أكثر مما تراه العين.. تعقيد غير متوقع في أورام الغدة الكظرية

كشفت أبحاث حديثة أجرتها جامعة كيوشو في اليابان عن مستوى غير مسبوق من التعقيد في الأورام الغدّية المنتجة للألدوستيرون، وهي نوع من الأورام التي تنشأ في الغدة الكظرية، وتساهم في ارتفاع ضغط الدم.
وباستخدام تقنيات تحليل متطورة، توصَّل الباحثون إلى أن هذه الأورام تحتوي على أربعة أنواع مختلفة من الخلايا، بما في ذلك خلايا تنتج الكورتيزول، وهو الهرمون الأساسي المسؤول عن استجابة الجسم للتوتر.
نُشرت النتائج في دورية “الأكاديمية الأميركية للعلوم”، وتقدم تفسيراً جديداً للأعراض غير المتوقعة التي تظهر لدى بعض المرضى، مثل ضعف العظام، كما تفتح آفاقاً جديدة لتطوير علاجات دوائية مستهدفة.
في الوقت الراهن، تُعتبر الجراحة هي العلاج الوحيد الفعّال للأورام الغدّية، وهو نهج لم يتغير لعقود.
وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، ماكي يوكوموتو-أوماكوشي، الأستاذة المساعدة في قسم أمراض الغدد الصماء والأمراض الأيضية في مستشفى جامعة كيوشو: “لكي نطوّر علاجات جديدة، مثل العلاجات الدوائية، نحتاج بشكل عاجل إلى فهم كيفية عمل هذه الأورام على المستوى الجزيئي، وكيف تتفاعل أنواع الخلايا المختلفة داخلها”.
أورام الغدد الكظرية
ينشأ ذلك النوع من الأورام في الغدد الكظرية، وهي غدد صغيرة تقع فوق الكليتين، وتنتج هرمونات حيوية مثل الألدوستيرون، والكورتيزول، والهرمونات الجنسية.
وبسبب موقعها ووظيفتها، تُعتبر تلك الأورام أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بـ”فرط الألدوستيرونية الأولية”، وهي حالة تؤدي إلى إفراز كميات زائدة من الألدوستيرون، مما يسبب ارتفاع ضغط الدم.
وتساهم هذه الحالة في ما بين 5 إلى 10% من حالات ارتفاع ضغط الدم، وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وبدون العلاج المناسب، قد يعاني المرضى من مشكلات صحية خطيرة مثل أمراض القلب والسكري وضعف العظام.
ركَّزت الدراسة على الأورام الغدية المنتجة للألدوستيرون، والتي تسببها طفرات في جين KCNJ5، وهو الطفرة المسؤولة عن نحو 70% من حالات هذه الأورام.
وتُعرف هذه الطفرة بارتباطها بأورام أكبر حجماً، كما تظهر في سن مبكرة، وتسبب أعراضاً أشد حدة لا يمكن تفسيرها فقط بفرط إفراز الألدوستيرون، ولكن، بسبب تعقيد هذه الأورام، كان من الصعب سابقاً تحديد تركيبتها الخلوية والهرمونات التي تنتجها.
واستخدم الباحثون تقنيات تحليل متقدمة لرسم خريطة دقيقة لتوزيع أنواع الخلايا المختلفة داخل الورم، وتحليل تفاعلها مع بعضها البعض، بالإضافة إلى تحديد الطفرات الجينية في أجزاء مختلفة منه، والكشف عن أنواع الهرمونات التي تنتجها الأورام بدقة، مما وفَّر رؤية غير مسبوقة حول طبيعة هذه الأورام وتعقيدها.
وأظهرت الدراسة أن ذلك النوع من الأورام ليس متجانساً، كما كان يُعتقد سابقاً، بل يتكون على الأقل من أربعة أنواع من الخلايا.
تبدأ هذه الأورام بخلايا تستجيب للتوتر، ثم تتطور إلى خلايا منتجة للألدوستيرون، أو خلايا منتجة للكورتيزول، ومع مرور الوقت، تتحول الخلايا المنتجة للكورتيزول إلى خلايا مشابهة للخلايا اللحمية، والتي تساعد الورم على النمو والتطور.
الشبكات البيولوجية المعقدة
كما اكتشف الباحثون وجود نوع خاص من الخلايا المناعية المرتبطة بالدهون بكثافة داخل الورم، وهو ما قد يلعب دوراً مهماً في تنظيم إنتاج الهرمونات ونمو الورم.
وتحتوي هذه الأورام على خلايا متنوعة تنتج هرمونات مختلفة، مما يعني أن تأثيرها على صحة المريض لا يقتصر فقط على ارتفاع ضغط الدم، بل يشمل أيضاً أعراضاً أخرى، مثل ضعف العظام؛ بسبب ارتفاع مستويات الكورتيزول.
ويخطط الباحثون الآن لتوسيع دراستهم لتشمل أنواعاً أخرى من الأورام الغدية، وكذلك أنواعاً أخرى من الأورام التي تفرز هرمونات زائدة، كما يأملون في أن تسهم هذه النتائج في تطوير استراتيجيات علاجية جديدة، مثل استهداف الخلايا المناعية المرتبطة بالدهون، أو تقليل تأثير الكورتيزول الزائد في هذه الأورام.
ويقول الباحثون إن هذه الدراسة خطوة رئيسية نحو فهم الشبكات البيولوجية المعقدة التي تحكم نشوء وتطور أورام الغدة الكظرية.
وبينما تبقى هناك أسئلة تحتاج إلى إجابة، فإن الأدلة الجديدة تُعيد تشكيل معرفتنا عن كيفية تطور هذه الأورام وتأثيرها على صحة المرضى، مما يمهد الطريق لابتكارات علاجية جديدة تستهدف الأنواع المختلفة من الخلايا داخل الورم، وتحسّن من خيارات العلاج المتاحة للمرضى في المستقبل.