عاد ملف إقليم أرض الصومال الانفصالي إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، توقيع إعلان مشترك لـ”الاعتراف المتبادل” مع الرئيس عبد الرحمن محمد عبد الله، في خطوة مثلت تطوراً جديداً في مسار هذا الملف الممتد منذ قرابة 3 عقود.
ويُعد هذا الملف أحد أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في تاريخ جمهورية الصومال الفيدرالية الحديثة، إذ يتجاوز كونه تحدياً داخلياً ليشكل اختباراً مستمراً لمبدأ وحدة وسيادة الدول في النظام الدولي.
وعلى مدى عقود، ظل هذا الملف حاضراً في قلب التوازنات الإقليمية والدولية المرتبطة بالقرن الإفريقي، وسط تمسّك مقديشو بوحدة أراضيها، ورفض أي خطوات أحادية تمس سيادتها.
وبرز ذلك بوضوح مع توقيع مذكرة التفاهم المثيرة للجدل بين إثيوبيا، وسلطات إقليم أرض الصومال في يناير 2024، والتي نصّت على منح أديس أبابا منفذاً بحرياً على خليج عدن مقابل خطوات سياسية تتعلق بوضع الإقليم.
واعتبرت الحكومة الصومالية الفيدرالية حينها الاتفاق باطلاً ولاغياً، مؤكدة أن أي اتفاقات دولية لا يمكن أن تُبرم إلا عبر السلطة المركزية في مقديشو، وأن ما جرى يشكل “انتهاكاً صارخاً” لسيادة الصومال ووحدة أراضيه، وهو موقف حظي بدعم واسع من الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، وعدد من الشركاء الدوليين الذين شددوا على ضرورة احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار وفق القانون الدولي.
وحاولت “أرض الصومال”، المحمية البريطانية السابقة في شمال غربي الصومال، مرات عدة الحصول على اعتراف دولي، لكنها لم تحصل عليه.
أرض الصومال والاستقلال عن بريطانيا
ويقع إقليم أرض الصومال في موقع استراتيجي بالقرن الإفريقي، ويحده خليج عدن من الشمال ويشترك في حدوده مع جيبوتي في الغرب وإثيوبيا في الجنوب، وتبلغ مساحته أكثر من 176 ألف كيلومتر مربع، مع خط ساحلي يمتد حتى 800 كيلومتر على طول البحر الأحمر.
ونال إقليم أرض الصومال الاستقلال عن بريطانيا في عام 1960، قبل أيام قليلة من حصول بقية الصومال، الذي كان تحت الإدارة الإيطالية، على استقلاله.
واعترفت حينها عشرات الدول بـ”أرض الصومال”، قبل أن تدخل في اتحاد مع الصومال، لكن اتهامات بتهميش المناطق الشمالية دفعت ساسة الإقليم إلى محاولات للتمرد على مقديشو.
وتطورت هذه المحاولات إلى حرب أهلية في أواخر الثمانينيات، مع قيام جيش الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري بقصف منطقة هرجيسا، عاصمة إقليم أرض الصومال، وسقط خلالها عشرات الآلاف من الأشخاص.
“جمهورية أرض الصومال”
وعقب الحرب الأهلية، وما تلاها من الإطاحة بحكومة البلاد في بداية عام 1991، تمكنت مجموعة “الحركة الوطنية الصومالية” المعارضة من تأمين المناطق التي تُشكل ما كان يعرف سابقاً بالصومال البريطاني، ثم في مايو 1991 أعلنت هذه المجموعة من طرف واحد أن النظام الفيدرالي لم يعد سارياً، وأن الإقليم بات دولة مستقلة، تعرف بـ”جمهورية أرض الصومال”.
وعلى الرغم من عدم الاعتراف الدولي بهذه الدولة، إلا أن الإقليم يشهد حالة من الاستقرار النسبي، تجعله بمثابة النقيض التام للمشهد العام في الصومال، واستغلت حكومة أرض الصومال هذا الاستقرار لإعادة بناء أجزاء كبيرة من البنية التحتية للإقليم، التي تضررت خلال سنوات الحرب الأهلية.
ومنذ أواخر التسعينيات، عاش الإقليم حالة من التوتر مع إقليم “بونتلاند” (أرض البنط) الواقع في الأجزاء الشمالية الشرقية من الصومال، والذي أعلن إقامة حكم ذاتي، وذلك بسبب تنازعهما السيادة على إقليمي “سناج”، و”صول”، وأدى هذا الخلاف إلى مواجهات عسكرية متفرقة.
وفي عام 2001، وبعد 10 أعوام من إعلانها الانفصال عن الصومال، نظمت حكومة أرض الصومال استفتاءً أظهرت نتائجه دعم سكان الإقليم لدعاوى الاستقلال.
وفي عام 2003 رفضت حكومة الإقليم دعوات للمشاركة في محادثات سلام كانت تهدف إلى إعادة توحيد الصومال، متذرعة بأن وضعها المستقل يمنعها من أن تكون أحد أطراف مثل هذا النوع من المحادثات.
متطلبات الدولة
ومنذ إعلانها الاستقلال، تعاقب على أرض الصومال 6 رؤساء، كان أولهم عبدالرحمن أحمد علي طور، الذي أدى اليمين رئيساً في 7 يونيو 1991، وفي عام 1993 تم انتخاب محمد إبراهيم عقال رئيساً، ليعقبه بعد وفاته في عام 2002 نائبه ضاهر ريالي كاهين.
في يونيو 2010 تم انتخاب أحمد محمد محمود سيلانيو رئيساً، وفي ديسمبر 2017 تسلم موسى بيهي عبدي رئاسة أرض الصومال، فيما تولى عبد الرحمن محمد عبد الله الرئاسة في ديسمبر 2024.
وترى حكومة “أرض الصومال” أنها تفي بجميع متطلبات الدولة، فلديها عدد سكان دائم يقدر بـ4 ملايين نسمة، ومنطقة محددة بمساحة إجمالية تزيد على 176 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى القدرة على الدخول في علاقات مع الدول ذات السيادة، ووجود مؤسسات للحكم من رئاسة، وبرلمان، ومستشارين محليين منتخبين.
كما أنها تتمتع أيضاً بجيشها الخاص، وعملتها الخاصة، وعلمها الخاص، ولها دستور مستقل في مواده وتكوينه عن دستور الصومال.
التوازنات الجيوسياسية
وكثفت “أرض الصومال” خلال السنوات الماضية تحركاتها بشأن التوازنات الجيوسياسية الدولية في محاولة للحصول على اعتراف من بعض القوى الدولية الكبرى.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في عام 2022 أن موسى بيهي عبدي، رئيس “أرض الصومال”، حينها، يسعى لتقديم عرض للرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بشأن استخدام الجيش الأميركي ميناءً بحرياً، ومطاراً جوياً، استراتيجيين، مقابل “الاعتراف بالمنطقة كدولة ذات سيادة”.
ورأت الصحيفة حينها أن عوامل عدة، بينها خيبة الأمل الأميركية في الصومال الغارق في خلاف سياسي، وفشل واشنطن في القضاء على “حركة الشباب” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، إلى جانب المخاوف بشأن الوضع في كل من إثيوبيا والسودان، ستزيد من تعاطف الكونجرس مع “أرض الصومال”.
كما أن افتتاح الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، المتاخمة لإقليم أرض الصومال على مضيق باب المندب، قد يدفع أيضاً بالأمور في هذا الاتجاه، خصوصاً في ظل تسابق الولايات المتحدة والصين على النفوذ في إفريقيا.
وتقول حكومة “أرض الصومال” على موقعها الإلكتروني إن “لديها ممثلين في أكثر من 20 دولة، وهناك أعداد متزايدة من القنصليات الأجنبية والمكاتب التمثيلية العاملة في أرض الصومال”.
