تواصل “أبل” المضي قدماً في خططها لتوسيع نطاق أعمالها الإعلانية داخل منظومتها الرقمية، إذ كشف تقرير جديد أن الشركة الأميركية تستعد لإطلاق ميزة جديدة داخل تطبيق Maps تسمح بظهور إعلانات تجارية مدفوعة، في خطوة من شأنها أن تفتح مجالاً جديداً لتعزيز إيراداتها خلال عام 2026.
وبحسب ما نشرته بلومبرغ، فإن أبل تعمل حالياً على تطوير نموذج إعلاني جديد يتيح للمطاعم والمتاجر والشركات المحلية الدفع مقابل إبراز مواقعها وخدماتها داخل نتائج البحث في تطبيق الخرائط، بحيث تظهر هذه الأنشطة في مواقع أكثر وضوحاً للمستخدمين عند البحث عن وجهات محددة.
وذكر التقرير أن تجربة الإعلانات داخل الخرائط ستكون مشابهة للنموذج القائم في متجر التطبيقات App Store من خلال خدمة Search Ads، التي تتيح للمطورين دفع رسوم لعرض تطبيقاتهم في خانة مروّجة ضمن نتائج البحث.
لكن الشركة تسعى لتطوير واجهة أكثر سلاسة ودقة داخل تطبيق الخرائط، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي ستساعد على تحسين جودة النتائج وتخصيصها وفقاً لاهتمامات المستخدمين وسلوكهم داخل التطبيق.
توسع تدريجي
هذه الخطوة تمثّل امتداداً لاستراتيجية أبل طويلة المدى الهادفة إلى تعزيز عائداتها من قطاع الخدمات، الذي أصبح أحد أعمدة النمو الرئيسية للشركة خلال السنوات الأخيرة.
فقد بدأت أبل رحلتها الإعلانية داخل نظامها البيئي من خلال خدمة “إعلانات البحث” في متجر التطبيقات، التي مكّنت المطورين من الترويج لتطبيقاتهم عبر نتائج البحث المدفوعة.
ومع نجاح التجربة، شرعت الشركة في إدخال الإعلانات إلى خدمات أخرى مثل تطبيق الأخبار Apple News وتطبيق البورصة Stocks.
وفي عام 2022، نشرت “بلومبرغ” تقريراً أفاد بأن أبل تخطط لتوسيع وجودها الإعلاني داخل عدد من تطبيقاتها الأساسية، بما في ذلك Apple Books وApple Podcasts وتبويب Today في متجر التطبيقات، إلى جانب تطبيق Apple Maps.
وفي الوقت ذاته، تعمل أبل على تطوير نموذج اشتراك جديد لخدمة بث المحتوى Apple TV+ يتضمّن فئة مدعومة بالإعلانات، بأسعار أقل من الاشتراك العادي، في محاولة لتوسيع قاعدة المشتركين وتعزيز إيرادات الإعلانات داخل منصتها التلفزيونية.
بين الخصوصية والربح
اللافت في توسُّع أبل الإعلاني أنه يأتي في ظل استمرارها في تقديم نفسها كمدافع رئيسي عن خصوصية المستخدمين، فمنذ إطلاقها سياسة App Tracking Transparency (ATT) عام 2021، منحت الشركة المستخدمين الحق في اختيار ما إذا كانوا يرغبون في السماح للتطبيقات الخارجية بتتبع أنشطتهم لأغراض إعلانية، وهي السياسة التي كبّدت شركات التكنولوجيا المنافسة، وعلى رأسها “ميتا”، خسائر تجاوزت 10 مليارات دولار في عامها الأول وحده.
لكنّ مراقبون يرون أن أبل، رغم التزامها العلني بحماية خصوصية مستخدميها، لا تزال تستفيد من بيانات الاستخدام داخل منظومتها الخاصة، فالشركة لا تعتمد على تتبع النشاط عبر التطبيقات أو المواقع الخارجية، بل تجمع بيانات من داخل تطبيقاتها نفسها، مثل ما يفعله المستخدم في Safari أو ما يقرأه في Apple News أو نشاطه داخل متجر التطبيقات، لتخصيص الإعلانات بما يتوافق مع اهتماماته.
وبحسب تقارير سابقة نشرها موقع 9to5Mac، فإن نحو 78% من مستخدمي نظام iOS 15 اختاروا تعطيل الإعلانات الموجّهة، إلا أن أبل تظل قادرة على الوصول إلى بعض البيانات الأساسية مثل نوع الجهاز وإصدار النظام ومشغّل الاتصالات، وهو ما يكفي لتشكيل صورة دقيقة عن شرائح المستخدمين وسلوكهم داخل منظومتها الرقمية.
كسر الصورة الذهنية
إدخال الإعلانات إلى تطبيق الخرائط يطرح تساؤلات بشأن مدى تقبّل مستخدمي أبل لهذه الخطوة، فالكثير من عملاء الشركة يرون أن تجربة استخدام أجهزتها يجب أن تبقى “نظيفة” وخالية من المظاهر التجارية المزعجة، خاصة في ظل الأسعار المرتفعة لهواتف آيفون التي تصل في بعض طرازاتها إلى نحو ألفي دولار.
ويرى مراقبون أن أبل تخاطر بإثارة استياء المستخدمين إذا شعروا بأن أجهزتهم تحوّلت إلى مساحة إعلانية مشابهة للمنصات المجانية مثل “جوجل” أو “فيسبوك”، خصوصاً أن الشركة واجهت في السابق انتقادات مماثلة؛ بسبب إظهارها عروضاً ترويجية لخدماتها مثل Apple Music وApple TV+ وFitness+ ضمن واجهات النظام.
لكن مصادر مطلعة تؤكد أن أبل تدرك حساسية هذه الخطوة، ولذلك تعتزم تقديم نموذج إعلاني مختلف يقوم على “الإعلانات المفيدة” التي تضيف قيمة إلى تجربة المستخدم، مثل تسهيل الوصول إلى مطعم قريب أو متجر يقدم عروضاً في نطاق بحثه. وترى الشركة أن هذا النهج سيحافظ على تجربة استخدام مميزة، ويحول الإعلانات إلى خدمة عملية بدلاً من مصدر إزعاج.
نمو متسارع
كشفت أحدث تقديرات صادرة عن مؤسسة eMarketer أن نشاط شركة أبل الإعلاني في السوق الأميركية حقق خلال عام 2024 إيرادات بلغت 6.47 مليار دولار، ما مثّل 2.1% فقط من إجمالي الإنفاق على الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة، رغم النمو المستمر في هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب توقعات، فإن عائدات أبل الإعلانية ستواصل الارتفاع من حيث القيمة المطلقة، إذ تُقدّر الإيرادات بنحو 7.42 مليار دولار خلال العام الجاري، بزيادة قدرها 14.7% مقارنة بعائدات 2024، على أن ترتفع إلى نحو 8.21 مليار دولار في عام 2026، وهو ما يعكس نمواً إضافياً بنسبة 10.6% مقارنة بإيرادات العام الحالي.
وفي سياق متصل، أظهرت دراسة حديثة أعدها كل من البروفيسور فرادكين والدكتور بورلي، أن إجمالي الإنفاق عبر الفئات الثلاث السلع والخدمات الرقمية، والسلع والخدمات المادية، والإعلانات داخل التطبيقات، قد تضاعف أكثر من مرتين منذ عام 2019، في حين سجلت فئة السلع والخدمات المادية أقوى معدل نمو بزيادة 2.6 مرة، نتيجة الطفرة التي شهدها قطاع توصيل الطعام وطلبات البقالة عبر الإنترنت خلال السنوات الأخيرة، بحسب أبل.
أما فئة السلع والخدمات الرقمية، فقد واصلت النمو مدفوعة بالطلب المتزايد على تطبيقات الألعاب، وارتفاع الإنفاق على تطبيقات دعم صناعة المحتوى مثل تطبيقات تحرير الصور والفيديو، التي باتت تلعب دورًا محوريًا في منظومة الإبداع الرقمي للمستخدمين حول العالم.
ومن المنتظر أن تبدأ الإعلانات بالظهور داخل تطبيق الخرائط في بعض الأسواق الكبرى خلال عام 2026، قبل أن تُعمَّم تدريجياً على بقية المناطق.
كما يُرجَّح أن يشمل التوسع الإعلاني تطبيقات أخرى داخل منظومة أبل مثل الكتب Apple Books والعروض الصوتية Apple Podcasts، وربما متصفح Safari في مراحل لاحقة.
