تعاني البنية التحتية لشبكة المياه في حلب تدهورًا كبيرًا مع تراجع نسبة الهطول المطري خلال السنوات الأخيرة إلى ما يقارب 41%، وهو ما زاد من الضغط على المصادر البديلة، وفق ما ذكره مدير مؤسسة مياه حلب، المهندس محمد جمال ديبان.
ديبان تحدث عن الوضع المائي في المحافظة خلال ندوة ندوة بعنوان “واقع مياه الشرب في محافظة حلب”، بحضور عدد من المهندسين والمهتمين بالشأن الخدمي، نظمها فرع نقابة المهندسين في حلب، في 28 من أيار الماضي.
واستعرضت الندوة أبرز التحديات التي تواجه قطاع المياه في المحافظة، بدءًا من تضرر البنية التحتية خلال سنوات الحرب، ووصولًا إلى الجهود المبذولة حاليًا لإعادة تأهيل الشبكات وتأمين مصادر مياه مستدامة.
وتناول ديبان الوضع الحالي لمحطات الضخ ومصادر المياه، إضافة إلى خطة المؤسسة لتقليل الفاقد المائي وتحسين جودة الخدمة، مشيرًا إلى أن تحسين واقع المياه يرتبط بشكل مباشر بدعم الجهات الحكومية وتعاون المجتمع المحلي.
سنوات جفاف وسوء إدارة
وأشار المهندس ديبان، إلى واقع محطات الضخ ومصادر المياه في مدينة حلب، مستعرضًا خطة المؤسسة المعنية لتقليل الفاقد المائي وتحسين جودة الخدمة.
واوضح ديبان أن البلاد شهدت “سنينًا عجافًا” على صعيد الهطولات المطرية، في ظل تفاقم تأثيرات التغير المناخي، وتراجع منسوب الأنهار، ما دفع إلى الاعتماد بشكل متزايد على المياه الجوفية، وسط ما وصفه بـ”فشل النظام البائد في إدارة ملف المياه” خلال العقود الماضية.
وبيّن أن البنية التحتية لشبكة المياه في حلب تعاني من تدهور واضح، مضيفًا أن نسبة الهطول المطري خلال السنوات الأخيرة تراجعت إلى ما يقارب 41%، وهو ما زاد من الضغط على المصادر البديلة.
كما أشار إلى أن الزلزال الذي ضرب شمال سوريا في شباط 2023 كان له تأثير غير مباشر على الواقع المائي، خاصة في المناطق التي تأثرت شبكاتها الجوفية أو خزاناتها الرئيسية.
وذكر ديبان أن انخفاض منسوب المياه في عدد من السدود الرئيسية مثل “الطبقة”، و”تشرين”، و”ميدانكي”، إضافة إلى السد التنظيمي المعروف بـ”البعث”، يعكس حجم التحدي القائم.
كما تطرق إلى الاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987، والتي تنص على توفير 500 متر مكعب في الثانية من مياه نهر الفرات، مشيرًا إلى أن الكمية الواردة حاليًا انخفضت إلى النصف، وهو ما يزيد من صعوبات الواقع المائي محليًا.
ودعا في ذلك السياق المنظمات الدولية والجهات الفاعلة إلى التدخل من أجل وضع استراتيجية إدارة مستدامة لهذا الملف، الذي وصفه بـ”الخطير”، سواء من حيث تأثيراته المباشرة أو ما يرتبط به من التزامات دولية ومعاهدات إقليمية.
فيما يتعلق بتغذية مدينة حلب بالمياه، أوضح ديبان أن المدينة تعتمد على مصادر متعددة، أبرزها محطة “البابيري” الواقعة على طريق الطبقة قرب منطقة مسكنة، إذ تحتوي المحطة على 14 مضخة، تُنتج مجتمعة نحو 25 ألف متر مكعب من المياه في الساعة، تخصص معظم الكمية للزراعة.
وأوضح المهندس ديبان أن محطة “البابيري” وكوادرها تعيشان ظروفًا تشغيلية صعبة منذ سنوات، نتيجة الأضرار التي خلفتها الحرب، وضعف الموارد المتاحة، وغياب أعمال الصيانة الدورية.
ولفت إلى أن مجموعة الضخ الأولى والتاسعة في المحطة بحاجة إلى صيانة متوسطة، مع وجود خمس مجموعات أخرى تحتاج إلى تبديل موانع التشغيل فيها.
وأضاف أن الكوادر الفنية في المؤسسة عمومًا تعاني من أوضاع معيشية صعبة، لا سيما مع تدني الأجور، حيث لا يتجاوز راتب المهندس أو عامل الصيانة في بعض الحالات 30 إلى 40 دولارًا شهريًا، وهذا الواقع يعود إلى “خراب الكادر البشري” الذي سببه النظام السابق، بحسب تعبيره.
عوائق ميدانية وخطورة الوصول
المهندس محمد جمال ديبان، أشار إلى أن أبرز التحديات الميدانية تتمثل في صعوبة الوصول إلى المحطات، ضاربًا مثالًا بمحطات المعالجة الواقعة في منطقة “الخفسة”، والتي تتطلب مرافقة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما أوضح أن المؤسسة تعمل في بيئة غير مستقرة، لا سيما مع وجود معدات تعاني أساسًا من التقادم والاهتراء.
وعن التحديات المرتبطة بالمصادر المائية، تحدث ديبان عن تعقيدات تتعلق بإدارة مياه سد الفرات الواقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مشيرًا إلى أن فتح بوابتين فقط لا يكفي لضمان تدفق مستقر، كما أن منسوب المياه يتأثر بغياب التنسيق.
صيانة محدودة وموارد منعدمة
ورغم الصعوبات، تمكنت المؤسسة، بحسب ديبان، من إصلاح ثلاث مضخات وإعادة تشغيلها، في حين من المتوقع دخول المضخة الرابعة الخدمة قريبًا، ما سيُسهم في ضمان امتلاء القنوات الأربع التي تغذي مدينة حلب، بشرط عدم انقطاع التيار الكهربائي، لأن وصول المياه من المحطة إلى المدينة يحتاج إلى نحو 22 ساعة متواصلة.
وأضاف أن الوضع الفني للمحطات لا يزال هشًا، في ظل غياب عمليات الصيانة والاستبدال الدورية، مشيرًا إلى أن المؤسسة تُعد “حديثة النشأة”، وتعمل بإمكانات محدودة.
كما تعاني من نقص السيولة المالية الضرورية لإصلاح الشبكات القديمة، الأمر الذي يعرقل أي محاولات جادة لتحسين الخدمة.
وعلى الصعيد الإداري، أشار ديبان إلى أن المؤسسة تواجه تحديات اجتماعية متمثلة في التسرب الكبير للكوادر، نتيجة الظروف الاقتصادية المتردية، موضحًا أن المؤسسة تعمل حاليًا على إعادة دمج عدد من الموظفين الذين فصلوا في السابق ضمن لجان متخصصة.
وفيما يتعلق بسلوك المستهلكين، دعا ديبان سكان حلب إلى ترشيد استهلاك المياه، مؤكدًا أن الاستخدام المفرط، لا سيما في غسل السيارات في الشوارع، يفاقم من أزمة الهدر.
وبيّن أن معدل استهلاك المياه لغسل سيارة واحدة يصل إلى متر مكعب، وهو رقم كبير في ظل الواقع المائي الذي تعاني منه المدينة.
واختتم حديثه بالإشارة إلى وجود تعاون مع بعض المنظمات الدولية لإصلاح واستبدال أجزاء من الشبكة المائية، في محاولة لضمان استمرارية الخدمة وتقليل الفاقد.
وفي تصريحات خاصة ل، عزا المهندس محمد جمال ديبان، سبب التقنين المائي في بعض الأحياء إلى ضعف أداء المحطات الداخلية، التي تسعى المؤسسة حاليًا لإعادة تأهيلها.
وأضاف أن المؤسسة تعمل على إصلاح هذه المحطات لتتمكن من تعزيز ضخ المياه في عدد من الأحياء، وقد تم إنجاز جزء من عمليات الصيانة، على أن يستكمل الجزء المتبقي قريبًا.
وأشار ديبان إلى أن المؤسسة تضخ حاليًا نحو 600 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، إلا أن نسبة الفاقد تصل إلى 60%، ما يعني أن الكمية الفعلية التي تصل للمستهلكين لا تتجاوز 300 ألف متر مكعب.
واعتبر أن الهدر يشكل تحديًا كبيرًا، سواء من ناحية تسرب المياه في الشوارع والطرقات، أو بسبب تهالك شبكة التوزيع، أو حتى نتيجة الاستهلاك غير المنضبط داخل المنازل.
وأكد أن المؤسسة تعمل على معالجة هذا الملف، داعيًا السكان إلى تحمل مسؤوليتهم في ترشيد الاستهلاك، والمساهمة في تقليل الفاقد المائي.
وعن تأثير ضعف الهطولات المطرية على مدينة حلب، أوضح ديبان أن الأثر لا يظهر مباشرة على المياه المخصصة للاستهلاك المنزلي، بل ينعكس على مصادر المياه الجوفية والآبار والزراعة.
من جهته، علق أحد الحاضرين في اللقاء بأن ما تحتاجه المؤسسة اليوم ليس فقط توصيف الواقع، بل وضع جدول زمني واضح ومعلن لإنجاز الأعمال المخطط لها، بما يتيح للناس متابعة سير التنفيذ، وتقييم الأداء بعيدًا عن الوعود العامة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي