أميركا تحذّر من صواريخ مستقبلية قد تهدد هيمنتها الجوية
توقعت القوات الجوية الأميركية أن قواتها ستواجه في عام 2050 تحدياً يتمثل في صواريخ قادرة على استهداف طائراتها على مسافات تصل إلى 1000 ميل (1600 كيلومتر تقريباً).
وأشارت القوات الجوية الأميركية في تقرير قدَّمته إلى الكونجرس قبل أيام إلى أن الهيمنة في الجو، ستظل تشكل أهمية بالغة لتحقيق النجاح العسكري، وفق موقع The War Zone.
ويهدف التقرير إلى تقديم رؤية لما ينبغي أن تبدو عليه القوات الجوية الأميركية وقوات الفضاء بحلول منتصف القرن الحالي.
وأضاف أن هناك تطورَين أساسيَين يجعلان الدفاع ضد التهديدات بعيدة المدى ضرورياً، ومن أبرزها توسيع مناطق الاشتباك بأسلحة مضادة للطائرات إلى مدى غير مسبوق وغير محدود تقريباً.
ومن المتوقع بحلول عام 2050، أن تواجه عمليات القوات الجوية الأميركية تحديات من خلال أسلحة مضادة للطائرات يبلغ مداها أكثر من 1000 ميل، تدعمها أجهزة استشعار فضائية.
ولفت التقرير إلى أن مثل هذه الأسلحة بعيدة المدى ستهدد الطائرات، مثل طائرات التزوّد بالوقود، التي كانت تمارس أنشطتها كما جرت العادة “بحريّة مطلقة”.
وتتطلع القوات الجوية الأميركية إلى جعْل طائرات إعادة التزوّد بالوقود جواً في المستقبل أكثر قدرة على النجاة مما هي عليه اليوم، لكن القذائف المضادة للطائرات ذات المدى الأبعد من شأنها أن تهدد بدفعها بعيداً عن المكان، الذي تحتاج إليه الطائرات التي تدعمها.
أسلحة مضادة للطائرات
لا تذكر القوات الجوية الأميركية أي برامج ذات صلة، ولا تسلط الضوء على أي دول تشكل تهديداً محدداً، فيما يتعلق بالقذائف بعيدة المدى، على الرغم من أن التقرير يشير إلى الصين باعتبارها “التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة” حتى عام 2050 على الأقل.
وأظهر التقرير أن التطورات العسكرية السريعة في الصين هي السبب الرئيسي وراء تعرُّض الهيمنة الجوية الأميركية، للتهديد بحلول عام 2050، على الرغم من أن دولاً أخرى، وخاصة روسيا، من المرجح أن تمتلك أنواعاً مماثلة من القدرات المضادة للطائرات.
وذكر التقرير أنه في مواجهة تحدي وتيرة العمليات، فإن مفهوم الحرب المشتركة الحالي يفترض بالفعل أنه في مجال جوي محل تنافس شديد، لا يمكن تحقيق التفوق الجوي إلا بشكل عرضي، ما يعكس الدرجة التي تتناقص بها حرية العمليات الجوية للجيش الأميركي.
ونبَّه بأن النتيجة المترتبة على هذه التهديدات، تتمثل في توقُّع نوع مختلف تماماً من الحرب الجوية بحلول عام 2050، وهي الحرب التي تصبح فيها الولايات المتحدة “أقل قدرة على فَرْض السيطرة على الجو”، سواء دفاعياً في المجال الجوي الخاص بها، أو هجومياً في المجال الجوي لخصم.
وأفاد التقرير بأن حقائق هذه الظروف الجديدة تشمل إزالة القدرة التي كانت شبه مضمونة للقوات الجوية الأميركية في السابق على تشغيل مقاتلات وقاذفات من قواعد جوية آمنة نسبياً، وقادرة على البقاء خلال عدة طلعات جوية بمجرد إثبات التفوق الجوي، ثم التحليق لتنفيذ هجمات بعيدة المدى، بكفاءة ضد مجموعة كاملة من الأهداف البرية والبحرية.
ولن يؤثر الواقع الجديد في قدرة القوات الجوية على توصيل الذخائر على نطاق واسع من خلال حملات القصف بمعدلات خسارة مقبولة فحسب، بل إن عدم القدرة على السيطرة على الجو ستؤثر أيضاً على قدرة الجيش الأميركي وحلفائه على تنفيذ عمليات في جميع المجالات.
وبالعودة إلى الصواريخ المضادة للطائرات بعيدة المدى، التي ستساعد في إحداث هذا التغيير في الحرب الجوية، لا يوجد سبب للاعتقاد أن الجيش الأميركي لن ينشر أيضاً أسلحة من هذه الفئة بحلول عام 2050، أو حتى قبل ذلك، بحسب التقرير.
صواريخ جو-جو
وفي مجال الصواريخ جو-جو، تعمل الولايات المتحدة بالفعل على تطوير أنواع جديدة من الأسلحة التي يتجاوز مداها أبعد الصواريخ، التي تملكها حالياً في الخدمة.
وفضلاً عن الصواريخ جو-جو الأكبر حجماً من تلك المستخدمة اليوم، توجد طرق أخرى لتحقيق مدى أطول ربما تشمل تصميمات تعتمد على محركات صاروخية متعددة المراحل، فضلاً عن محركات تتنفس الهواء، مثل المحركات النفاثة.
على سبيل المقارنة، يُفترض أن صاروخ جو-جو متوسط المدى AIM-120 AMRAAM، في طرازه D الأطول مدى، قادر على ضرب الأهداف على مسافة نحو 100 ميل.
ونشرت البحرية الأميركية، على الأقل على مستوى محدود، نسخة تطلق من الجو من صاروخ Standard Missile-6 (SM-6)، المسمى AIM-174B، والذي يُعد مداه أيضاً معلومة سرية، ولكن ينبغي أن يكون أكبر بكثير من AIM-120D، ومن المرجح أن يكون ضعف المدى وربما 3 أضعافه.
كما تعمل البحرية والقوات الجوية في الولايات المتحدة بشكل مشترك على تطوير AIM-260، وهو صاروخ جو-جو جديد سيوفر مدى أكبر بكثير من صواريخ AMRAAM من الجيل الحالي، بالإضافة إلى قدرات جديدة ومحسنة، ولكن في حزمة مماثلة الحجم.
ورجَّح موقع The War Zone، أنه سيظل من الصعب للغاية امتلاك سلاح يُطلق من الجو وقادر على تحقيق مدى يبلغ 1000 ميل، أي ما يقرب من 10 أضعاف المدى الذي توفره أحدث صواريخ AMRAAM بحلول عام 2050.
وأشار إلى أن الحجم لن يكون مشكلة كبيرة بالنسبة لطائرة B-21 Raider، وهي القاذفة الشبحية الجديدة التابعة للقوات الجوية الأميركية، التي ربما تلعب نوعاً ما دوراً في الهيمنة الجوية، أو B-52 التي سيجري تحديثها قريباً.
ويمكن لطائرة F-15EX أيضاً حمل أسلحة ضخمة، لا تستطيع المقاتلات الأخرى الموجودة حملها. ومن ناحية أخرى، لا يُعتبر تطوير صاروخ أرض-جو بهذا المدى الهائل بالأمر الصعب، وإن كان لا يزال “مهمة شاقة”.
ومع وجود قيود أقل كثيراً على الوزن والأبعاد، يمكن بناء مثل هذا السلاح قريباً، وإن كان من الضروري على الأرجح أن يقتصر على مواجهة أهداف أكبر حجماً وثقيلة، مثل طائرات التزود بالوقود، ووسائل النقل، وطائرات الدعم.
وعندما يتعلق الأمر بقدرات التهديد الحالية، تقول روسيا إن نظام صواريخ أرض-جو S-400 لديها يمكنه التعامل مع أهداف على بُعد يصل إلى 250 ميلاً، على الرغم من أن هذا سيكون في ظل ظروف مثالية تماماً ضد أنواع معينة جداً من الأهداف.
ويبلغ أقصى مدى مفترض لنظام S-500 الأكبر حجماً، والذي صُمم لتوفير صواريخ باليستية، وقدرات دفاع جوي بعيدة المدى أخرى نحو 370 ميلاً.
وتمتلك الصين مجموعة كبيرة من أنظمة الصواريخ أرض-جو ذات القدرة المماثلة والأطول مدى مثل HQ-18 وHQ-19.
وأياً كانت منصة الإطلاق، فإن صاروخاً مضاداً للطائرات بمدى 1000 ميل لن يكون له أي فائدة على الإطلاق ما لم يُقترن ويرتبط بـ”شبكة قتال” متقدمة للغاية وعميقة من النوع الذي يطوره الجيش الأميركي بسرعة.
ويتوقع أن تلعب “شبكات القتال المتقدمة” دوراً حاسماً في تحديد الأهداف واختيارها بسرعة، قبل إحداث تأثيرات على مسافات طويلة جداً.
وتعمل تلك الشبكات بالفعل على دمج العديد من أجهزة الاستشعار والمؤثرات وعناصر الدعم عبر المجالات الجوية والبرية والفضائية والسطحية وتحت السطحية والسيبرانية وعبر الخدمات العسكرية المختلفة.
أقمار التجسس
سيكون المجال الفضائي بالغ الأهمية في التعامل مع الأهداف الجوية على مسافات بعيدة للغاية، وفي المستقبل، لن تتمكن طائرات الإنذار المبكر من البقاء ضمن مدى الطائرات المهددة التي يغطيها رادارها.
كما لن تتمكن من تعقب أهداف على بُعد آلاف الأميال بسبب قيود مدى الرادار، وفي كثير من الحالات، بسبب انحناءات سطح الأرض.
ويعمل الجيش الأميركي بالفعل على نشر مجموعات جديدة من الأقمار الاصطناعية الموزعة، والتي ستكون قادرة على توفير “صورة جوية” عالمية ومستمرة، وتوليد مسارات استهدافية للتهديدات في أي مكان، وكلها متصلة بشبكة في الوقت الحقيقي.
ويعني هذا أن الصواريخ، سواء التي يجري إطلاقها من الجو أو سطح الأرض، لن تضطر إلى الاعتماد على منصات إطلاق أو دعامات وسيطة قائمة، وخاصة طائرات الإنذار المبكر والتحكم المحمولة جواً، التي أصبحت معرّضة للخطر بشكل متزايد، لتوفير الدعم للاستهداف والقياس عن بُعد في منتصف المسار.
وستوجه هذه الأسلحة إلى أهدافها عبر شبكة التتبع الفضائي المكونة من مئات أو حتى آلاف الأقمار الاصطناعية التي تتقاطع حول العالم.
وأشار موقع The War Zone إلى أن هذه الأنواع من القدرات الفضائية تشكل “عاملاً دافعاً” إلى حد كبير للقوات الأميركية.
وفي الوقت نفسه، عملت الصين، على توسيع نطاق بنية أجهزة الاستشعار الفضائية الخاصة بها بشكل كبير، بما في ذلك لأغراض الاستهداف بعيد المدى.
من جانبه، قال وزير القوات الجوية الأميركية، فرانك كيندال، إن قدرة القوة المشتركة الأميركية بأكملها على إظهار قوتها تعتمد على النجاح في الفضاء.
وأضاف كيندال: “إذا لم نتمكن من حرمان الصين، من قدراتها على الاستهداف الدقيقة والفورية، فإن القوة المشتركة بأكملها معرّضة لخطر جسيم”.
وأعربت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) بشكل متزايد عن مخاوفها بشأن شبكة الأقمار الاصطناعية الصينية سريعة التوسع للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع K(ISR) التي يمكن أن تدعم مراقبة وتتبع واستهداف القوات الأميركية، وقوات متحالفة معها في جميع أنحاء العالم، وخاصة في جميع أنحاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي تقريرها لعام 2024 عن القدرات العسكرية الصينية، ناقش البنتاجون الاستهداف الفضائي في سياق الضربات الدقيقة بعيدة المدى، مشيرة إلى أن بكين “تؤكد على أهمية قدرات المراقبة الفضائية في دعم الضربات الدقيقة”.