سالم بن علي العريمي

 

في أي جهة عمل، العدالة الوظيفية ليست بندًا في لائحة ولا عبارة للاستهلاك الإعلامي؛ بل هي شعور يومي يلمسه الموظف في تفاصيل حضوره وانصرافه وتعامله مع النظام. وحين يشعر أنَّ القانون يطبق عليه فقط، بينما يستثنى غيره، تبدأ المشكلة الحقيقية، وهنا لا يكون الخلل في النظام؛ بل في العدالة.

من أوضح الأمثلة على ذلك نظام البصمة. موظفون يلتزمون بالحضور والانصراف بالدقيقة، ويحاسبون على أي تأخير مهما كان بسيطًا، بينما يُعفى موظفون آخرون من النظام نفسه دون أسباب مُعلنة أو مُبررات واضحة. هذا التمييز لا يمر مرور الكرام، بل يترك أثرا عميقا في النفوس، حتى وإن التزم الجميع الصمت.

الموظف الملتزم لا يعترض على الانضباط ولا يُطالب بالفوضى؛ بل يُطالب بتطبيق النظام على الجميع بعدالة. حين يرى أن التزامه يقابله تشديد، وإذا تساهل غيره يقابله تجاهل، يتحول النظام من أداة تنظيم إلى أداة ضغط، ومن وسيلة ضبط إلى مصدر إحساس بالظلم.

هذه الازدواجية تُضعف الدافعية وتقتل روح المبادرة. لماذا يلتزم من يحاسب، بينما لا يُساءل من يستثنى. ولماذا يحترم الموظف نظاماً لا يعامل الجميع على قدم المساواة. مع الوقت، لا يعود الالتزام قناعة مهنية، بل عبئا نفسيا، ولا يبقى الانضباط قيمة مشتركة، بل عبئا يتحمله البعض دون غيرهم.

ولا تقف الاستثناءات عند نظام البصمة فقط، بل تمتد إلى التقييمات، والفرص، والانتدابات، وحتى التغاضي عن الأخطاء. فيصبح الموظف الجاد محاطا بالقوانين من كل جانب، بينما يتحرك غيره بهامش واسع من التساهل. وهنا تسقط العدالة الوظيفية بهدوء، دون قرار مُعلن ودون اعتراف رسمي.

المؤسسة التي تسمح بهذه الممارسات لا تظلم موظفيها فحسب؛ بل تضعف ثقتها بنفسها. فهي ترسل رسالة سلبية مفادها أن القانون انتقائي، وأن الإنصاف ليس أولوية. وفي بيئة كهذه، لا يمكن الحديث عن إنتاج حقيقي أو ولاء مهني صادق.

العدالة الوظيفية لا تعني كثرة الأنظمة؛ بل وضوحها وعدالة تطبيقها. أما أن يلتزم الجميع، أو تكون معايير الاستثناء واضحة ومعلنة ومحدودة. غير ذلك، سيتحول أي نظام مهما كانت نواياه حسنة إلى أداة إقصاء بدل أن يكون أداة تنظيم.

في النهاية.. حين توضع العدالة الوظيفية في مهب الاستثناءات، يخسر الموظف المُلتزم أولًا، ثم تدفع المؤسسة الثمن لاحقًا؛ فالعمل لا يستقيم بقانون يطبق على فئة ويستثني أخرى؛ بل بعدالة يشعر بها الجميع دون استثناء.

شاركها.