تنطلق فعاليات الدورة الـ53 من بينالي فينيسيا الدولي للمسرح، السبت، تحت عنوان “المسرح هو الجسد – الجسد هو الشعر”، بالإدارة الفنّية التي أُنيطت إلى النجم العالمي ويليم دافو، في دورة تضع الحضور الجسدي للممثل في صميم التجربة المسرحية، ذلك الحضور الذي لطالما شكل محوراً في ثورات المسرح الحديث، وما يزال حتى اليوم مصدر إلهام فني وروحي.

ويفتتح المهرجان بعرضين كبيرين: الأول هو العرض الأوروبي الأول لمسرحية Symphony of Rats التي أنجزها الراحل ريتشارد فورمان، أحد أعمدة المسرح التجريبي الأميركي، وتقدمه مجموعة “ووستر” الأسطورية، والثاني هو العرض العالمي الأول للمخرج والمبدع الإيطالي روميو كاستيلوتشي، بعنوان “آكلو البطاطا” في موقع أثري داخل جزيرة، لازاريتو ڤيكيو، في تجربة مسرحية تستكشف أبعاد الجسد والمكان والذاكرة.

ويُختتم اليوم الافتتاحي بحفل فني مميز بعنوان More than Heart، من تقديم مجموعة Industria Indipendente، في الهواء الطلق في ضاحية Forte Marghera، حيث يتداخل الصوت الشعري مع الموسيقى والتجريب البصري والحركي، بمشاركة الفنانة مارتينا روجيري، والمؤدي Egeeno، والشاعر الجزائري Chouf.

عودة إلى الجذور الأميركية – SYMPHONY OF RATS

العمل الأصلي للمخرج الراحل ريتشارد فورمان قُدّم لأول مرة عام 1988، بمشاركة مجموعة “ووستر” نفسها، فيما تعيد الفرقة تقديمه بعد ما يقارب 4 عقود، ضمن رؤية فنية جديدة تصهر الخيال العلمي مع الثقافة الشعبية والتجريب المسرحي.

وتدور المسرحية حول رئيس أميركي يتلقى رسائل نبوءة من الفضاء، تدخله في دوامة من الهلوسة والذعر، وسط كائنات غريبة وجرذ عملاق. يتحوّل المسرح هنا إلى مركبة فضائية، وإلى مرآة ذهنيّة، وإلى كولّاج سمعي بصري مكثف.

وتشارك في الإخراج الفنانة إليزابيث لوكومبت، المؤسسة التاريخية للمجموعة والحائزة هذا العام على الأسد الذهبي للحياة الفنيّة، إلى جانب كيت فالك، التي شاركت أيضاً في النسخة الأصلية.

ويقول الثنائي الإخراجي: “مثلُ فورمان، آمنّا دائماً بأن المسرح فضاء للتجريب الجسدي والذهني، صالة رياضية للفنان. حنيننا للماضي منحنا دافعاً لإنجاز شيء جديد، حيث تتداخل الفيديوهات، الأغاني، الأدوات المسرحية القديمة، وأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي”.

 آكلو البطاطا – المسرح كتجربة مكانية ووجودية

في جزيرة لازاريتو ڤيكيو التاريخية، التي كانت أول مركز حجر صحي في أوروبا، يقدم رومِيّو كاستيلوتشي عرضاً مكانيّاً يعكس رؤيته الشاملة للمسرح بوصفه فناً كلياً شاملاً.

وتتحوّل الممرات المهجورة للمبنى القديم إلى مسرح مفتوح، حيث يتجسّد العنوان “آكلو البطاطا” كبوابة رمزية فقط، في تجربة لا تعتمد على النص، بل على الصورة والصوت والإحساس بالزمن.

ويُعرف كاستيلوتشي بأسلوبه الذي يمزج بين الفنون البصرية والصوتية والروحية، ويمنح المتفرج تجربة عميقة تتجاوز الحكاية إلى ما يشبه التأمل الكوني.

الشعر داخل نبض الجسد – MORE THAN HEART

وفي أمسية تجمع ما بين الموسيقى والشعر والأداء، يقدّم ثنائي Industria Indipendente بالتعاون مع الفنان Egeeno، والشاعر Chouf، عرضاً حياً يحتفي بالإيقاع الداخلي للجسد.

ويُقام العرض في الهواء الطلق عند حدود لاجونا فينيسيا في Forte Marghera، حيث تتناغم الأصوات مع الفضاء المعماري والمشهد الطبيعي، وتتشكل مقطوعات صوتية نابعة من دقات القلب (70–80 نبضة في الدقيقة) لتتحوّل إلى كائن سمعي نابض، ينفتح على مفاهيم الاحتفال، والتعدد اللغوي، والذاكرة الجماعية.

من المسرح التجريبي الأميركي إلى الشعر العربي، ومن المواقع المهجورة إلى مساحات الصوت، تقدّم الدورة الثالثة والخمسون من مهرجان فينيسيا المسرحي فسيفساءً حيّة من الأجساد والذكريات والرؤى. إنها دعوة للتفكير في المسرح كجسد، وفي الجسد كشعر… في زمن باتت فيه الحواس وسيلتنا الأخيرة للفهم والمقاومة.

شاركها.