يتزايد عدد الأميركيين المقيمين في الخارج الذين يقررون التخلي عن جنسيتهم في ظاهرة لم تعد تقتصر على الأسباب الضريبية والإدارية، بل أصبحت السياسة عاملاً حاسماً فيها، مع تصاعد الانقسامات الداخلية وعودة دونالد ترمب إلى الحكم، بحسب “واشنطن بوست”.

في كل عام يتخلى ما بين 6 و 5 آلاف أميركي عن جنسيتهم، وغالباً ما تكون الأسباب ضريبية أو لوجستية، لكن المحامين يقولون إن السياسة أصبحت الآن تلعب دوراً أكثر مركزية.

وتعد الولايات المتحدة واحدة من دولتين فقط في العالم، إلى جانب إريتريا، اللتان تفرضان الضرائب على أساس الجنسية وليس الإقامة، ما يعني أن الأميركيين المقيمين في الخارج ملزمون بتقديم إقرارات سنوية لمصلحة الضرائب الأميركية (IRS) إلى جانب تلك المطلوبة في البلد الذي يعيشون أو يعملون فيه.

وذكرت “واشنطن بوست” أن بعض المصارف بسبب متطلبات التقارير الإضافية التي تفرضها واشنطن، ترفض فتح حسابات للمواطنين الأميركيين أو تفرض عليهم رسوماً إضافية. كما أن بعض الدول، مثل اليابان وقطر، لا تسمح بازدواج الجنسية، ما يضطر المغتربين الأميركيين إلى اختيار جواز واحد.

حتى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، المولود في نيويورك لأبوين بريطانيين، تخلّى عن جنسيته الأميركية عام 2016 بعد أن وصف فاتورة ضريبية من مصلحة الضرائب الأميركية إثر بيع منزله في لندن بأنها “فظيعة للغاية”.

وكشفت مجموعة “التخلي عن الجنسية الأميركية: لماذا وكيف” على فيسبوك التي تضم نحو 3 آلاف عضو، فإن عدداً متزايداً من المتنازلين يذكرون استيائهم من السياسة الأميركية كجزء من دوافعهم.

خطوة لا رجعة فيها

وقالت المحامية مايا باكلي في لندن: “السياسة أصبحت بالتأكيد جزءاً أكبر من المزيج مؤخراً. عندما نسألهم: لماذا الآن؟ تصبح هذه واحدة من العوامل”.

بين عامي 2024 و2025، ارتفعت نسبة المواطنين الأميركيين المقيمين في الخارج الذين يفكرون في التنازل عن الجنسية من 30% إلى 49%، وفقاً لاستطلاع سنوي أجرته شركة الضرائب الدولية Greenback.

ومن بين هؤلاء، ذكر 61% الضرائب كسبب، و51% ذكروا “الاستياء من الحكومة الأميركية أو التوجه السياسي”.

ويصف المتنازلون تراكم المتاعب الصغيرة التي ترافق حياتهم بالخارج، مثل حظر فتح حسابات بنكية، رسوم إضافية ومتطلبات تقارير معقدة، دفع أموال للمحاسبين للتعامل مع سلطتي الضرائب في بلدين، ضرائب إضافية عند بيع منزل أو أسهم.

وبالنسبة للكثيرين كانت هذه المتاعب مزعجة ولكن محتملة، نظراً لأن التنازل عن الجنسية خطوة لا رجعة فيها تعني فقدان الحق في العيش أو العمل في الولايات المتحدة، ومواجهة صعوبات محتملة في زيارة العائلة أو الحصول على تأشيرات.

ثم جاءت الاضطرابات السياسية داخل الولايات المتحدة والانقسامات المتزايدة، وأحداث 6 يناير 2021 في الكابيتول، والطعون القانونية في حقوق التصويت، وحوادث إطلاق النار في المدارس، وفق “واشنطن بوست”.

تزايد الطلبات

كولين مكاتشين، 33 عاماً، وُلدت في أوهايو لأم أميركية وأب كندي، ونشأت معظم حياتها في كندا وكانت تزور عائلتها عبر الحدود باستمرار، في 2018 انتقلت إلى لندن للدراسة وبقيت للعمل.

لاحظت تغيراً في المواقف الأميركية في السنوات الأخيرة جعل من الصعب عليها تخيل العيش مجدداً في بلد مولدها. كانت قلقة من أزمة الأفيون، ونقص الرعاية الصحية الميسّرة، وتدهور الخطاب السياسي.

وأثناء مرافقتها جدها إلى مراسم قدامى المحاربين في نصب الحرب العالمية الثانية بواشنطن عام 2017، شعرت بالصدمة من حدة الخطاب السائد.

وقالت: “كانت مجموعة من الأحداث الصغيرة، شيئاً فشيئاً، أعطتني شعوراً بأني لم أعد أشعر بأي انتماء لأميركا”. لم يعد تجديد جواز السفر يبدو مجدياً.

بعد وفاة جدها، أرسلت طلب التنازل عن جنسيتها الأميركية في اليوم نفسه الذي علمت فيه أنها يمكن أن تبقى في بريطانيا بشكل دائم. صادف ذلك يوم الانتخابات الأميركية لعام 2024، وكانت قد صوتت للتو عبر البريد في مقاطعة هاميلتون، أوهايو، للمرة الأخيرة.

وحذّرت السفارة الأميركية من تزايد الطلب على هذه الخدمة: “نظراً للطلب غير المسبوق على خدمات فقدان الجنسية، لا يمكننا تقديم تقديرات زمنية للمواعيد”.

كما تسببت جائحة كورونا بتراكم الطلبات في السفارات الكبرى مثل لندن، وزاد المتنازلون بعد الانتخابات الضغط أكثر. لذا يرسل بعض المحامين عملاءهم إلى سفارات أميركية في مالطا أو براغ أو عواصم أوروبية أخرى حيث المواعيد أسرع.

شاركها.