“أعمال وحشية” وإدانات دولية.. ماذا يحدث في الفاشر بالسودان؟

تصاعدت وتيرة أعمال العنف في مدينة الفاشر ومعسكر زمزم بولاية شمال دارفور، غربي السودان، فيما انهالت إدانات دولية إزاء ما يُوصف بأنه انتهاك للقانون الدولي والإنساني، وسط اتهامات حكومية لقوات “الدعم السريع” بارتكاب “جرائم بحق المدنيين”، وهو ما تنفيه.
وقال وزير الصحة والرعاية الاجتماعية بإقليم دارفور، بابكر حمدين، إن الهجمات الأخيرة أودت بحياة أكثر من 320 شخصاً، متهماً قوات الدعم السريع بإحراق 64 قرية بالكامل في محيط الفاشر.
وأضاف أن “قوات الدعم السريع تستهدف الكوادر الطبية، وأخرجت معظم مستشفيات مدينة الفاشر من الخدمة”، كما اعتبر أنها تعمل على “تجويع المواطنين وسط حالة شبه تامة من انعدام الغذاء والدواء في مناطق الفاشر، أم كدادة، ومعسكر زمزم”.
وذكر حمدين أن “ما يجري ليس مجرد صراع، بل عملية منظمة لطرد السكان من أراضيهم”، وقال إن هناك “هجرة قسرية” على نطاق واسع للمدنيين بدأت، الأحد، من معسكر زمزم إلى معسكر الفاشر.
ونفت قوات الدعم السريع، السبت، مسؤوليتها عن أي هجمات على المدنيين، وقالت إنها تلتزم بالقانون الإنساني الدولي، كما انتقدت ما وصفته بحملة دعائية “تستهدف تشويه سمعتها وصرف الانتباه عن الجرائم الحقيقية المرتكبة ضد الشعب السوداني”.
في المقابل، نفت قوات الدعم السريع وقوع مجازر في مخيم زمزم، ووصفتها بأنها “ملفقة”، قائلة إن “مقطع فيديو نشر مؤخراً يصور معاناة المدنيين مفبرك من الجيش السوداني”.
وفي بيان صدر، السبت، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بتنظيم حملة إعلامية، باستخدام ممثلين وفبركة مشاهد داخل المخيم لتجريمهم زوراً.
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في أبريل 2023، بسبب خلافات تتعلق بدمج الأخيرة ضمن القوات النظامية أثناء عملية انتقال إلى حكم مدني.
وفي ظل استمرار المعارك، يتعرض المدنيون في دارفور لمآسٍ إنسانية متصاعدة، وسط عجز دولي عن فرض وقف دائم لإطلاق النار أو إيصال المساعدات بشكل منتظم.
ويعاني المدنيون في مدينة الفاشر ظروفاً مروعة في ظل اتهامات لقوات الدعم السريع منذ ما يقرب من عام بفرض حصار على المدينة التي تعتبر آخر موطئ قدم للجيش السوداني في إقليم دارفور، والذي تسيطر قوات الدعم السريع على معظمه.
“أعمال وحشية”
وقالت منظمة “ريليف” الدولية، وهي آخر منظمة تقدم خدمات أساسية في معسكر زمزم، إن هجوماً استهدف مركزها الطبي داخل مخيم زمزم أودى بحياة 9 من كوادرها، بينهم أطباء وسائقون، مشددة على أن الهجوم كان “متعمداً بهدف تدمير آخر منشأة طبية متاحة للنازحين”.
في ذات السياق، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن ما لا يقل عن 23 طفلاً لقوا حتفهم خلال الأيام الثلاثة الماضية، معتبرة ما يجري في دارفور “أعمالاً وحشية ضد الفئات الأضعف”.
وذكرت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بالسودان في بيان، أن “الموجة الأولى من الهجمات المتعددة بدأت، الخميس، واستمرت حتى الجمعة والسبت، ما أدى إلى تدمير منازل وأسواق ومرافق للرعاية الصحية”.
وقالت المنسقية إن الهجوم “خلف مئات الضحايا والمصابين، غالبيتهم من النساء والأطفال”، كما نددت بالهجمات، ووصفتها بأنها “جرائم حرب مكتملة الأركان وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم”.
وأضافت أن “هجمات مماثلة على مخيم أبو شوك الأسبوع الماضي أودت بحياة 35 مدنياً”.
دعوات للتحرك
ووجه حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، نداءً لشباب دارفور دعاهم فيه إلى “التحرك لفك الحصار عن مدينة الفاشر ومحلية أم كدادة”، مشيراً إلى أن ما يحدث “إبادة منسية يغض العالم الطرف عنها”.
واعتبر مناوي أن قوات الدعم السريع “تسعى لتجويع المواطنين وتهجيرهم”، مطالباً بتصنيفها “منظمة إرهابية نظراً لانتهاكاتها المتكررة”، ورأى أن “الهجمات تستهدف البنية التحتية، المستشفيات، والأسواق”.
إدانات دولية
توالت الإدانات الدولية للهجمات الأخيرة. وأعربت وزارة الخارجية السعودية، الأحد، عن إدانة المملكة واستنكارها للهجمات التي تعرضت لها مخيمات النازحين في مدينة الفاشر (زمزم وأبو شوك) وأسفرت عن سقوط وإصابة العشرات، في “انتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
وأكدت وزارة الخارجية السعودية أهمية وقف الهجمات وتجنب استهداف المدنيين وتنفيذ ما تم التوقيع عليه في إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) في 11 مايو 2023.
وكان الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقّعا على إعلان مبادئ إنساني في مدينة جدة التي استضافت محادثات بين الطرفين برعاية سعودية أميركية، وذلك دون التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
كما أصدرت الإمارات العربية المتحدة بياناً يدين بشدة استهداف النازحين والعاملين في الإغاثة، داعية إلى احترام القانون الدولي وعدم عرقلة وصول المساعدات.
ووصف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، التقارير القادمة من الفاشر بأنها “مروعة”، مؤكداً أن الهجمات على المدنيين وعمال الإغاثة تؤكد ضرورة تحرك دولي لحماية المدنيين.
من جهتها، نددت الولايات المتحدة بالهجمات، مطالبة بفتح ممرات إنسانية فورية، ومحاسبة منتهكي القانون الدولي الإنساني.
أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، فقد دان سقوط عشرات المدنيين، مشدداً على ضرورة السماح للمدنيين بمغادرة الفاشر بأمان.