اخر الاخبار

لقاءات الزعماء الأجانب مع ترمب تصبح مواجهات محفوفة بالمخاطر؟

استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب 16 زعيماً أجنبياً منذ أول 100 يوم من عودته إلى البيت الأبيض، متفوقاً على سلفيه الديمقراطيين باراك أوباما وجو بايدن، إلا أنه نجح في “تغيير قواعد اللعبة”، بعد تحويل اجتماعات المكتب البيضاوي ذات الطابع التقليدي إلى “مواجهات محفوفة بالمخاطر”، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.

ولا يُنظر عادة إلى اللقاءات التي تجمع قادة كندا والولايات المتحدة على أنها مواجهات تنطوي على مخاطر عالية، لكن لقاء ترمب الأخير مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني “خرج عن المألوف”.

وأجرى كارني المُنتخب حديثاً، أول زيارة له إلى المكتب البيضاوي للقاء الرئيس الأميركي، الذي أمضى شهوراً يطرح فكرة ضم الجارة الشمالية لتصبح الولاية الأميركية الـ51.

ولم يمض وقت طويل حتى طرح أحد الصحافيين السؤال الذي كان يشغل أذهان الجميع؛ وقال ترمب إنه لا يزال مهتماً بضم كندا، واصفاً الحدود بين البلدين بأنها “مجرد خط تقديري”.

وأشارت “أسوشيتد برس” إلى أن حملة كارني الانتخابية، استمدت زخمها من موجة استياء شعبي تجاه خطاب ترمب العدائي، وكانت هذه فرصته ليدافع عن بلاده وجهاً لوجه أمام الرئيس الأميركي. وقد بدا “مهذباً” و”حازماً”، وفقاً للوكالة.

وقال كارني: “بعض الأماكن لا تُباع أبداً”، مضيفاً أن كندا واحدة من تلك الأماكن، وأنها “لن تُباع أبداً”. 

وذكرت “أسوشيتد برس” أن ترمب اكتفى بهز كتفيه ورفع حاجبيه قائلاً: “لا تقل أبداً، أبداً”. ليرد عليه كارني متمتماً: “أبداً، أبداً، أبداً”.

“مواجهات محفوفة بالمخاطر”

وأعطت هذه اللحظة لمحة عن الطريقة، التي غيّر بها ترمب طابع اجتماعات المكتب البيضاوي، إذ حولها من لقاءات “مقتضبة ومملة” إلى مواجهات “محفوفة بالمخاطر”، والتي عادة ما تجبر الزعماء الأجانب على الاختيار بين “استرضاء” الرئيس الأميركي أو “تحديه”، بحسب “أسوشيتد برس”.

ولفتت الوكالة إلى أن النهج الذي يتبعه ترمب قد يكون “مثيراً للإعجاب” بالنسبة لمؤيديه، لكنه “مربك” للدبلوماسيين الذين اعتادوا أسلوباً أكثر تروياً في العلاقات الدولية.

من جانبه، اعتبر دانيال مولهل، سفير إيرلندا لدى واشنطن خلال الولاية الأولى لترمب، أن التعامل مع الرئيس الأميركي “لا يخضع لأي قواعد”، واصفاً سلوكياته غير المتوقعة بأنها “عامل مخاطرة”، و”انحراف استثنائي عن المألوف”.

ومع ذلك، رأت “أسوشيتد برس” أن كارني نجح على ما يبدو في تحقيق التوازن المطلوب، على الأقل في نظر ترمب؛ فعندما انتهى اللقاء، قال الرئيس الأميركي: “أنا معجب بهذا الرجل”. وهو ما قابله كارني بـ”ابتسامة عريضة”.

ترمب “غير قواعد اللعبة”

ووفقاً لـ”أسوشيتد برس”، لطالما اعتُبرت الدعوة إلى المكتب البيضاوي ذروة “المكانة الدولية”، لكنها نادراً ما كانت تُسجل لحظات درامية، حيث كان يُسمح للصحافيين بدخول القاعة لالتقاط الصور، وربما طرح سؤال أو اثنين، بينما يكتفي الزعماء بتصريحات مقتضبة.

واعتبرت الوكالة أن هذه الاجتماعات تحولت في الوقت الراهن إلى “حلقات صاخبة في برنامج لتلفزيون الواقع حول السياسية الخارجية، من بطولة ترمب”، ورغم أن الرئيس قادر على لعب دور “مضيف ودود”، لكنه لا يتردد في توجيه انتقادات علنية لبلدان الزائرين؛ سواء بشأن سياساتها التجارية، أو إنفاقها الدفاعي، أو ما يعتبره “عدم امتنان” تلك البلدان. 

علاوة على ذلك، لا يتردد ترمب في استقبال أسئلة الصحافيين بشأن مختلف القضايا، ما يحول ضيوفه إلى مجرد “متفرجين صامتين”.




وقالت آنا كيلي، نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان: “بفضل التزام الرئيس بالشفافية وتيسير الوصول، يُمكن للأميركيين متابعة أجندته في السياسة الخارجية بشكل فوري، ما يوفر فرصة لكل من القادة الأجانب والرئيس لعرض رسائلهم مباشرة على الشعب الأميركي”.

وتتحول هذه الاجتماعات أحياناً إلى اختبارات تحمل. فيوم، الثلاثاء، جلس كارني يستمع إلى ترمب وهو يوجه انتقادات لمشروع القطار فائق السرعة المتأخر في كاليفورنيا، ويتباهى بتجديده المكتب البيضاوي بـ”حب كبير وذهب من عيار 24 قيراطاً”، ويُعلن بشكل مفاجئ أن الولايات المتحدة ستتوقف عن قصف جماعة الحوثي في اليمن.

وانتقل ترمب إلى حديث مطول عن خطط أوباما لمكتبة رئاسية في شيكاغو، معتبراً أن التأخيرات سببها أن سلفه “يريد فقط أن يتولى بناؤها أشخاص ينتمون إلى تيار اليقظة”.

وبمرور الوقت، حاول كارني إخفاء غضبه، وارتعش فمه، وبدأت عيناه تتفقدان أرجاء الغرفة، بينما ضم يديه أمامه، ولم يستطع سوى القيام بإيماءات محدودة بلا جدوى لمحاولة التدخل في الحديث، حسبما ذكرت الوكالة.

وفي إشارة إلى اجتماع أكثر مرونة، ذكرت “أسوشيتد برس”، أن رئيس السلفادور نجيب بوكيلة، بدا أكثر راحة في لقائه مع ترمب، وابتسم وهو يسمع الرئيس الأميركي يتفاخر بحصوله على “أعلى درجة” في اختبار الإدراك الأخير، ويهاجم  مذيعة CNN كايتلين كولينز بسبب ما قال إنها “نسب مشاهداتها المنخفضة”، ويصرح بأنه “مرن للغاية” بشأن الرسوم الجمركية.

لكن الصحافية المخضرمة إيليز لابوت، الزميلة في مجلس العلاقات الخارجية، رفضت وصف البيت الأبيض لهذه اللقاءات بأنها دليل على شفافية الرئيس، قائلة: “ليست أكثر من حلقة أخرى من العرض”، معتبرة أن لقاءات المكتب البيضاوي “اختُطفت لتصبح جزءاً من السيرك”.

زعماء يلجؤون للدبلوماسية

“أسوشيتد برس” رجحت أن كثيراً من الزعماء الأجانب ربما يتفادون مواجهة ترمب بشكل علني، ويلجؤون إلى حلول سريعة أو دبلوماسية عند تناول قضايا حساسة.

وذكرت أنه عندما كان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، في المكتب البيضاوي خلال حديث ترمب عن رغبته في ضم جرينلاند، وهي أراضٍ دنماركية وعضو في الناتو، قال روته: “لا أريد إقحام (الناتو) في هذا”، وسرعان ما انتقل إلى نقطة اتفاق، قائلاً لترمب: “في ما يخص أمن القطب الشمالي، أنت محق تماماً”.

وخلال اجتماعه مع ترمب، أكد ملك الأردن عبد الله الثاني على ضرورة “عدم استباق الأمور”، وانتظار “الرد من دول العربية ودول أخرى”، عندما طرح الرئيس الأميركي فكرة سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وتهجير سكانه، وهو من أكثر الملفات حساسية بالنسبة للأردن الذي يستضيف أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني. وأعلن الملك عبد الله لاحقاً موقف بلاده الرافض للمقترح عبر سلسلسة منشورات على منصات التواصل.

أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فكان من القلة القادرة على تصحيح ترمب من دون إثارة غضبه. فعندما قال ترمب إن أوروبا تُقرض أوكرانيا أموالاً بدلاً من التبرع بها، بادر ماكرون بوضع يده اليسرى على ذراع ترمب اليمنى بلطف ليصحح له المعلومة. وتقبل ترمب الأمر مبتسماً، وقال للصحافيين: “إذا كنتم تصدقون ذلك، فلا بأس عندي”.

لقاء ترمب وزيلينسكي

لكن، بحسب “أسوشيتد برس”، لا شيء يُقارن باللقاء الذي شهد مشادة حادة غير مسبوقة، بين ترمب ونظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في فبراير الماضي، إذ احتدم النقاش بشأن أفضل السبل لإنهاء الحرب مع روسيا.

وقال ترمب لزيلينسكي: “سيكون من الصعب التعامل معك بهذا الشكل”، مضيفاً: “عليك أن تكون ممتناً… أنت لا تملك الأوراق”. وبينما كان الصحافيون يغادرون القاعة، قال ترمب: “ستكون هذه لقطة رائعة للتلفزيون”.

في تعليق على الأمر، أعرب روفوس جيفورد، رئيس المراسم السابق في إدارة بايدن، عن اعتقاده بأن ترمب لديه قدرة على جذب الأنظار إليه، واصفاً ذلك بأنه “مثير للإعجاب بلا شك”. ومضى قائلاً: “لكن مجرد قدرته على جعل الناس يشاهدونه لا تعني أن استراتيجيته ذكية أو مفيدة للولايات المتحدة”.

واتفق معه في الرأي ماكس بيرجمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والباحث حالياً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وقال إن “هذه اللقاءات ستكون دائماً صعبة للغاية، لأن الرئيس يمكن أن يكون متقلباً”، مضيفاً: “هذا سيجعل كثيراً من الدبلوماسيين حول العالم يفكرون ملياً قبل تحديد موعد لقاء معه”.

ومع ذلك، فإن تجنب لقاء مع ترمب ليس بالأمر السهل، خاصة بالنسبة لحلفاء واشنطن. فعلى سبيل المثال، استعد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، جيداً قبل لقائه الأول مع ترمب، مدركاً أن الرئيس الأميركي يثمن العلاقات الشخصية، ومن الصعب تعويض انطباع سلبي إذا تشكل لديه منذ البداية.

وسلّم ستارمر لترمب دعوة خطية من الملك تشارلز الثالث لإجراء زيارة رسمية، وأشاد بقرار الرئيس الأميركي إعادة تمثال ونستون تشرشل إلى المكتب البيضاوي. كما أعرب عن شكره على تغيير النقاش بشأن أوكرانيا، رغم أن ترمب فعل ذلك عبر تبني مواقف “أقرب إلى موسكو” منها إلى حلفائه الأوروبيين، بحسب “أسوشيتد برس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *