آمال اللبنانيين التحديات الاقتصادية تواجه حكومة نواف سلام

يترقب اللبنانيون، الذين يعانون من الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عام 2019، الخطوات التي ستتخذها الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام لاستعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات الأجنبية، بعد حصولها المنتظر على ثقة البرلمان، الأسبوع المقبل.
وطرحت الحكومة اللبنانية، عبر بيانها الوزاري، أولويتها ورؤيتها المستقبلية للبلاد، والتي تضمنت سعيها لبناء دولة ذات إدارة فعالة ومؤسسات قوية، مع ضرورة إعادة هيكلة القطاع العام لتلبية احتياجات المرحلة الحالية.
وذكرت الحكومة أنها ستعزز الاقتصاد، لكنها قالت إن ذلك يتطلب إصلاح القطاع المصرفي لتتمكن المصارف من استعادة دورها في تمويل الاقتصاد الوطني، معتبرةً أن حماية ودائع المواطنين “أولوية قصوى”، كما تعهدت بوضع خطة شاملة تتماشى مع أفضل المعايير الدولية لضمان حقوقهم.
وأعرب صندوق النقد الدولي عن استعداده لبدء مفاوضات مع الحكومة اللبنانية بشأن برنامج دعم اقتصادي جديد يهدف لمساعدتها في تجاوز الأزمة الاقتصادية، بحسب وزير المالية اللبناني ياسين جابر الذي شدد على أهمية التوصل إلى اتفاق مع الصندوق لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، وإعادة جذب الدعم الدولي.
مسار التعافي الاقتصادي
ويرى النائب اللبناني المستقل كريم كبّارة أن “لدى الحكومة أولويات في مسار التعافي الاقتصادي، وهو ما يتطلب فتح ورشات متكاملة للمعالجة”.
وقال كبّارة لـ”الشرق” إن “موضوع المصارف والودائع مهم، لكن هناك أيضاً عدة نقاط مرتبطة بتنشيط القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وتحفيز الاستثمار وتشجيع المشاريع لخلق دورة اقتصادية وفرص عمل”، مشدداً على ضرورة أن “تترافق هذه المسارات مع تأهيل البنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات وغيرها”.
وتابع: “لبنان كله يعاني، لكن ثمة مناطق تعيش تحت خط الفقر، وعلى رأسها طرابلس (شمال لبنان) التي تعاني واقعاً مريراً جداً، وبالتالي يجب التحرك سريعاً وعدم المماطلة”.
وأشار كبّارة إلى أن عملية “استعادة الثقة مع المنظمات الدولية بدأت سياسياً من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، وعبر أيضاً ما ورد في البيان الوزاري”، لكنه أكد على وجوب أن “يترافق ذلك مع سلسلة خطوات إصلاحية ضرورية وعاجلة، تحتاج للتطبيق والالتزام بالقوانين، وتحديث طريقة إدارة الدولة، والخروج من نمط الإدارة السابق”.
70 مليار دولار خسائر القطاع المصرفي
أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية شارل قسطنطين يرى أنه “لحماية حقوق المودعين، وضمان استدامة النظام الاقتصادي اللبناني، يجب على مصرف لبنان الاعتراف بديونه بالعملات الأجنبية، والالتزام بتسديدها بتلك العملات وفق جدول زمني واضح وقابل للتنفيذ خلال السنوات المقبلة، مع إمكانية تعديله بناء على تطورات الوضع المالي”.
وقال قسطنطين لـ”الشرق” إنه “يتعين على المصارف وضع جدول زمني لتسديد ودائع العملاء بالعملات الأجنبية للحفاظ على مصداقية النظام المصرفي وثقة اللبنانيين وغير اللبنانيين”.
وذكر أن “التقديرات الأولية تشير إلى أن الخسائر الإجمالية في القطاع المصرفي تبلغ نحو 70 مليار دولار”، لافتاً إلى أن “من الخطط المقترحة سابقاً إعادة رسملة المصارف، ما يعني تحويل جزء كبير من الودائع إلى أسهم أو إجبار المودعين على تحويل ودائعهم بالعملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية بسعر صرف منخفض”.
وأوضح أستاذ الاقتصاد أن “الهدف الرئيسي من هذه الخطة هو تحميل المودعين الجزء الأكبر من الخسائر، رغم أن المسؤولية الكبرى عن الانهيار الاقتصادي والمالي تقع على عاتق السياسات المالية للحكومات المتعاقبة، ومصرف لبنان والمصارف التجارية، التي استفادت من الأرباح الاستثنائية عبر توظيف جزء كبير من أموالها في مصرف لبنان”.
وطرح قسطنطين عدة حلول لهذه الأزمة منها أن “يعترف مصرف لبنان بديونه بالعملات الأجنبية وتسديدها وفق جدول زمني محدد، ويمكن تعديله بناء على تطور الوضع المالي للمصرف”. كما تحدث عن وجوب أن “تحدد المصارف جدول زمني لتسديد ودائع عملائها بالعملات الأجنبية، لضمان مصداقية النظام المصرفي”.
واعتبر قسطنطين أن “كل هذه الحلول لا يمكن أن تتم دون إعادة انتظام عمل المؤسسات، ووضع خطة اقتصادية شاملة، والسير في إصلاحات البنية التحتية، واستعادة الثقة مع المنظمات الدولية المانحة”.
وأردف: “على الحكومة أن تبدأ بوضع خطة شاملة لمعالجة الخسائر التي تكبدتها المصارف اللبنانية، وإعادة هيكلة الديون السيادية.. إذا تم تنفيذ هذا بشكل صحيح، سيؤدي إلى إعادة الثقة في المؤسسات المالية المحلية والدولية”.
ومن أجل استعادة استقرار العملة اللبنانية، دعا أستاذ الاقتصاد إلى “تبني سياسات نقدية متوازنة، لا يمكن أن يتحقق من خلال التدخلات المالية الفورية فقط، بل عبر إصلاحات اقتصادية هيكلية طويلة الأجل”.
وتطرق قسطنطين أيضاً إلى أهمية “تحسين الشفافية والمساءلة في المؤسسات اللبنانية”، قائلاً: “نحن بحاجة إلى آليات رقابية أكثر فعالية، بالإضافة إلى تعزيز استقلالية القضاء لضمان عدم هدر الموارد العامة، وعندما يشعر المستثمرون بأن البيئة الاقتصادية تتمتع بالشفافية، فإن ذلك يعزز ثقتهم في الاستثمار في لبنان”.
وشدد على ضرورة “تحفيز القطاع الخاص من خلال تشريعات تشجع الاستثمارات طويلة الأجل”.
وأشارت الخبيرة المالية في المنظمات الدولية ريتا شاهين إلى أن “المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أصابها الجمود خلال السنوات السابقة؛ بسبب غياب رئيس الجمهورية، ولأن الحكومة السابقة كانت لتصريف الأعمال وغير كاملة الصلاحيات”.
وذكرت ريتا لـ”الشرق” أن “من الشروط كان تنفيذ إصلاحات بنيوية لمكافحة الفساد، وغسل الأموال، ومحاربة التهريب عبر الحدود، والاقتصاد غير الشرعي”، موضحةً أن “مطالب صندوق النقد الدولي تتمثل في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، بداية بمؤسسة كهرباء لبنان التي كانت تستهلك موازنات الحكومات السابقة”.
وتابعت: “استعادة لبنان للثقة الدولية يعني أنه دخل في مساره الصحيح تحت المراقبة الدولية، مما يعيد ثقة المستثمرين والمغتربين، الذين فقدوا الثقة من السياسات الحكومية السابقة”.
الكهرباء مدخل الإصلاحات
وتعد أزمة الكهرباء من أبرز القضايا التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني. وفي هذا السياق، شددت ريتا شاهين على أن “إصلاح قطاع الكهرباء يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة”.
وترى أن “الحل الحقيقي لأزمة الكهرباء يبدأ من إصلاح جذري للقطاع، بما في ذلك تحسين كفاءة المحطات الحالية، والاستفادة من الطاقات المتجددة”.
وبيّنت أن “الدولة وضعت عدة خطوات استراتيجية للتعامل مع أزمة الكهرباء، بما في ذلك تحسين كفاءة المحطات الحالية، زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وإجراء إصلاحات مالية لتحسين تحصيل مستحقات الكهرباء”.
وأردفت: “رغم هذه الخطط، إلا أن التحديات تظل قائمة، خاصة في ظل غياب التمويل المستمر، واعتماد القطاع على استيراد الوقود”.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى “حاجة لبنان لأكثر من 3 آلاف ميجاوات من الكهرباء لتغطية احتياجاته الفعلية، بينما لا تتجاوز قدرة توليد الكهرباء محلياً ألفي ميجاوات”.
وتعاني شبكة الكهرباء من فاقد يتراوح بين 30% و 40% بسبب الأعطال المتكررة في المحطات والشبكات القديمة بحسب ريتا شاهين الذي ذكرت أن “الفساد المستشري في القطاع يعد عائقاً كبيراً أمام تنفيذ الإصلاحات الضرورية”.
وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة، اعتبرت الخبيرة المالية أن “هذه الطاقة الحل الأمثل على المدى البعيد”، مشيرة إلى أن لبنان “يمتلك إمكانيات هائلة في هذا المجال، وبينما يبقى الأمل في تنفيذ الإصلاحات الضرورية، تشير جميع التصريحات إلى أن لبنان بحاجة إلى استقرار سياسي، وتعاون دولي فعال لاستعادة الثقة في اقتصاده”.