تواجه العلاقات الأميركية الإفريقية منعطفاً حرجاً مع قرار إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي الأميركي، فيما يثير دمج مكتب الشؤون الإفريقية ضمن مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تساؤلات جدية بشأن مستقبل الشراكة بين الولايات المتحدة والقارة السمراء.

بينما يرى البعض في هذا الدمج الأميركي مجرد خطوة إدارية، أو توجهاً استراتيجياً جديداً يهدف لرؤية المنطقتين كنسيج واحد من الفرص والتحديات، يعتبر آخرون أنه بمثابة “ضربة نهائية” لعلاقات عانت من انتكاسات متكررة في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تمثلت في خفض المساعدات، وفرض الرسوم الجمركية، وحظر السفر، وغياب أي ذكر لإفريقيا في خطاباته الرسمية.

وتحدث خبراء لـ”الشرق”، بشأن اعتقادهم بأن هذا التغيير البنيوي يشكل “إهمالاً مقصوداً” لقارة تحتاج إلى قيادة ورؤية، فيما اعتبر آخرون أنه “تحوّل استراتيجي” سيحدد مساراً جديداً للتعاون المستقبلي.

“ثغرات” استخباراتية

إميليا كولومبو، وهي مسؤولة سابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، ومتخصصة في الشؤون الإفريقية، قالت لـ”الشرق”، إن “دمج مكتب الشؤون الإفريقية ضمن مكتب شؤون الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي، يشكل خطراً أكبر بكثير على التفاعل الدبلوماسي الأميركي والشراكات الثنائية، مقارنةً بخطره على جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها”.

وأضافت كولومبو، أنه “بقدر ما تؤدي عملية إعادة التنظيم هذه إلى إضعاف الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف، فقد نشهد تأثيراً ثانوياً على الشراكات والتعاون الاستخباراتي الأميركي”.

وأشارت إلى أن “فقدان أو انخفاض تبادل المعلومات الاستخباراتية الثنائية ومتعددة الأطراف، خاصةً مع الشركاء الذين قد يمتلكون وصولاً فريداً أو رؤى ثاقبة حول التحديات والفرص الأمنية، من شأنه أن يسهم في ثغرات استخباراتية في هذه المجالات”.

“تهميش وإهمال” أميركي لإفريقيا

لكن محمد الحسن ولد لبات، مبعوث الاتحاد الإفريقي السابق إلى السودان ومنطقة الساحل، ووزير الخارجية الموريتاني السابق، قلل من المخاوف الرئيسية أو الفوائد المحتملة للقارة من قرار الولايات المتحدة بدمج مكتب الشؤون الإفريقية مع مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقال ولد لبات: “في الواقع، ليس دمج المكتبين ضرورياً بحد ذاته.. بالطبع، له معنى رمزي.. القضية تكمن في أنه جاء في إطار ديناميكية هي ديناميكية تهميش إفريقيا، وشبه إهمال إفريقي من قبل الإدارة الجديدة”.

واعتبر أن التخفيض الجذري لبرامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID في مجالي الصحة والغذاء بشكل خاص، والغياب التام لكلمة “إفريقيا” في الخطاب العام الأميركي، بالإضافة إلى الحظر، والصعوبات التي يواجهها الطلاب الأفارقة، وقانون النمو والفرص في إفريقيا AGOA، ومعارضة المطالب الإفريقية المتعلّقة بتغير المناخ، وغياب أي مشاريع بنية تحتية، كلها أدلة قوية على أن هذه الإدارة “لا تولي أي اعتبار للقارة”.

وحول الرد الإفريقي المناسب، قال ولد لبات إن “إفريقيا تفتقر إلى القيادة حالياً، لذا لا أتوقع رداً ذا أهمية”.

سياسات جديدة مع وقف التنفيذ

وفي السياق ذاته، سُرِّبت إلى وسائل إعلام أميركية، مسودة اقتراح من وزارة الخارجية الأميركية، تفيد بأن الإدارة تدرس تقليصاً كبيراً للتواجد الدبلوماسي الأميركي في إفريقيا، عبر إغلاق سفارات الولايات المتحدة في ست دول إفريقية: جمهورية إفريقيا الوسطى، وإريتريا، وجامبيا، وليسوتو، وجمهورية الكونغو، وجنوب السودان. إلا أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اكتفى بالتعليق على جزئية إغلاق البعثات الدبلوماسية، واستبعد الخطوة في الوقت الراهن فقط.

لكن جانيت ماكليجوت، وهي مسؤولة سابقة في البيت الأبيض، ومتخصصة في شؤون السودان، ترى أن دمج إفريقيا ضمن المكتب المسؤول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وتقليص التواجد الدبلوماسي فيها، واختزال القارة في خمس سفارات أو أقل، وتسليم التعاون الدولي للمصالح الروسية والصينية بشكل أساسي، هو “خطأ فادح”، لا يمكن أن يعكس توجهاً استراتيجياً تحت أي ظرف.

وأشارت إلى أنه “على الرغم من أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) كانت متضخمة وغير فعالة، إلا أنها كانت تؤدي وظيفة مهمة في مكافحة الأمراض وتوفير الخدمات والمساعدات الإنسانية عالمياً – وخاصة لإفريقيا. لكن الطريقة اللاإنسانية التي أُلغيت بها فعلياً لا تُغتفر”، واصفة إعادة تنظيم وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب بأنه “محيّر”.

وأضافت: “لا يمكن وصف المخاوف من تجاهل الإدارة الأميركية الجديدة وصمتها حيال كل ما يتعلق بإفريقيا إلا بالمخاوف الجدية، ما لم يتم تدارك هذا الأمر سريعاً، والعمل برؤية وقيادة جديدة وذكية تجاه القارة الإفريقية”.

وأصبحت أجزاء من شرق وغرب إفريقيا مراكز لانتشار العنف، ففي عام 2024، سقط أكثر من نصف “ضحايا الإرهاب” في العالم بمنطقة الساحل بغرب إفريقيا، وهي منطقة صحراوية شاسعة تسيطر عليها مجالس عسكرية.

من جانبها، رفضت وزارة الخارجية الأميركية الرد على استفسارات “الشرق” بشأن سياسة الإدارة تجاه إفريقيا، أو حتى قرار دمج مكتب الشؤون الإفريقية ضمن المكتب المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وما إذا كان دمجاً إدارياً مباشراً تحت مظلة مكتب شؤون الشرق الأوسط، أم أنه إعادة هيكلة لوحدتين منفصلتين ضمن وحدة أوسع. 

وصرّحت الخارجية بأنها في الوقت الراهن لا تملك أي تعليمات تخولها التعليق على الموضوع.

وفي غرب إفريقيا، نمت الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة “و”داعش” في السنوات الأخيرة، كما تراجع النفوذ الأمني الأميركي بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية في عدة دول.

مخاوف متصاعدة

لكن هذا التوجه، الذي وصفه البعض بالنهج الجديد تجاه إفريقيا أثار قلق خبراء من أن قضايا جنوب الصحراء ستُهمل في البيت الأبيض في عهد الرئيس دونالد ترمب، وأن مجلس الأمن القومي سيكتفي بتنفيذ أولوياته الأمنية، بدلاً من صياغة سياسة جديدة تخدم الطرفين، وهو ما سيؤثر سلباً على الاستقرار والتنمية في إفريقيا، وعلى مصالح أميركا على المدى الطويل، وعلى الأمن، والاستقرار العالمي بشكل عام.

وكانت اللواء جيمي شاولي تنحت عن منصبها “قبل أربعة أيام” كمدير أقدم للشؤون الإفريقية، وذلك بعد 4 أشهر من توليها المنصب. 

وتتزامن التغييرات المقترحة في مجلس الأمن القومي والخطط الدبلوماسية الأميركية في إفريقيا مع نشاط متزايد من قوى عالمية مثل الصين وروسيا، فيما يرى بعض المحللين أن تقليص الوجود الأميركي قد يمنح هذه الدول فرصة لتوسيع نفوذها.

وقبل عام 2008، كانت الأنشطة العسكرية الأميركية في إفريقيا تديرها قيادات عسكرية من مناطق أخرى، لكن إنشاء قيادة “أفريكوم” أشار حينها إلى تزايد المصالح الأمنية الأميركية في القارة، في ظل انتشار حركات التمرد، وتصاعد المنافسة مع الصين وروسيا.

شاركها.