محمد كاخي | أمير حقوق | ركان الخضر | وسيم العدوي
تنتهي مهلة اتفاق 10 آذار مع حلول نهاية العام الحالي، ولا تزال بنود الاتفاق قيد الانتظار، فلم يطبق طرفا الاتفاق أيًّا منها، وتبادلا الاتهام حول التباطؤ وتعطيل الاتفاق طوال الأشهر الماضية دون التوصل إلى خطوات فعلية لتنفيذ بنود الاتفاق.
وبالرغم من انعقاد اجتماعات متكررة، وعلى مستويات مختلفة، كان أهمها اجتماع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، في 7 من تشرين الأول الماضي، فإن الاتفاق لم يحقق تقدمًا لا على صعيد تسليم مؤسسات الدولة، ولا على صعيد دمج القوى العسكرية والأمنية لـ”قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية.
كما اندلعت سلسلة اشتباكات في حيي الأشرفية والشيخ مقصود بين “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) التابعة لـ”قسد” والجيش السوري، بالرغم من الاتفاق الذي تم توقيعه في نيسان الماضي بين الحكومة السورية و”قسد”، وكان من بين بنوده وقف الأعمال القتالية في المنطقة.
تبحث في هذا الملف مآلات اتفاق 10 آذار، والسيناريوهات المحتملة في حال فشل تطبيق بنوده، والأسباب التي تمنع تحويل بنوده إلى أمر واقع ينهي الخلاف السوري- السوري ويعيد مناطق واسعة من شمال شرقي سوريا إلى سيطرة السلطة المركزية في دمشق، ويضع مواردها الطبيعية بين أيدي أبنائها بالتساوي.
كشف مصدر في وزارة الإعلام، فضل عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، ل، أن وزارة الدفاع السورية قدمت مؤخرًا مقترحًا رسميًا لـ”قسد” يستند إلى روح اتفاق 10 آذار، ويأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها التنظيمية، عبر منحها فرصة للاندماج التدريجي في هيكلية الجيش السوري، وهو مقترح اطلع عليه الجانب الأمريكي أيضًا.
وبحسب المصدر، رفضت “قسد” مقترح الحكومة السورية، وقدمت مقترحًا بديلًا في 22 من كانون الأول الحالي، يقوم على تشكيل ثلاثة ألوية منفصلة لـ: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والمرأة.
واعتبر المصدر أن هذا الرد يعكس رغبة “قسد” في الحفاظ على استقلالية تنظيمية خارج إطار الجيش السوري، وهو ما يتعارض مع جوهر اتفاق 10 آذار، وتقوم الحكومة السورية الآن بدراسة هذا المقترح بالإضافة إلى بعض المسائل المرتبطة بالملف.
وكشف المصدر ل أن هناك احتمالًا لعقد اجتماع مرتقب بين دمشق و”قسد”، لكن النقاش خلال هذا الاجتماع سيكون حول المقترح السوري أولًا وليس حول مقترح “قسد”.
استطلاع: ما السيناريو المتوقع مع اقتراب انتهاء المهلة لتنفيذ الاتفاق بين الحكومة و”قسد”
أجرت استطلاعًا عبر موقعها الإلكتروني، حول توقعات السوريين مع اقتراب انتهاء المهلة لتنفيذ الاتفاق بين الحكومة و”قسد” نهاية العام الحالي، وشارك في الاستطلاع 770 شخصًا، واستمر من 24 حتى 27 من كانون الأول.
رأى 41% من المستطلعة آراؤهم أن الخيار العسكري هو السيناريو الأكثر ترجيحًا، بينما توقع 34% منهم أنه سيتم تمديد مدة الاتفاق، ورأى 25% فقط من المشاركين أنه سيتم البدء بخطوات التنفيذ.
سوريون يرجحون سيناريو الخيار العسكري مع اقتراب نهاية مهلة الاتفاق بين الحكومة و”قسد” (تعديل)
ماذا بعد انتهاء المهلة؟
تتقاطع آراء الخبراء عند مجموعة سيناريوهات مختلفة في حال تعثر تنفيذ اتفاق 10 آذار بين الحكومة السورية و”قسد”، يتقدمها خطر الانزلاق نحو تصعيد أمني محدود أو واسع، وإن بدا هذا الخيار مكلفًا ومحفوفًا بالمخاطر. ففشل الاتفاق قد يفتح الباب أمام عودة لغة التهديد العسكري كأداة ضغط تفاوضي من دمشق، أو كمدخل لعمليات عسكرية تركية محدودة بذريعة الهواجس الأمنية، ولا سيما إذا اعتبرت أنقرة أن مسار الاندماج لا يراعي شروطها المتعلقة بتفكيك البنية القيادية لـ”قسد”.
مصدر في وزارة الإعلام، فضل عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، قال ل، إن اتفاق 10 آذار هو الإطار الناظم لدمج قوات “قسد” مع الجيش السوري، وإنه ليس بالضرورة أن تلجأ الدولة إلى خيار التصعيد العسكري بعد انتهاء المهلة، رغم محاولات “قسد” دفع الأمور بهذا الاتجاه، مشيرًا إلى تنوع الخيارات في حال فشل تنفيذ الاتفاق دون أن تكون المواجهة العسكرية ضمن هذه الخيارات.
وفي هذا الخصوص، يرى الباحث والمحلل السياسي أنس شواخ، أن مستقبل اتفاق 10 آذار يتأرجح نظريًا بين ثلاثة سيناريوهات رئيسة، إلا أن فرص تحققها ليست متساوية على أرض الواقع، فسيناريو التنفيذ الكامل ضمن الإطار الزمني المحدد حتى نهاية العام يبدو شبه مستحيل في ظل ضيق الوقت وتشابك الملفات، وحتى إنجاز نسبة محدودة من بنود الاتفاق باتت خارج الحسابات العملية.
ويظل سيناريو فشل الاتفاق والانتقال إلى التصعيد أو الخيار العسكري حاضرًا بقوة، بحسب حديث شواخ إلى، لا سيما مع تصاعد نبرة التهديد الرسمية خلال الأسابيع الأخيرة، لكنه يصطدم بجدار من الضغوط الدولية والإقليمية والعربية التي تدفع باتجاه الحفاظ على وقف إطلاق النار وتجنب فتح جبهة جديدة. وبين هذين الخيارين، يبرز السيناريو الثالث بوصفه الأكثر ترجيحًا، وفق شواخ، ويتمثل في تنفيذ جزئي للاتفاق مع إعادة جدولة بنوده وتفصيلها ضمن خارطة طريق أوضح وإطار زمني جديد، بما يسمح بإدارة الخلافات تدريجيًا وتفادي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، مع الإبقاء على المسار السياسي كخيار أقل تكلفة لجميع الأطراف.
الاتفاق يمضي نحو التطبيق
يستبعد الباحث في “المركز الكردي للدراسات” طارق حمو، سيناريو فشل اتفاق 10 آذار، مرجحًا أن التطورات الأخيرة دفعت بالمسار نحو مزيد من التقدم بدل التراجع.
ويرى حمو، في حديث إلى، أن وجود قوات مدربة تضم عشرات الآلاف من المقاتلين الذين راكموا خبرة امتدت لسنوات كثيرة في قتال تنظيم “الدولة”، يشكل رصيدًا وطنيًا ينبغي للدولة السورية الاستفادة منه عبر إدماج منظم وفق الاتفاق، محذرًا من أن أي انتكاسة سياسية أو أمنية ستمنح التنظيم فرصة لإعادة تنظيم صفوفه، ولا سيما في ظل خطورة ملفات السجون والمخيمات.
وبحسب حمو، فإن تجاوز مرحلة الخوف من الفشل بات ممكنًا، مع وجود تفهم متبادل، بما في ذلك تجاه الهواجس التركية، وترقب لإعلانات جديدة قبل نهاية العام قد تفتح الباب أمام توافقات أوسع وحل الملفات العالقة ضمن بيئة سياسية سورية- سورية قائمة على التفاهم لا الصدام.
اتفاق 10 آذار
بناء على اجتماع جرى بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، في 10 من آذار الماضي، تم الاتفاق على ما يلي:
- ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
- المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وجميع حقوقه الدستورية.
- وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية.
- دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
- ضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من قبل الدولة السورية.
- دعم الدولة السورية في مكافحتها “فلول الأسد” (نظام بشار الأسد).

الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي قائد القيادة الأمريكية براد كوبر والمبعوث الأمريكي توم براك في دمشق – 12 أيلول 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)
شهدت الفترة منذ توقيع الاتفاق في آذار الماضي حتى الآن اشتباكات متفرقة بين طرفي الاتفاق على مختلف خطوط التماس، أبرزها ما حدث في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب في تشرين الأول الماضي، وهو ما استدعى زيارة من قائد “قسد”، مظلوم عبدي، إلى دمشق، التقى خلالها بالرئيس الشرع، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، وقائد القيادة الأمريكية الوسطى، براد كوبر.
وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، قال حينها في تغريدة على حسابه في منصة “إكس”، إنه التقى بمظلوم عبدي، واتفقا على وقف إطلاق النار بجميع المحاور ونقاط الاشتباك العسكرية شمال وشمال شرقي سوريا.
وعادت الاشتباكات إلى المنطقة ذاتها مجددًا في 22 من كانون الأول الحالي، قبل أيام قليلة من موعد انتهاء المهلة المحددة لتطبيق اتفاق الاندماج، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 32 آخرين.
واستمرت الاشتباكات لساعات قبل أن يعود الهدوء إلى المنطقة، بعد صدور أوامر من الجهتين بإيقاف إطلاق النار.
الاشتباكات وارتباطها بانتهاء المهلة
يعتقد المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، أن أسباب الاشتباكات التي تدور بين الحين والآخر بين الحكومة السورية و”قسد”، تعود إلى العناصر الأجانب الموجودين في صفوف قوات “قسد”، مشيرًا إلى أن هؤلاء العناصر من إيرانيين وعراقيين وأتراك، لا يريدون أي اتفاق بين الدولة السورية و”قسد”.
وهنالك سبب آخر للاشتباكات بين الطرفين، بحسب الأسعد، وهو الدور الإسرائيلي الراغب في اللعب على وتر الأقليات في سوريا، للوصول إلى هدفه الأكبر المتمثل في تقسيم البلاد، إذ تقوم إسرائيل بتأجيج الخلافات عندما تلاحظ أي تقدم في المسار الدبلوماسي والمفاوضات.
وأضاف الأسعد سببًا ثالثًا، يتمثل في مراهنة “قسد” على بعض الملفات في الداخل السوري مثل ملف السويداء، وبعض العمليات التي يقوم بها عناصر تابعون للنظام السابق، بهدف أن يكون لها دور وكيان ضمن الدولة، إلا أن الموضوع، بحسب الأسعد، يمثل خطًا أحمر لا يمكن لدمشق القبول به، فمن يريد الاندماج لا يمكن أن يكون له كيان خاص.
من جهته، يرى الباحث في مركز “الحوار للأبحاث والدراسات” عمار جلو، أن أغلب الاشتباكات التي تدور بين الحكومة السورية و”قسد”، تعود إلى وجود فصائل “الجيش الوطني” التابع لتركيا (اندمج في الجيش السوري) على الجبهات مع “قسد”، وتكون الصدامات مع هذه الفصائل أكبر، ودرجة العدائية من خلالها أقوى.
وأضاف جلو، في حديثه إلى، أن الاشتباك الأخير الذي حصل بين القوات السورية و”قسد” في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب مرتبط بعدة عوامل، منها اقتراب موعد انتهاء مهلة تطبيق اتفاق 10 آذار الذي ينص على دمج “قسد” في الجيش السوري، بالإضافة إلى زيارة الوفد التركي الأخيرة إلى دمشق، والتي ضمت وزير الخارجية، هاكان فيدان، ووزير الدفاع، يشار غولر، ورئيس الاستخبارات، إبراهيم كالن.
ويعتقد جلو أن دمشق ربما رغبت بإرسال رسالة إلى “قسد”، مفادها أنها غير قادرة على تحمل الضغوط التركية في حال عدم تنفيذ اتفاق الاندماج.
ونوه جلو إلى سبب آخر، تمثل بالردود التفاوضية بين الطرفين، التي أشارت إليها وكالة “رويترز” في 18 من كانون الأول الحالي، استنادًا إلى عدة مصادر سورية وكردية وغربية، حول مقترح من دمشق يبدي استعدادها للسماح لـ”قسد” بإعادة تنظيم 50 ألف مقاتل ضمن ثلاث فرق رئيسة، وألوية أصغر، وهذه الطروحات غير المقبولة في المفاوضات أدت إلى تسخين المواجهة، سعيًا من كل طرف لفرض شروطه على الطاولة.

من تخريج دورة تدريبية لقوات “قسد” في الرقة – 27 تشرين الثاني 2025 (قوات سوريا الديمقراطية)
دفعت الأطراف الدولية الفاعلة في الساحة السورية كلًا من الحكومة السورية و”قسد” إلى توقيع الاتفاق، وتضغط هذه الأطراف ممثلة بأمريكا وتركيا وفرنسا، نحو تنفيذ بنود الاتفاق بالتفاوض والحل السلمي دون الجنوح إلى الحل العسكري.
وأفرز هذا التداخل بين الأطراف الفاعلة أدوارًا متناقضة، بعضها يسعى إلى دفع مسار التفاهم قدمًا، فيما يعمل آخرون على تعطيله أو توجيهه بما يخدم أجنداتهم الخاصة، فبحسب تقرير لموقع “المونيتور” الأمريكي، في 8 من آب الماضي، بدا أن التنافس التركي- الفرنسي عطّل “الوساطة” التي تقودها الولايات المتحدة بين دمشق و”قسد”.
فقد أظهرت فرنسا اهتمامها بدعم “قسد” من خلال الاجتماعات التي أجرتها في الفترة الماضية، وفي الاجتماع الذي كان مرتقبًا بين الطرفين على أراضيها، في آب الماضي، بينما تظهر تركيا دعمها لحكومة دمشق، ملوحة دائمًا بالخيار العسكري بالرغم من اتفاق السلام الذي عقدته مع حزب “العمال الكردستاني” على أراضيها.
أما أمريكا فتحاول لعب دور الوساطة بين الجانبين لتحقيق الاندماج السياسي بينهما وتطبيق اتفاق 10 آذار، ويظهر ذلك من خلال جولات أمريكية حاولت تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
ساحة لعب دولية
مدير “المركز الكردي للدراسات”، نواف خليل، اعتبر أن الدورين الأمريكي والفرنسي لا يزالان إيجابيين في الملف السوري، في مقابل دور سلبي لكل من روسيا وتركيا.
فموسكو ما زالت تحرّض ضد “قسد”، بحسب خليل، وتعمل على تأزيم المشهد السوري، في وقت تحاول فيه الحفاظ على نفوذها من خلال اللعب على التناقضات بين “الإدارة الذاتية” و”قسد” من جهة، والحكومة السورية من جهة أخرى، من دون أن تحقق نجاحًا يُذكر، كما لم تنجح سابقًا مع النظام السابق.
وفيما يتعلق بتركيا، أوضح خليل أن تدخلها في الشأن السوري لم يتراجع، بل ازداد، إذ تترافق كل زيارة أو تحرك تركي بتصعيد عسكري وهجمات تنفذها مجموعات مسلحة موالية لأنقرة، وفي مقدمتها ما كان يسمى بـ“الجيش الوطني السوري”.
تترافق كل زيارة أو تحرك تركي بتصعيد عسكري وهجمات تنفذها مجموعات مسلحة موالية لأنقرة، وفي مقدمتها ما كان يسمى بـ“الجيش الوطني السوري”.
نواف خليل
مدير “المركز الكردي للدراسات”
وأضاف أن الدور التركي ما زال سلبيًا، رغم الدعوات الأخيرة التي صدرت عن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، لاضطلاع تركيا بدور إيجابي.
ولا يمكن فهم طبيعة هذه الأدوار المتباينة دون التوقف عند الدوافع التي تحرك كل طرف دولي، إذ لا تنطلق تدخلاتهم من منطلقات إنسانية أو سياسية مجردة، بل تحكمها اعتبارات أمنية واستراتيجية تتصل بمصالحهم المباشرة في سوريا والمنطقة.
الكاتب السياسي درويش خليفة قال ل، إن الدور الأوضح كان للولايات المتحدة الأمريكية من خلال اتفاق 10 آذار، عندما أحضرت قائد “قسد”، مظلوم عبدي، إلى دمشق، معتبرًا أن بنود الاتفاق الثمانية كانت مكتوبة مسبقًا، ولم يكن النقاش إلا حول التوقيع.
فالأمريكيون هم رعاة هذا الاتفاق، بحسب تعبير خليفة، وهم الطرف الأكثر مصلحة في اندماج الجانبين أو دخولهما ضمن مؤسسة عسكرية واحدة، بهدف مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” ومكافحته، ولا سيما أن “قسد” تتولى حراسة مخيم “الهول” وسجن “الصناعة” وجميع مراكز احتجاز عناصر التنظيم وعائلاتهم، أضاف خليفة.
بينما لتركيا مصلحة في اندماج “قسد” كأفراد لا ككتلة عسكرية، خلافًا لما يُسوَّق له حاليًا على المستوى الدولي، إلا أن هذا الأمر، برأي خليفة، بات صعبًا جدًا، نظرًا إلى اختلاف العقيدتين العسكريتين لكل من “قسد” والحكومة السورية بشكل كامل، فالجيش السوري ذو بعد إسلامي جهادي، في حين أن “قسد” ذات بعد قومي فئوي، ما يجعل الانصهار بينهما بهذه الصيغة أمرًا بالغ الصعوبة، وقد يؤدي إلى اقتتال بين القوى المحلية داخل الجيش السوري في حال تم السير بهذا الاتجاه.
لتركيا مصلحة في اندماج “قسد” كأفراد لا ككتلة عسكرية، خلافًا لما يُسوَّق له حاليًا على المستوى الدولي، إلا أن هذا الأمر بات صعبًا جدًا، نظرًا إلى اختلاف العقيدتين العسكريتين لكل من “قسد” والحكومة السورية بشكل كامل.
درويش خليفة
كاتب سياسي
في المقابل، فإن دولًا مثل فرنسا أو الولايات المتحدة أو بريطانيا قد تكون لها رؤية مختلفة، إذ تسعى إلى تحقيق الاستقرار في سوريا بغية الاستثمار فيها وضمها إلى المحور الغربي، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في أن تبقى الحكومة أو الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية القوة الوحيدة المهيمنة في البلاد، بحسب خليفة.
ويرى مدير “المركز الكردي للدراسات”، نواف خليل، أن أطرافًا داخل تركيا، ولا سيما المعترضين على مسار السلام الكردي- التركي الداخلي، يسعون إلى إفشال الاتفاق، باعتبار أن تطبيقه يُعد مكسبًا للكرد داخل تركيا أيضًا، وهو ما يتعارض مع حساباتهم السياسية الداخلية، وخصوصًا في ظل الاستحقاقات الرئاسية المقبلة بعد عام 2028.
روسيا والدور “الوظيفي”
يرى المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، أن الدور الروسي في اتفاق 10 آذار يتخذ طابعًا وظيفيًا أكثر منه قياديًا، إذ لا تُعد موسكو صاحبة الاتفاق أو من صاغ بنوده، لكنها تبقى لاعبًا يصعب تجاهله في شمال شرقي سوريا بحكم حضورها الميداني والسياسي.
ويشير بريجع، في حديثه إلى، إلى أن التمركز الروسي قرب القامشلي ومطارها يمنح موسكو قدرة على منع الاحتكاك وضبط إيقاع التصعيد، إلى جانب لعب دور قناة اتصال بين دمشق وأنقرة، بما يخفف مخاطر سوء التقدير والانزلاق نحو مواجهة واسعة.
ووفق قراءة بريجع، فإن روسيا معنية أساسًا بمنع تحوّل شرق الفرات إلى ساحة صدام مفتوحة تخلط الأوراق وتستنزف الجميع، لذلك تميل إلى الدفع نحو تسويات مرحلية تقلل التكلفة وتؤمّن قدرًا من الاستقرار، من دون أن يعني ذلك امتلاكها قرارًا مطلقًا في مسار الاتفاق.
ويخلص بريجع إلى أن أي دور روسي محتمل سيبقى محكومًا بحدود التوازنات الدولية والإقليمية، وقد يقتصر على تقريب وجهات النظر حول آليات التنفيذ وجدولته، بدل فرض حل نهائي شامل.

آليات عسكرية تابعة لوحدات حماية الشعب – 14 شباط 2024 (المركز الإعلامي لوحدات حماية الشعب)
رغم التوافق المعلَن على اتفاق 10 آذار بوصفه إطارًا سياسيًا لمعالجة ملف شمال شرقي سوريا، تكشف تصريحات الأطراف والخبراء عن خلافات وتباينات داخل أطراف الاتفاق نفسها، وبينها.
ففي حين تؤكد قيادة “قسد” وحدة موقفها الداخلي ونفيها وجود أجنحة رافضة أو خاضعة لتأثير خارجي، تنتشر بين الفترة والأخرى تسريبات عن وجود انقسام داخلي يقوده الجناح الأجنبي التابع لحزب “العمال” الذي يرفض الاندماج مع الحكومة السورية بالصيغة المطروحة.
وفي المقابل، تبدو الحكومة السورية واقعة بين رغبتها في استعادة السيادة بأقل تكلفة ممكنة، والضغوط التركية التي تلوح مرارًا بالخيار العسكري، إذ ترفض تركيا انضمام “قسد” ككتلة واحدة، وتريد تفتيت هيكلية “قسد” عبر دمجها كأفراد في الجيش السوري، وبحسب وكالة “رويترز”، فإن الحكومة السورية وافقت على ضم “قسد” للجيش السوري على شكل ألوية وفرق، بشرط تخليها عن بعض سلاسل القيادة وفتح مناطق سيطرتها أمام وحدات من الجيش السوري.
نقطة التباين بين الحكومة السورية وتركيا من وجهة نظر تركيا مرتبطة بعدم تأثير التفاوض مع “قسد” سلبًا على الأمن التركي ومسار حزب “العمال الكردستاني”، أي فيما يتعلق بالتنازلات التي يمكن أن تقدمها الحكومة السورية في سياق العملية التفاوضية.
أيمن الدسوقي
باحث ومحلل سياسي
هل يرفض جناح “العمال الكردستاني” الاتفاق؟
لا يرى الباحث في “المركز الكردي للأبحاث” طارق حمو وجود أي خلافات داخلية أو أجنحة أجنبية داخل “قسد” تعارض اتفاق 10 آذار، واصفًا هذه الروايات بأنها اتهامات متداولة من أطراف قريبة من السلطة في دمشق وتستند، بحسب قوله، إلى ذرائع غير دقيقة.
ويرى حمو أن بنية “قسد” القيادية معروفة وواضحة، وأن قرار توقيع الاتفاق جاء عن القيادة العسكرية والمجالس المعنية، وبمشاركة المسؤولين الإداريين في “الإدارة الذاتية”، وشكّل الاتفاق، بحسب حمو، “نقطة مضيئة” خلال عام اتسم بتصدعات عميقة في الجبهة الداخلية السورية.
وقال حمو، في حديثه إلى، إن وجود مراكز قوى خارجية مؤثرة داخل “قسد”، لو كان حقيقيًا، لما أتاح الوصول إلى اتفاق أو فتح مسار تقارب وحوار مع دمشق.
لا يوجد أي جناح أجنبي داخل “قسد” يعارض اتفاق 10 آذار، وهذه اتهامات اعتدنا أن نسمعها من أناس مقربين من السلطة في دمشق، فقادة “قسد” معروفون بالاسم، وهم من وافقوا على الاتفاق الذي يمثل حبل نجاة لسوريا، والنقطة المضيئة التي حصلت منذ سقوط النظام السابق.
طارق حمو
باحث في “المركز الكردي للأبحاث”
فيما يرى الباحث والمحلل السياسي أيمن الدسوقي، أن الحديث عن وجود تيار رافض لفكرة الاندماج واتفاق 10 آذار داخل “قسد” فيه وجهة نظر “معتبرة”، لجهة من يرى حل مسألة “قسد” ضمن إطار وطني، وبين من يربطها بإطار إقليمي أوسع، ولعل ذلك أحد العوامل المؤثرة على مسار التفاوض مع الحكومة السورية، إلى جانب عوامل أخرى، وهنالك ارتباط لا يمكن تجاهله بين مساري التفاوض مع “قسد” في سوريا وحزب “العمال الكردستاني” في تركيا.
من جهته، يرى المحلل السياسي أنس شواخ أن مسألة تخلي “قسد” عن سلاسل القيادة المرتبطة بحزب “العمال الكردستاني” تمثل العقدة الأشد حساسية في مسار تنفيذ اتفاق 10 آذار، كونها تمس جوهر البنية القيادية لـ“قسد” وتنعكس مباشرة على التزاماتها السياسية والأمنية.
مسألة تخلي “قسد” عن سلاسل القيادة المرتبطة بحزب “العمال الكردستاني” تمثل العقدة الأشد حساسية في مسار تنفيذ اتفاق 10 آذار، كونها تمس جوهر البنية القيادية لـ“قسد” وتنعكس مباشرة على التزاماتها السياسية والأمنية.
أنس شواخ
محلل سياسي
ويوضح شواخ أن هذه النقطة لا تتصل بعوامل داخلية فحسب، بل تحمل أبعادًا إقليمية في مقدمتها الهواجس التركية التي تراقب هذا الملف عن كثب باعتباره جزءًا من أمنها القومي. ورغم صعوبة تنفيذ هذا الالتزام عمليًا، يعتقد شواخ أن المناخ الدولي والإقليمي الداعم للاتفاق، ولا سيما من الولايات المتحدة وتركيا، يفرض على قيادة “قسد” المضي في هذا المسار، ولو بصيغ معقدة.
إلا أن شواخ لا يستبعد لجوء “قسد” إلى حلول التفافية، عبر الإبقاء على نفوذ بعض القيادات بشكل غير مباشر أو ضمن ما يشبه “قوى ظل” تتحكم بمفاصل عسكرية وأمنية ومدنية، حتى بعد بدء تنفيذ الاتفاق، مستندة إلى خبرة تراكمية في إدارة مثل هذه التحولات الحساسة.
تباين في الرؤى بين سوريا وتركيا
تكشف آراء الخبراء عن تباين بين أنقرة ودمشق حيال اتفاق 10 آذار، يتمحور أقل حول مبدأ الحل، وأكثر حول حدوده وآلياته.
فبحسب الباحث والمحلل السياسي أيمن الدسوقي، تنطلق المقاربة التركية من هاجس أمني مباشر، يتمثل في ضمان ألا يؤدي أي تفاوض بين الحكومة السورية و“قسد” إلى إعادة إنتاج تهديد مرتبط بحزب “العمال الكردستاني”، ما يدفع أنقرة للضغط باتجاه مراعاة مخاوفها في أي تسوية محتملة.
في المقابل، يرفض الباحث في “المركز الكردي للدراسات” طارق حمو هذا المنطق، معتبرًا أن الاتفاق شأن سوري- سوري لا ينبغي إخضاعه لإملاءات خارجية، ويرى أن ربطه بالأمن القومي التركي يمثل تدخلًا غير مبرر، خصوصًا في ظل مسار سياسي داخلي تشهده تركيا نفسها لحل القضية الكردية.
ويضع المحلل السياسي ديمتري بريجع، الخلاف ضمن إطار أكثر براغماتية، معتبرًا أن دمشق وأنقرة تلتقيان نظريًا على رفض بقاء قوة مسلحة مستقلة شمالي سوريا، لكنهما تختلفان على طريقة المعالجة وإيقاعها، إذ تدفع تركيا نحو تفكيك “قسد” ودمجها كأفراد مع ضمانات أمنية صارمة، بينما تميل دمشق إلى مسار تدريجي يقلل تكلفة الصدام ويتجنب فتح جبهة استنزاف جديدة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
