرية السعر ذاته، ما يعزز صورة الاستقرار الشامل في سوق الصرف الرسمية.
خبير اقتصادي يقرأ المشهد.. السياسة النقدية تدخل مرحلة جديدة
من جانبه، يرى الدكتور هاني الشامي، الخبير الاقتصادي وعميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة بنسبة 1% في نهاية عام 2025 يعكس قراءة واعية لمجمل التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية، ويؤكد أن السياسة النقدية دخلت مرحلة جديدة تقوم على التيسير الحذر دون التفريط في استقرار الأسعار.
التضخم يمنح البنك المركزي مساحة للحركة
وأوضح الشامي أن اعتدال معدلات التضخم الشهرية وتراجع التضخم السنوي إلى مستويات أقل مقارنة بالعام الماضي منحا البنك المركزي مساحة للتحرك، خاصة مع ظهور مؤشرات واضحة على تحسن توقعات التضخم وتلاشي آثار الصدمات السابقة، وهو ما يجعل خفض الفائدة قرارًا منطقيًا في هذا التوقيت، وليس خطوة متسرعة كما يعتقد البعض.
النمو الاقتصادي يدعم القرار
وأضاف أن البنك المركزي نجح خلال السنوات الثلاث الماضية في احتواء موجة تضخمية عنيفة عبر سياسة نقدية مشددة، ومع بدء ظهور نتائج تلك السياسة أصبح من الضروري الانتقال تدريجيًا إلى دعم النشاط الاقتصادي، لافتًا إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5% في الربع الأخير من 2025 يعكس قدرة الاقتصاد المصري على التعافي رغم التحديات.
وأشار الشامي إلى أن خفض الفائدة لا يعني نهاية معركة التضخم، بل يمثل إعادة ضبط للأدوات النقدية بما يتلاءم مع المرحلة الحالية، مؤكدًا أن الضغوط التضخمية من جانب الطلب باتت محدودة في ظل السياسة الحالية، وأن التحدي الأكبر يظل في تضخم السلع غير الغذائية وخاصة الخدمات.
المشهد العالمي حاضر في الحسابات
وفيما يتعلق بالأوضاع العالمية، أكد أن القرار جاء متسقًا مع الاتجاه الدولي نحو التيسير النقدي التدريجي، في ظل تعافي النمو العالمي نسبيًا واستقرار ديناميكيات التضخم، إلى جانب تراجع أسعار النفط نتيجة زيادة المعروض، رغم استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية واضطرابات سلاسل الإمداد.
تناغم مطلوب بين السياسات الاقتصادية
وشدد عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل على أن نجاح خفض الفائدة في تحقيق أهدافه يتطلب تنسيقًا كاملًا بين السياسة النقدية والسياسة المالية، بحيث يتم توجيه أثر الخفض لدعم الاستثمار والإنتاج الحقيقي وليس المضاربات، مع استمرار ضبط أوضاع المالية العامة وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد.
في الختام، يعكس استقرار سعر الدولار أمام الجنيه ، بالتوازي مع قرارات نقدية متوازنة، حالة من الثقة في مسار الاقتصاد. ويؤكد الدكتور هاني الشامي أن توقعات البنك المركزي بوصول التضخم إلى مستهدفاته بحلول الربع الرابع من 2026 تبقى واقعية، شريطة استمرار الاستقرار وعدم التعرض لصدمات خارجية جديدة، معتبرًا أن المرحلة الحالية تحمل رسائل طمأنة للأسواق وتفتح آفاقًا لنمو مستدام أكثر توازنًا.
المصدر: صدى البلد
