دير الزور – مروان المضحي
على امتداد شريط نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي والغربي، تحولت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة إلى مساحات بور، حيث يجد المزارعون أنفسهم في مأزق معيشي واقتصادي، ليس بسبب الجفاف أو نقص البذور، بل نتيجة للتموضع العسكري على ضفاف النهر.
النقاط العسكرية التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الضفة المقابلة تشكّل تهديدًا مباشرًا لحياة الفلاحين، ما أدى إلى شلل شبه تام في النشاط الزراعي بالمناطق المحاذية.
ويعد هذا الشريط نهرًا حيويًا لتغذية المحافظة، لكنه بات “نطاق تماس” يحمل مخاطر جسيمة.
القنص يلغي الأمان
الوضع الأمني هو العنوان الأبرز لأزمة المزارعين، حيث أكد محمد عبد الرزاق الصالح من أبناء بلدة محكان بريف دير الزور الشرقي ل، أن حادثة قنص استهدفت شقيقته قبل أشهر، وهي جزء من سلسلة اعتداءات من قبل نقاط “قسد” تُستهدف فيها الحركة المدنية القريبة من النهر.
وقال إن “الأرض ملك لنا وتاريخنا فيها، لكن اليوم لا فرق بينها وبين أي منطقة عسكرية”.
الخطر لا يأتي فقط من الرصاص الطائش، بل هناك استهداف مباشر لمن يحاول العمل أو تشغيل مضخات الري.
وأصبحت حياة أهالي الحي مهددة على خط النار، فعملية جمع الحطب أو حرث التربة تحولت إلى مغامرة محفوفة بالموت.
وأشار ثائر الدامواك، عامل في محطة “محكان”، إلى أن هذه “البيئة العدائية” أجبرت العديد من العائلات على هجر أراضيها الأقرب إلى النهر، بينما تحاول عائلات أخرى الاكتفاء بزراعة محاصيل شتوية لا تحتاج إلى عناية متكررة أو سقاية صيفية، ما يقلل من مردودها الاقتصادي بنسب كبيرة.
أزمة الري
لا يقتصر الضرر على القنص والتهديد المباشر، بل يمتد ليشمل البنية التحتية للري، فكثير من جمعيات ومحطات الضخ الرئيسة تقع على مقربة من نقاط “قسد”، ما يجعل الوصول إليها بغرض التشغيل أو الصيانة أمرًا بالغ الخطورة.
وأشار العامل في محطة “محكان” إلى خروج ثلاثة خزانات تصفية في بلدة محكان بريف دير الزور الشرقي عن الخدمة، ولم تستطع ورشات الصيانة العمل عليها بسبب الاستهداف المتكرر من قبل نقاط “قسد” الموجودة على الضفة المقابلة في بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي الخاضعة لسيطرتها.
عبد القادر الحسان، مزارع يستفيد من إحدى جمعيات السقاية، أوضح ل أن هذا الواقع يخدم مصالح الطرف المقابل بشكل غير مباشر، مؤكدًا أن مياه السقاية هي شريان الحياة للمحاصيل الصيفية والشتوية، مثل القطن والبندورة والقمح والشعير.
“مع عدم قدرتنا على تشغيل محطات الضخ خوفًا من القنص، عطشت مساحات شاسعة”، قال عبد القادر، مضيفًا، “نحن نملك النهر، ولا نملك القرار للوصول إلى مياهه”.
واعتبر أن هذا إهمال قسري يؤدي إلى تملّح الأراضي البعيدة عن النهر وتدهور خصوبتها.
وأكد أنه لا يوجد موسم هذا العام بالنسبة للكثيرين، لأن التكلفة أصبحت مضاعفة، حيث تكلفة البذور والأسمدة المرتفعة، يضاف إليها تكلفة المخاطرة بالحياة.
مئات الدونمات خارج الخدمة
لا يمكن تقدير الأرقام الدقيقة لحجم الخسارة الزراعية بسبب تداخل العوامل، ومنها الجفاف وضعف الدعم الحكومي والصراع العسكري.
بالمقابل، تشير التقديرات الميدانية الأولية، بحسب المزارعين الذين التقتهم، إلى أن المساحة قد تتجاوز أكثر من ألف دونم في مناطق التماس الرئيسة كالطريفة ومحكان.
وهذه المناطق توقفت زراعتها تمامًا أو تضررت بشكل كبير نتيجة التهديدات.
ويعيش القطاع الزراعي في محافظة دير الزور، شرقي سوريا، واقعًا صعبًا، فبعد أن كانت سهولها الخصبة سلة غذاء سوريا، تحولت مساحات شاسعة منها إلى أراضٍ قاحلة وشبه صحراوية.
التصحر.. أزمة عالمية
اعتبرت الأمم المتحدة التصحر أزمة صامتة غير مرئية تعمل على زعزعة استقرار المجتمعات على نطاق عالمي، وهو ظاهرة تصنف بين أكبر التحديات البيئية في العصر الحالي.
ويعتبر التصحر قضية عالمية لها آثار خطيرة على التنوع البيولوجي والسلامة “الإيكولوجية” (البيئية)، وتؤدي إلى الفقر وتزعزع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستدامة على الصعيد العالمي.
وقدّرت الأمم المتحدة قيمة خسائر الغذاء وخدمات النظم البيئية والدخل بسبب تدهور التربة، في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050، بنحو 23 تريليون دولار أمريكي.
ويتسبب التصحر سنويًا في تدهور نحو 12 مليون هكتار من الأراضي، ويؤثر في 40% من سكان العالم، ويصيب جميع القارات.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
