اخر الاخبار

“أل التعريف” القاتلة –

زيدون الزعبي

أرسل لي صديق غالٍ خبر زيارة رجال دين دروز إلى الجولان المحتل بالاتفاق مع سلطة الاحتلال، قائلًا: “قلتلي أل التعريف القاتلة، ما هيك؟” صمتُّ! نعم، أل التعريف القاتلة في أوضح صورها! يقوم رجال دين من مكون سوري ما بفعل ما، فتنطلق أل التعريف لتحصد سمعة مئات الآلاف. يخرج بالمقابل مئات، كي لا أقول آلافًا، منددين بالزيارة، فتنكفئ أل التعريف هنا لتصبح “بعضًا” قليلًا. لماذا؟ لماذا يُطلق رصاص أل التعريف بوجه مكون إذا فعل منه جزء يسير، أو حتى غير يسير، حين نريد التنديد، ونُغمدها ونُخفيها عندما يمكن لها أن تكون مثار خير؟!

تنطلق ثورة جبل العرب، فلا نسميها ثورة الدروز، بل نعليها شأنًا بأن نسميها الثورة السورية الكبرى، ولا نكاد نُقرّ، بحسن أو سوء نية، انطلاق ثورة الدروز في جبل العرب!

ما الذي يجعل أل التعريف القاتلة أسرع إلى الكف من أل التعريف الطيبة؟ كيف يمكن للقتل أن يكون أكثر جذبًا من الحياة؟ وممّن؟ من النخب التي يُفترض لها أن تبني الوطن!

طيب، سأقول الجمل التالية، ولنحاكم صحتها:

  • تحمل السنة القسط الأكبر من الآلام التي تسبب بها النظام البائد بقيادة الأسد الفار.
  • قام الكرد بنضالات عظيمة ضد تنظيم داعش، ودافعت نساؤهم ورجالهم عن شرف البلاد.
  • كان العلويون بقيادة صالح العلي أول من انتفض ضد الاحتلال الفرنسي في العام 1918.
  • انتفض الدروز في العام 2023 مجددين الحياة للثورة السورية.
  • فتح المسيحيون كنائسهم للجرحى في حمص ودرعا.

حسنًا، هل أل التعريف في كل ما سبق صحيحة؟ قطعًا لا. فهناك قسم كبير من السنة من دعم النظام وانتفع منه، ولا كل الكرد شاركوا بمحاربة داعش، ولا شارك كل العلويين بمحاربة فرنسا، ولم تفتح كل الكنائس أبوابها لجرحى المظاهرات. بديهي، أليس كذلك؟ فلماذا ليس بديهيًا ألا يمكن أن تكون أل التعريف القاتلة صحيحة؟!

الآن، يأتيك من يقول جملًا من قبيل: شرفاء السنة، وشرفاء العلويين، وشرفاء الكرد، وشرفاء الدروز، وشرفاء لا أدري من، أو يُلحق تعميمه بكلمة “إلا من رحم ربي”، في محاولة مستفزة للابتعاد عن أل التعريف القاتلة والتعميمات العمياء. ثم تُطلق أحكام من قبيل: نعم، 99% من الـ… كذا، و99% من الـ… كذا. لماذا لم تكن 99% حاضرة في التعميم القاتل، وحاضرة في التعميم الخير؟ من قام بالإحصاء؟ من مثّل هذا المكون بعملية انتخابية تمكننا من خلالها وضع التعميم؟ سيقول لك أحدهم إن الألمان اعتذروا بأنهم ارتكبوا. حسنًا، تلك، النازية أقصد، كانت حكومة منتخبة من الشعب الألماني بعملية انتخابية ديمقراطية. لكن حتى هذه أجدها عملية مجنونة، فمن انتخب هتلر من الألمان لم يتجاوز ربع السكان، فكيف يكون الألمان قد ارتكبوا؟

لكن عندنا، أي مكون انتخب قيادته المنتهِكة؟ أكثر من ذلك، هناك مكونات انتهكت حقوقها من تزعمها. تعالوا نُسمِّ الآن قائدًا علويًا يُجمع عليه العلويون. تعالوا نُسمِّ قائدًا كرديًا يُجمع عليه الكرد، وكذا السنة والدروز و… وإذا كان لبعض المكونات بعض القيادات التي تمثل جزءًا منها، فهناك مكونات ليس لها ذلك، كالطائفة العلوية، والتي لم يسمح الأسد الأب ولا الابن بنشوء أي قيادة أو شبكة حماية اجتماعية، كي يُمعن في اختطافه للطائفة، فلا مشايخ دينية، ولا شيوخ عشائر، ولا مثقفون، ولا مؤسسات خيرية أو اجتماعية تستطيع التحدث باسم الطائفة، حتى ولو زورًا.

نعم، الا لتعريف القاتلة خاطئة، وال التعريف “الطيبة” خاطئة، غير أن حماية الطيبة تتيح نجاة المجتمع. فما المفيد إن أثبتنا أن مكونًا ما، يعدّ بالملايين، قد مارس انتهاكًا ما في فترة ما وفي وقت ما؟! هل من المفيد أن يدخل المجتمع في مواجهة مع ذاته أو مع جزء منه؟ حتى ولو كان جزء مهم من هذا المكون قد وافق على ما قامت به قياداته العسكرية أو السياسية أو الدينية؟ ألا نضع أنفسنا في مواجهة أنفسنا؟ نعم، وضعت كلمة “طيبة” بين قوسين، فهذه قد تكون محط خلاف، لكني لا أضع الـ التعريف القاتلة بين قوسين، لأنها قولًا واحدًا قاتلة، ليس فقط للمستهدف بها، بل وبنفس الدرجة، لمُطلقها!

فكل “ال” تعريف قاتلة ستقابلها “ال” تعريف قاتلة جديدة، لندخل في دوامة قتل تهدد المجتمع والدولة. ليس هذا تهويلًا أو تخويفًا، هو فقط ترداد لتاريخ يكرر نفسه بـ”استعباط” على رأي أحدهم!

يسهل علينا وضع “ال” التعريف، فهي تبرر لنا سلوكنا ومشاعرنا، وتمنحنا قسطًا من راحة البال والضمير، وتمنحنا “مبررات” لكل ما نخشى على أنفسنا منه في مواجهة أخلاقنا وضميرنا وديننا! الـ التعريف هذه مريحة، فهي تبرر كل مظلومية، فلا نعود مطالبين بقانون، ولا تحقيق، ولا عدالة كي نُميز الصالح من الطالح! وتدخل كل من يخالفنا هوياتيًا في دائرة الآخر المستحق لكراهيتنا، وأحكامنا، بل وعنفنا.

لا نحتمل في هذه البلاد أي عنف جديد، وطوق النجاة الأول من دوامة العنف هذه هو الخروج من دائرة التعميم القاتلة. ولنقرّ معًا: نعم، قد يُقتل شخص ما لأنه من جماعة ما، لكن هذا لا يجعل من القاتل ممثلًا لجماعة ما. قد تصح “ال” التعريف في وصف الضحية، لكنها حكمًا لا تصف القاتل. هوية الضحية هويته، أما القاتل فله هوية واحدة: قاتل!

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *