– أمير حقوق
وسط استمرار الحراك الدولي المرتبط بالملف السوري، ولا سيما فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، عادت بريطانيا إلى واجهة المشهد عبر فرض حزمة جديدة من العقوبات المالية استهدفت شخصيات وكيانات عسكرية سورية.
وشملت العقوبات ستة أفراد، من بينهم محمد حسين الجاسم (أبو عمشة) قائد “الفرقة 62″، وسيف الدين بولاد (أبو بكر) قائد “الفرقة 76″، وذلك على خلفية اتهامات بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين خلال الثورة السورية، وفي أحداث الساحل السوري في آذار الماضي.
كما ضمت القائمة غياث سليمان دلة ومقداد لؤي فتيحة، وهما ضابطان في جيش النظام السابق، إلى جانب مدلل خوري وعماد متانيوس خوري، اللذين قالت بريطانيا إنهما متورطان في أنشطة مالية واقتصادية تدعم نظام الأسد المخلوع.
العقوبات شملت أيضًا ثلاثة كيانات عسكرية، هي: “فرقة الحمزة”، و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، و”فرقة السلطان مراد”.
وتأتي هذه الخطوة في توقيت حساس، تشهد فيه الساحة السورية محاولات لإعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري، في ظل مساعٍ دولية لموازنة الضغط السياسي مع دعم مسارات الاستقرار وإعادة البناء.
تحقيق ما طُلب من الحكومة السورية
العقوبات البريطانية الجديدة، التي أُعلنت رسميًا عبر مكتب تنفيذ العقوبات المالية التابع لوزارة الخزانة، في 19 من كانون الأول الحالي، تعكس استمرار السياسة الدولية القائمة على استخدام الأدوات الاقتصادية والقانونية لمساءلة الضالعين في الانتهاكات، ولا سيما تلك التي وقعت خلال سنوات الثورة السورية، إضافة إلى الأحداث التي شهدها الساحل السوري خلال آذار الماضي.
ويشير هذا التحرك إلى أن ملف الانتهاكات لا يزال حاضرًا بقوة على جدول الأعمال الدولية، فرغم التغيرات السياسية التي طرأت على المشهد السوري مؤخرًا، والاحتواء الدولي لسوريا، فإن العقوبات تحمل رسائل ودلالات معينة للحكومة السورية.
الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، يرى أن هذه العقوبات البريطانية تأتي في سياق متابعة المجتمع الدولي للأحداث في سوريا، وتهدف إلى تحقيق المطلوب من الحكومة السورية، أو التناغم مع هذه الطلبات في عمليات التحقيق المتعلقة بالأسلحة، وملفات أخرى مثل انتهاكات الساحل والسويداء.
وقال علاوي، في حديث إلى، إن الحكومة السورية كانت تتوقع هذه العقوبات، وهي جاهزة للتعامل معها، معتبرًا أن هذه الإجراءات تمثل دفعًا بريطانيًا لدعم الحكومة، وفي الوقت ذاته محاولة للضغط من أجل إعادة ترتيب أوراقها فيما يتعلق بإعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والنسيج المجتمعي في سوريا.
العقوبات البريطانية تمثل دفعًا بريطانيًا لدعم الحكومة، وفي الوقت ذاته محاولة للضغط من أجل إعادة ترتيب أوراقها.
فراس علاوي
صحفي وباحث سياسي
أما الخبير في الشؤون العربية والدولية طلعت طه، فيعتقد أن بريطانيا أقدمت على هذه الخطوة، بسبب انتهاكات الأفراد والكيانات التي شملتها العقوبات لحقوق الإنسان، خاصة في المجازر ضد المدنيين ومنها أحداث الساحل.
ويرجح، في حديث إلى، أن القرار الفعلي كان بيد الحكومة البريطانية، التي رحبت برفع العقوبات عن سوريا وبالتغيير والحريات، مشددًا بالوقت نفسه على أن القضية تبقى إنسانية، وهذا ما دفع بريطانيا للقرار.
اندلعت أحداث الساحل في 6 من آذار الماضي، إثر تحركات لبعض عناصر جيش النظام السابق، استهدفوا خلالها عناصر من الأمن العام في ريف اللاذقية غربي سوريا، وخلال ساعات قليلة، سيطر من تسميهم الأوساط الحكومية بـ”الفلول” على مناطق من مدينتي اللاذقية وطرطوس، مخلفين قتلى في صفوف الأمن العام، ما دفع وزارتي الدفاع والداخلية لاستقدام تعزيزات إلى المنطقة، وتبع ذلك مؤازرات من فصائل مسلحة موالية للحكومة، إلى جانب مدنيين محليين مسلحين.
الأمر الذي أدى إلى وقوع انتهاكات واسعة طالت مدنيين وأودت بحياة المئات على خلفية انتماءات طائفية.
رسائل ضغط للحكومة السورية
بالتوازي مع الطابع العقابي للإجراءات، حرصت الخارجية البريطانية على التأكيد على التزامها بالعمل مع الحكومة السورية، في رسالة مزدوجة تجمع بين الضغط والمقاربة السياسية، إذ شددت لندن على دعمها لمسار الانتعاش الاقتصادي في سوريا، والانتقال إلى مستقبل أكثر استقرارًا وحرية وازدهارًا.
وترى الأوساط السياسية أن أثر هذه العقوبات البريطانية على الحكومة السورية ضئيل جدًا، وهي كمحاولة لحثها على حماية المدنيين، ولا تؤثر على العلاقة بين الحكومتين.
الخبير الأمني والجيوسياسي الدكتور عامر السبايلة، يرى أن العقوبات تتضمن رسالة واضحة للدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة في سوريا، بتنقية نفسها من العناصر المتطرفين والضالعين في انتهاكات ضد المدنيين، خاصة في المجازر التي حدثت.
ويعتقد أنها تكشف رسالة واضحة، وهي أن الأحداث الأمنية والانتهاكات لا تمر مرور الكرام لدى بريطانيا والمجتمع الدولي، حتى لو اعتقدت الحكومة السورية أنها حليف لهذه الدول، ويعول عليها، وأن العقوبات رفعت عنها، إلا أن فكرة المحاسبة والمساءلة موجودة حتى إن كانت العلاقة جيدة مع الحكومة السورية.
العقوبات البريطانية تحدد الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة، وتكشف أن الانتهاكات ضد المدنيين لا تمر مرور الكرام، حتى لو اعتقدت الحكومة السورية أنها حليف لهذه الدول.
د. عامر السبايلة
خبير أمني وجيوسياسي
تحمل العقوبات ضغطًا يستهدف دفع الحكومة لتحقيق ما تعهدت به من عمليات إصلاح ومحاسبة لمرتكبي الانتهاكات ضد المجتمع السوري، بحسب ما قاله الباحث السياسي والصحفي فراس علاوي.
وأضاف أن العقوبات غير مؤثرة بشكل مباشر، معتبرًا أن هذه الإجراءات تهدف بالأساس لدفع الحكومة إلى إعادة ترتيب أوراقها، سواء على الصعيد الإداري أو ضمن قطاع الدفاع، بما يضمن عدم حدوث تجاوزات مستقبلية.
ما المطلوب؟
يرى محللون سياسيون ومعنيون بالشأن الدولي، أنه مع إعلان العقوبات البريطانية، تبرز جملة من المسؤوليات السياسية والقانونية الملقاة على عاتق الحكومة السورية، كونها لا تقتصر على بعدها الاقتصادي أو الدبلوماسي، بل تعكس إدانة دولية متزايدة لسجل الانتهاكات الإنسانية، وعليه، يصبح لزامًا على الحكومة السورية اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأزمة، وعدم تكرار هذه الانتهاكات.
الصحفي والباحث فراس علاوي، يعتقد أن على الحكومة السورية ضرورة إعادة انخراط القوى العسكرية والفصائل بشكل مباشر، وعدم الإبقاء عليها ككتلة واحدة.
ويشير إلى أن الحكومة السورية لديها معرفة بهذه العقوبات ومدى تأثيرها، وأنها ستتعامل معها بما يتوافق مع تعهداتها أمام المجتمع الدولي، لضبط الملفات الأمنية والعسكرية بما يخدم وحدة سوريا والتزاماتها أمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية.
بينما يرى الخبير في الشؤون العربية والدولية طلعت طه، أنه يجب على الحكومة السورية أن تحقق في مسؤولية هذه الفصائل والأفراد المحددين بالعقوبات، كونهم متهمين بخرق حقوق الإنسان، مؤكدًا أن هؤلاء الأشخاص يجب أن يعاقَبوا إن كانوا متورطين، وهذا ما يظهر التزامها بمحاسبتهم وحماية المدنيين.
وعليها أيضًا تقديم مرتكبي الانتهاكات للقضاء مهما كانت مناصبهم، خاصة أن عمليات القتل بأحداث الساحل تمت على مرأى ومسمع الجميع، وظهر في مقاطع في ديو أفراد من وزارة الدفاع السورية يرتكبون انتهاكات بحق المدنيين، أضاف طه.
عقوبات سابقة
كان الاتحاد الأوروبي أضاف إلى قوائم عقوباته فيما يتعلق بسوريا شخصين وثلاثة كيانات، بسبب ارتباطهم بأحداث شهدها الساحل السوري، في آذار الماضي.
ووفق قرار الاتحاد الصادر في 28 من أيار الماضي، فإن من بين الأشخاص المعاقَبين القياديين محمد حسين الجاسم (أبو عمشة) وسيف بولاد (أبو بكر).
وذكر القرار أن الكيانات التي يقودها هذان الشخصان كانت مسؤولة عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل التعسفي في أثناء أعمال العنف التي شهدتها المنطقة الساحلية في آذار الماضي.
وأدرج الاتحاد الأوروبي على قوائم عقوباته ثلاثة كيانات هي: “فرقة السلطان سليمان شاه” التي كان يقودها “أبو عمشة”، وفرقة “الحمزات” التي كان يقودها “أبو بكر”، و”فرقة السلطان مراد” التي كان يقودها فهيم عيسى، إلا أن العقوبات الجديدة لم تشمل فهيم عيسى بشكل شخصي، وإنما طالت الكيان الذي كان يقوده فقط.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
