اخر الاخبار

مؤسسة بصلاحيات فوق دستورية –

لمى قنوت

قبل يوم من تشكيل حكومة المرحلة الانتقالية، أصدر أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية، في 28 من آذار الماضي، قرارًا بإنشاء مجلس أعلى للإفتاء برئاسة الشيخ أسامة الرفاعي، من أجل أن تتحول الفتوى فيه إلى “مسؤولية جماعية”، وليسعى في عمله إلى “ضبط الخطاب الديني المعتدل”، والحسم “في الخلاف المفضي إلى الفرقة”، حسب قول الشرع، وضم المجلس انتماءات دينية متعددة، كالسلفية (السلفية النجدية)، والأشعرية والصوفية وهو الاتجاه الديني الأكثر شيوعًا في سوريا.

من المفيد أن يمارس المجلس دوره وخاصة بعد خلافات في بعض المساجد و”اتهامات بالبدع” لمشايخ ومصلين من قبل متشددين سلفيين، كالأحداث التي حصلت في حي جامع “الشريعة” بحماة في 4 من آذار، وأدت إلى شجار بين المصلين ومشايخ المسجد خلال صلاة التراويح، وامتدت إلى خارجه وأسفرت عن تدخل الشرطة، التي أطلقت النار بالهواء لتفريق الناس، ما دفع بالشيخ د. عبد القادر الحسين، وهو من دعاة التصوف وأحد أئمة الإسلام الأشعري، إلى التوجه برسالة “لأهل الحل والعقد”، يرفض فيها التدخل في عبادات وأحوال أهل الشام، ومحاولات فرض النموذج النجدي عليهم، ونصحهم إن أرادوا الاستقرار في البلاد “ألا يتركوا الصغار يلعبون بالنار”. ومن المفيد أيضًا أن يقوم المجلس بالتصدي ومنع خطاب الكراهية من منابر بعض المساجد والذي من شأنه أن يضر بالسلم الأهلي.

لكن تصريح الشيخ نعيم عرقسوسي، أحد أعضاء المجلس الأعلى للإفتاء، في 2 من نيسان الحالي، كشف عن صلاحيات المجلس الواسعة والشاملة، وبأنه “المصوب والمرشد والموجه للقرارات التي ستصدر، وفيها مخالفة للشريعة، سواء كانت في مسائل إدارية أو قضائية”، ومن مهامه أيضًا، الرقابة على القوانين وقرارات الوزراء، التي يمكن أن تخالف الشريعة الإسلامية، وسيعمل المجلس على إنصاف أي شخص مظلوم قدم شكوى له، ويمكن إيصال أي مظلمة إنسان إلى الجهات المعنية في هذه المظلمة. ولم يجزم عرقسوسي بأن قرارات المجلس ستكون ملزمة باعتبار أن أعضاء المجلس لم يضعوا نظامًا داخليًا بعد، بحكم أنه تشكل عشية العيد.

ومع هذه الصلاحيات والمهام لمجلس الإفتاء، يمكننا القول إنه مشابه لمجلس صيانة الدستور في إيران، الذي يقوم مقام المحكمة الدستورية العليا في العديد من الدول، ولكن في الحالة السورية، فإنه يقوم بمهام المحكمة الدستورية العليا المنصوص عليها في الإعلان الدستوري بالمادة “47”، التي تتولى عادة الرقابة على دستورية القوانين والمراسيم التشريعية واللوائح والأنظمة كإحدى مهامها، رغم أن الإعلان الدستوري لم يُحدد مهام وأطر عملها، كما تتناقض صلاحيات مجلس الإفتاء مع استقلال القضاء المنصوص عليه في الإعلان الدستوري (المادة 43)، ومع تدخله بالسلطة القضائية والتشريعية فإن صلاحياته تتناقض أيضًا مع مبدأ فصل السلطات (المادة 2) من الإعلان، وبهذا المعنى فإن مجلس الإفتاء هو مؤسسة فوق دستورية، تحوِّلُ نظام الحكم إلى نظام مشيخة، يُستخدم كأداة للضبط الاجتماعي والسياسي والإداري، ويعزز مركزيته في المجتمع ، ويعزز سلطة الحاكم، ومع وجود وزير العدل، مظهر الويس، عضوًا في المجلس الأعلى للإفتاء فسيكون أثره أكثر نفاذًا على القضاء، وطبعًا لا يمكن أن نغفل الإصرار على اختيار وزير العدل في الحكومة الانتقالية من خلفية غير حقوقية، كالوزير السابق شادي الويسي، فهو درس الطب البشري وكان رئيس الهيئة الشرعية والمتحدث باسم مجلس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية.

إن دور المجلس وفق الصلاحيات المذكورة أعلاه هو تقويض لبناء دولة حديثة، دولة القانون، الحيادية تجاه جميع مكوناتها وأيديولوجياتهم، وفي الوقت نفسه، مطلوب من المجلس وأعضائه أن يلعبوا دورًا مهمًا في مخاطبة حاملي السلاح من الفصائل التابعة للأمن العام وغير التابعة له، ونهيهم عن قتل وإيذاء وترويع وإذلال المدنيين، نساء ورجالًا وأطفالًا، في الساحل بسبب هويتهم الدينية، ونهب بيوتهم وأرزاقهم واختطاف شبابهم على الحواجز وتغييبهم قسرًا و”إجبار عائلات الضحايا على دفن أحبائهم في مواقع دفن جماعية دون شعائر دينية أو مراسم دفن علنية”، فلا طائفة أو جماعة ناجية، دون نجاة جميع السوريين والسوريات.

إن جرائم القتل على الهوية، والمستمرة حتى يومنا هذا، هي وصمة عار ستلاحقنا جميعًا، والمطلوب وقفها الفوري ومحاسبة مرتكبيها والمحرضين عليها، وجبر ضرر الضحايا وأسرهم كجزء لا يتجزأ من مسار العدالة الانتقالية القادم.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *