أزمة الطاقة إيران تتفاقم.. انقطاعات الكهرباء وفوضى اقتصادية
تملك ايران واحدة من أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط الخام في العالم، ولكنها تعيش واحدة من أشد أزمات الطاقة.
ومع انخفاض درجات الحرارة في جميع أنحاء البلاد، أُغلقت المصانع، وانتقلت المدارس إلى التعليم عبر الإنترنت، وقلصت المكاتب الحكومية ساعات العمل.
في واقع قاسٍ فاقم من حالة القلق والامتعاض الشعبيين، فعلى الرغم من الموارد الهائلة، تتداعى بنية البلاد التحتية للطاقة ويبدو كأنها على حافة الانهيار.
أزمة متجذرة جراء العقوبات والاتهامات بسوء الإدارة
تعود جذور أزمة الطاقة في إيران إلى عقود مضت. سنوات من العقوبات الدولية خنقت الاستثمارات الأجنبية وصعبت الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، مما أدى بالبنية التحتية في البلاد إلى التهالك.
هذا الحال، إلى جانب سوء الإدارة والفساد والاستهلاك المفرط للطاقة، خلق خليطاً يهدد الاقتصاد، وكذلك يهدد ظروف معيشة الملايين.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان في خطاب للأمة في ديسمبر: “نحن نواجه اختلالاً في الغاز والكهرباء والطاقة والمياه والمال والبيئة. جميعها عند مستوى يمكن أن يتحول إلى أزمة”.
وبالفعل، فمع الأزمة الراهنة، توقفت أكثر من 50% من المناطق الصناعية في البلاد عن العمل بسبب انقطاعات الكهرباء، مما أدى إلى خسائر اقتصادية قدّرها اقتصاديون بمليارات الدولارات.
وأغلقت 17 محطة توليد طاقة بالكامل، بينما تعمل الأخرى بطاقة مخفضة.
الأثر على الحياة اليومية
في شوارع طهران، يَشعر الناس بالأزمة تضرب في كل شيء. الشوارع في طهران ومدن رئيسية أخرى غارقة في الظلام، بينما تعيش الأحياء السكنية انقطاعات متفرقة في الكهرباء تصل أحياناً الى ساعات.
أُجبرت المدارس والجامعات في العديد من المحافظات على الانتقال إلى التعليم عبر الإنترنت، وهو إجراء لم يُتخذ منذ جائحة كوفيد-19.
وقالت السيدة سبيده، تعمل معلمة في طهران، إن “انقطاع الكهرباء أثر بشدة على الحياة اليومية والعمل. عندما تنقطع الكهرباء، ينقطع الماء أيضاً، وتتوقف الغلايات عن العمل، مما يجعل أجهزة التدفئة غير صالحة للاستخدام”.
أما نادر، وهو طبيب أسنان، فتعني له الانقطاعات وفق ما قال، “توقف الإجراءات العلاجية في منتصفها، مما يترك المرضى في حالة من القلق وعدم الراحة”.
واستجابةً لتدهور الوضع، أطلق الرئيس بيزشكيان حملة عامة تحث الإيرانيين على خفض منظمات التدفئة بدرجتين مئويتين لتوفير الطاقة.
وتُظهر مقاطع الفيديو على وسائل الإعلام الحكومية المباني الحكومية بأضواء خافتة أو مغلقة بالكامل، وهي إيماءة رمزية تقدم القليل من العزاء لأولئك الذين يعانون من المنازل الباردة والحياة المضطربة.
الصناعات على حافة الانهيار
بالنسبة للصناعات في إيران، فإن أزمة الطاقة بدت مؤلمة. يقدّر مهدي بوستانجي، رئيس مجلس تنسيق الصناعات، أن الانقطاعات خفضت الإنتاج الصناعي بنسبة تتراوح بين 30% و50%. وقال: “هذا أمر غير مسبوق في تاريخ الصناعات”.
وقد تأثرت الشركات الصغيرة والمتوسطة بشدة، حيث يواجه الكثير منها الإغلاق بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتعطل سلاسل الإمداد.
وانتقد علي أصغر أهانيها، عضو المجلس الأعلى للعمل في إيران، تفضيل الحكومة للاحتياجات السكنية للطاقة على حساب الاحتياجات الصناعية. وقال: “في عام أطلق عليه ‘عام قفزة الإنتاج’، يجب الحفاظ على شريان الحياة للإنتاج والصناعة. عندما تدور عجلة الصناعة، تزدهر فرص العمل ودخل الناس”.
الأبعاد الجيوسياسية والبيئية
توقيت هذه الأزمة لا يمكن أن يكون أسوأ بالنسبة لمكانة إيران الجيوسياسية. انهيار حكومة الأسد في سوريا وضربات إسرائيل ضد “حزب الله” في لبنان، قوضت نفوذ إيران في المنطقة. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تؤدي عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى حملة “ضغط قصوى” جديدة، مما يُنذِرْ بمزيد من تقييد الاقتصاد الإيراني.
داخلياً، أجّجت الأزمة الاضطرابات الاجتماعية. خرج المتظاهرون إلى الشوارع، مندّدين بفشل الحكومة في إعطاء الأولوية لاحتياجات المواطنين على الطموحات الإقليمية. وتراجعت العملة الإيرانية، الريال، إلى أدنى مستوياتها التاريخية، مما زاد من الضغوط الاقتصادية.
كما تلوح المخاوف البيئية في الأفق. الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري لم يجعل نظام الطاقة في إيران هشاً فحسب، بل ساهم أيضاً في تلوث شديد.
في الأسابيع الأخيرة، أُدخل الآلاف إلى المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي، حيث حثّ المسؤولون في الجهاز الصحي السكان على البقاء في منازلهم.
الطريق إلى الأمام: الطاقة المتجددة والإصلاح
تُبرز أزمة الطاقة في إيران الحاجة الملحة إلى إصلاحات هيكلية. وقد ثبت أن اعتماد البلاد على الغاز الطبيعي -الذي يمثل 70% من إنتاجها للطاقة- غير مستدام.
وبينما حددت الحكومة هدفاً لزيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى 30 جيجاواط بحلول عام 2030، لا تزال الامكانات المالية والعقوبات تعرقل التقدم في الخطة.
يشير خبراء الى أهمية تنويع مصادر الطاقة وتحسين الكفاءة. وقال إسفنديار باتمانجليدج، اقتصادي ومدير تنفيذي لمؤسسة بورصة وبازار: “يجب على إيران معالجة التحديات عبر سلسلة إنتاج واستهلاك الطاقة بالكامل. بدون إصلاحات شاملة، ستستمر دورة الأزمة”.