اخر الاخبار

بعد تحرك الجعفري “المشبوه”.. خبراء يحذرون من “كيانٍ موازٍ” يخترق الدولة السورية ويوجهون “رسالة”

شهدت الساعات الماضية حالة من الجدل واللغط في أوساط السوريين، بدأ من واشنطن ولم ينتهي في موسكو، حيث كان بطل القصة هو “البعثات الدبلوماسية السورية”، فبالوقت الذي أكدت واشنطن عدم اعترافها بالحكومة السورية وخفّضت تأشيرات ممثليها في الأمم المتحدة، أعلنت الخارجية السورية عن تحرك سريع يقضي ببدء تغيير البعثات والسفراء حول العالم، لكن هذا القرار لاقى صداه في موسكو حيث يقبع “السفير بشار الجعفري” أحد أبرز وجوه النظام البائد، وحول ذلك كشف خبراء لوكالة “ستيب الإخبارية” ما بين سطور هذه التحركات وتداعياتها وقانونيتها.

 

سفراء بلا ولاء

لم يكن خافياً على السوريين لا سيما المغتربين أن السفارات السورية حول العالم والبعثات الدبلوماسية فيها كانت ولا تزال بعثات تمثل وجوه نظام بشار الأسد، وقدم العديد من الخبراء نصائحاً للحكومة السورية الانتقالية بضرورة التحرك وإجراء التغيير اللازم، لكن ذلك تأخر كثيراً.

وما أشعل الجدل حول تأخر الحكومة وعودة طرح الملف هذه المرة، كان تحرك الخارجية الأمريكية وإعلانها تغيير تأشيرات البعثة الدبلوماسية السورية في أمريكا، وتخفيض ميزاتها من بعثة دبلوماسية لدولة عضو في الأمم المتحدة إلى بعثة حكومة غير معترف بها.

واليوم أكدت الخارجية الامريكية أن الإجراء كان إدارياً حيث أن واشنطن لا تزال لا تعترف بأي حكومة سورية رغم ترحيبها بتشكيل الحكومة الجديدة الذي اعتبرته أكثر شمولاً وتنوعاً من حيث المكونات السورية المشاركة فيها.

وعلى إثر ذلك نقلت وكالة سانا الحكومة أمس عن مصادر لم تسمها أن الخارجية السورية شرعت بإعادة ترتيب بعثاتها حول العالم، وبدأت من موسكو حيث يمثل البعثة هناك السفير بشار الجعفري، والمعروف عنه أنه كان أحد أبرز وجوه نظام بشار الأسد والمدافع الشرس عنه في المحافل الدولة، خصوصاً في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، إضافة إلى السفارة السورية في السعودية والذي يمثلها السفير أيمن سوسان، والذي عرف عنه أيضاً تصريحاته النارية وتهديده لعواصم عربية خلال أوج الحرب في سوريا بعهد نظام الأسد.

وليس الجعفري وسوسان وحدهما من يمثلون رموز النظام البائد حول العالم، حيث أن معظم السفارات السورية فيه أوجه مشابهة لهما علاوةً على بعثات مكونة من ضباط ومسؤولين وأقارب رموز نظام الأسد الذي كان يستأثر بحكم البلاد لعقود.

 

 

رد فعل وتحرك ثاني

وما أن نقل خبر التحرك في الخارجية السورية تجاه “الجعفري وسوسان” حتى تفاجأ السوريون بخبر نشر على قناة السفارة السورية في موسكو على منصة تيلغرام، ينفي فيه استدعاء الجعفري للإدارة المركزية في دمشق، ويؤكد بشكل ضمني أنه لا يزال السفير المعتمد لسوريا في موسكو.

وبعدها بساعات خرج وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بتغريدة أكد فيها الخبر حول إعادة ترتيب البعثات لدبلوماسية بتكليف من الرئيس السوري أحمد الشرع، دون الإشارة إلى الجعفري وسوسان، مما قرأه محللون على أنه رد واضح على بيان “الجعفري”.

ورغم هذا الشد والجذب، كشف خبراء قانونيون على أن المتعارف عليه دبلوماسياً ووفق القانون الدولي، هو أن السفير يعيّن ويقال بمرسوم رئاسي من رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية، وفي الحالة السورية يمكن أن يستدعى السفير من الدولة المضيفة ويعيّن قائم بأعمال السفارة بدلاً منه إلى حين تعيين سفير جديد.

 

ماذا حدث في موسكو

لم يكن ما حدث في موسكو مجرد حدثاً عابراً، حيث جاء نشر خبر نقل الجعفري إلى الإدارة المركزية بدمشق، ثم بيان نفي الخبر والحديث عن اختراق القناة، ما يوحي بأنه لا يزال السفير المعتمد، ثم العودة وحذف الخبرين تماماً، لكن ذلك ليس أمراً اعتيادياً ووراءه حدث “عظيم”.

 

يقول الباحث السياسي السوري محمود إبراهيم، في حديث لوكالة “ستيب الإخبارية”: “هذا عصيان تكتيكي محمي بغطاء خارجي محدود تنفذه المجموعة العاملة في طاقم السفارة، وستتراجع عنه بعد تحقيق أهدافه التي ليس مِن ضمنها إبقاء جعفري سفيرًا كما يظنّ البعض”.

 

ويرى أن من أهداف هذا التحرك هو ” إفراغ المبنى السيادي السوري في موسكو مِن وثائق ومتعلقات استراتيجيّة، تكشف صِلات وقدرات السفارة الفاعلة خارج علم وسياق الدولة في سورية، وتمرير تواقيع باسم السفير لتحرير وسلب أصول سياديّة خارجيّة تخضع لإدارة السفارة حاليًّا، وتستخدم في تغذية كيان موازي ينشط لتقويض سوريّة”.

 

ويؤكد أنه بهذا البيان المنسوب أثبتت سفارة سوريّة في روسيا أنّها رأس “الكيان الموازي الذي خلقه نظام بشار أسد، وهذا الكيان ينفّذ الآن صفحة غدر وامتداد لِتمرّد عناصره المسلّحة في الساحل السوريّ”.

 

من جانبه يرى المحلل السياسي الدكتور صلاح قيراطة، في حديث لوكالة “ستيب الإخبارية أن تزامن تغريدة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع بيان منسوب للسفير بشار الجعفري يشير إلى مرحلة دقيقة وحساسة في السياسة السورية، ويعكس بشكل غير مباشر التحديات التي تواجهها دمشق في علاقتها بموسكو بعد التحولات التي شهدتها المنطقة في ظل العهد الجديد.

 

ويقول: “لم يعد خافيًا على أحد أن الجعفري كان أحد أبرز الوجوه التي تعكس سياسة النظام البائد في سوريا، وهو من الشخصيات التي لعبت دورًا أساسيًا في تبرير مجازر النظام أمام المجتمع الدولي، لكن استمرار الجعفري في منصبه، رغم الأوضاع السياسية المتغيرة في دمشق، قد يُفهم على أنه دليل على دعم موسكو له”.

 

ويشير بذات الوقت أن هذه النقطة تؤكد العلاقة المعقدة بين موسكو والنظام السوري، حيث يبدو أن موسكو لا تزال تحتفظ بعلاقات قوية مع بعض أركان النظام القديم، ويضيف: “على الرغم من التحولات السياسية في دمشق، موسكو لم تبادر إلى التخلي الكامل عن رموز العهد البائد، بل تسعى إلى التأثير في المرحلة الجديدة من خلال إبقاء بعض الوجوه القوية في مواقعها”.

 

ويشدد “قيراطة” على أن تزامن هذه الأحداث لا يعد صدفة، بل يبرز التحديات المستمرة في العلاقات بين سورية وموسكو بعد التغيرات السياسية، إذ أن موسكو، رغم دعمها العلني للنظام في ظل العهد البائد، لازالت تحاول فرض نفسها كلاعب رئيسي في العهد الجديد، مُراهنة على استمرار نفوذها عبر شخصيات مثل الجعفري.

 

 

رسائل للسلطات السورية

 

وفي خضم هذه التحركات التي تدور خلف كواليس الدبلوماسية السورية، وجه الباحث محمود إبراهيم رسائلاُ إلى السلطات السورية الجديدة.

ويقول: ” العصيان غير المكتمل للآن بِسفارة الجمهوريّة في موسكو، يؤكّد صوابية قرار كفّ اليدّ الذي يجب أنْ تتمسك به الوزارة كونه حقق ضربة على رأس الأفعى القابعة في جحور موسكو، وأقصد بالأفعى بشار وماهر أسد شخصيًّا”.

ويضيف: ” إنّ الجمهوريّة الوليدة أمام كيان موازي خطر وعميق، تشكّل عام 2023 وظهر فعليًّا صبيحة يوم 07122024″، ويشدد على أن تفكيك هذا الكيان عمليّة معقّدة، تتم بأدوات استخباراتيّة، تبدأ بتشكيل خليّة أزمة تعمل كَوحدة وقائيّة هدفها الأوّل مطاردة الأصول السياديّة الخارجيّة وتحديد الشخوص المتورطين بإدارة هذا الكيان الموازي، الذي يتخذ مِن وزارة الخارجيّة السوريّة وكرًا رئيسًا استطاع تمديده منذ شهر إلى وزارات أخرى، وبدأ تنظيم نفسه داخلها.

 

ويتابع: ” القواعد الفاعلة لهذا الكيان “النصيرة والعاملة” موجودة في مؤسسات الدولة السيادة وأولها مراكز صناعة القرار ومنها القصر الرئاسي ذاته، ما يوجِب رصدها وتحييدها كهدف إستراتيجي أوّل، تُخصّص له قوّة منظمة نشطة وخبيرة في تقويض الأنشطة التخريبية”.

 

لماذا الجعفري وسوسان أولاً؟

بشار الجعفري من مواليد دمشق عام 1956، بدأ مسيرته الدبلوماسية في الثمانينيات، وتقلّد مناصب عدة، أبرزها تمثيل سوريا الدائم في الأمم المتحدة بين عامي 2006 و2020، حيث كان واجهة الخطاب الرسمي السوري خلال النزاع. عُيِّن لاحقًا نائبًا لوزير الخارجية، ثم سفيرًا في موسكو عام 2022.

برز بشار الجعفري كواحد من أبرز وجوه الدبلوماسية السورية المدافعة عن نظام بشار الأسد في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن، حيث شغل منصب المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة منذ عام 2006. ومنذ اندلاع الثورة السورية في 2011، اتخذ الجعفري مواقف متشددة رافضة للحراك الشعبي، وعمل على تقديم رواية رسمية تتهم المعارضة بالتآمر على الدولة، متجاهلًا مطالب السوريين بالحرية والإصلاح.

 

من أبرز مواقف الجعفري، نفيه المتكرر لاستخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، خاصة بعد الهجوم على الغوطة الشرقية عام 2013 الذي خلّف مئات القتلى من المدنيين، حيث وصف الجعفري الاتهامات الدولية بأنها مجرد “حملة دعائية عدائية” ضد دمشق.

 

كما رفض في أكثر من مناسبة تقارير أممية توثّق انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من قبل قوات النظام، بما في ذلك تقارير اتهمت الحكومة السورية باستهداف الأطفال والمشافي والمناطق السكنية، واعتبرها منحازة ومفبركة.

في تصريحاته المتكررة، سعى الجعفري إلى تشويه صورة المعارضة السورية، وحرص على وصف كل فصائلها بـ”الجماعات الإرهابية”، مع التركيز على فكرة أن ما يجري في البلاد هو “مؤامرة دولية” تستهدف استقرار سوريا، مدعومة من قوى خارجية مثل الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج.

حتى في مسار المفاوضات السياسية، لعب الجعفري دورًا معرقلًا، حيث كان يقود وفد النظام في محادثات جنيف، ورفض مرارًا التعامل مع ممثلين عن المعارضة مثل محمد علوش، بل اشترط في إحدى المرات أن “يحلق لحيته”.

 

أما أيمن سوسان فقد شغل منصب نائب وزير الخارجية، وبرز خلال سنوات الحرب كأحد أبرز الوجوه الإعلامية الرسمية المدافعة عن النظام. وفي ديسمبر 2023، تم تعيينه سفيرًا في الرياض، ليكون أول سفير سوري في السعودية بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عقب قطيعة دامت أكثر من عقد.

ظهر أيمن سوسان كأحد أبرز الوجوه الإعلامية الرسمية المدافعة عن النظام السوري، من خلال تصريحات سياسية منتظمة تعكس نهج السلطة في التعامل مع الثورة السورية.

 

وقد اتّسمت مواقفه بالتشكيك بشرعية الحراك الشعبي، ووصف ما جرى منذ عام 2011 بأنه “مؤامرة خارجية”، وليس ثورة نابعة من الداخل.

 

في عدد من تصريحاته الرسمية، شدّد سوسان على أن ما شهدته البلاد هو “محاولة لإسقاط الدولة السورية عبر الإرهاب”، متهمًا الدول الغربية وتركيا ودول الخليج بـ”تمويل وتسليح الجماعات المسلحة”، وهو المصطلح الذي استخدمه النظام في توصيف فصائل المعارضة بمختلف أطيافها، بما في ذلك القوى السياسية المعارضة.

 

كما عبّر في لقاءاته الإعلامية المتكررة عن رفضه لأي عملية انتقال سياسي لا تكون بقيادة بشار الأسد، مشيرًا إلى أن “الشعب السوري هو من يقرّر مصيره عبر صناديق الاقتراع”، في تجاهل واضح لما كان يجري على الأرض من قمع وتهجير وانتهاكات وثّقتها منظمات دولية.

 

وفي مؤتمرات صحفية عدة، هاجم سوسان شخصيات المعارضة في الخارج، واعتبر أنها “مرتبطة بأجندات أجنبية ولا تمثّل السوريين”، كما رفض في أكثر من مناسبة نتائج التحقيقات الأممية في جرائم الحرب التي اتُّهِم بها النظام، ووصفها بأنها “أداة للابتزاز السياسي”.

 

واجب متأخر ولكن!

ومع الإعلان رسمياً عن بدء التغيير المنتظر في السفارات السورية حول العالم يواجه الحكومة الجديدة معوقات لتحقيق الهدف المنشود، ربما أبرزها ما أعلنته أمريكا صراحةً وهو عدم اعترافها بالحكومة الجديدة مما يقوض أي تحرك لها خارجياً، لكن ذلك بحسب الخبراء يمكن تجاوزه من خلال تكليف أشخاص لديهم الخبرة ومقيمين في الدول ذاتها التي سيجري فيها التغيير، ولدى سوريا الكثير من السفراء المنشقين والدبلوماسيين المخضرمين الذي عارضوا نظام الأسد وانضموا إلى صفوف الثورة السورية خلال السنوات الماضية، كما يمكن ترك منصب السفير شاغراً مع استدعاء السفراء إلى دمشق وتكليف أحد القائمين بالسفارة تسير الأعمال حتى تهيئة الظروف ، وهنا يجب التأكد من خلفية الأشخاص المختارين بهذه المهمة، ويبدو أن الحكومة السورية الجديدة أمامها مهمة شاقّة وحافلة ضد هذه الكيانات الدبلوماسية التي كادت تسبب ضرراً للسياسية الخارجية السويرة الجديدة.

بعد تحرك الجعفري “المشبوه”.. خبراء يحذرون من “كيان موازٍ” يخترق الدولة السورية ويوجهون “رسالة”

 

إعداد: جهاد عبد الله

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *