خطيب بدلة

الإهانات التي توجه للمرأة، ليست كلها مقصودة، فعندما يتشاجر رجلان، ويقول الأول للثاني: إذا كنت رجال اطلع لي، فإنه يهين المرأة، ولكن، دون أن يدري. ولا تنسَ أن العبارة التقليدية التي تستخدم لإثارة النخوة، هي: وين الزلم؟ وعلى ما أذكر أن الفزعات الدفاعية، الدارجة في مناطق السويداء، تتألف من كلمة واحد: وينن؟ يعني: الرجال.

تتورم هذه النزعة، في مجتمعاتنا، حتى يصل الاعتداد بالذكورة إلى مستوى “الفشخرة”، فإذا جاء من يتحدى أحدهم، يرد عليه: أنا زلمة غصبًا عنك، أنا بشق الشعرة نصين. ولست أدري من أين جاءت هذه العبارة، فشق الشعرة لا تلزمه رجولة، أو خشونة، بل مهارة، وذكاء، وآلة بالغة الدقة والفاعلية.

لا شك أن أيام الحروب، والنزاعات الأهلية الطويلة، تشكل بيئة مثالية للذكورة، التي يسمونها زورًا “الرجولة”.. والذكور، في مثل هذه الظروف، يجدون الفرصة مناسبة لزيادة الضغط على المرأة والأطفال، فحينما يشاهدونه مدججًا بالسلاح، خارجًا من البيت، من أجل القتال، تقع رهبته في نفوسهم، ويحق له، آنذاك، أن يزيد من جرعة التعالي عليهم، باعتبار أن هذا العمل، القتال، هو من اختصاص الزلم.. وبينما تغرغر الدموع في عيني الزوجة والبنات، يمنع الأب أبناءه الذكور من التأثر، ويقول للطفل الذكر: خليك رجال! ويقول للإناث: ادعوا لنا.

صار لدي، أنا محسوبكم، في الآونة الأخيرة، ميل للإكثار من طرح الأسئلة، ولا سيما في الموضوعات الخطيرة، التي تجر على بلادنا المصائب والويلات، فحينما يقول “الزلمة” المدجج بالسلاح لنسائه: ادعوا لنا، هل يكون بإمكانهن، أو من حقهن، السؤال عن مشروعية المعركة التي سيذهب لخوضها: هل ستقاتل أعداء حقيقيين، معتدين علينا وعلى بلدنا؟ أم أنك ذاهب لتقتل أناسًا من بلدك، يمكنك، لو كنت عاقلًا، أن تتحد معهم في وجه العدو الحقيقي؟

هذه الأسئلة دفعتني، ذات يوم، لأقول: إذا رأيت رجالًا مسلحين، ذاهبين للقتال ضد نظام الحكم في دولة ما، اسألهم: لماذا؟ فإذا قالوا لك: سنسقطه لأنه مجرم مستبد، عاجلهم بشرط واجب التنفيذ، هو ألا يكونوا مجرمين، مستبدين، مثله، ثم اطرح عليهم السؤال الأكثر أهمية وإحراجًا: وماذا ستفعلون بعدما تسقطون هذا النظام؟ ما نوع النظام الذي ستقيمونه في مكانه؟

قامت الثورة الفرنسية، سنة 1789، ضد تحالف النظام الإقطاعي مع رجال الدين، وطرحت البديل، النظام البرجوازي، المتسلح بقيم الحرية، وكان شعارها واضحًا: حرية، مساواة، إخاء، وكان لها مثقفوها، ومنظروها، ومفكروها.. وعلى الرغم من كل الإخفاقات، والمطبات، والإحباطات، انتصرت الثورة، وأصبحت تدرس في الجامعات والأكاديميات، على أنها النموذج الذي يمكن أن يحتذى في كل مكان من العالم، حتى ولو اختلفت الظروف.

حسنًا، هل لهذه الأسئلة، والأمثلة، علاقة بسؤالنا الأول: أنت قبضاي؟ الجواب: نعم. جواب قد يكون مزعجًا، أو مؤلمًا، وهو أن ثورتنا أحدثت تغييرًا كبيرًا في مجتمعنا، ولكن إلى الخلف! فإذا أخذنا واقع الرجل والمرأة مثالًا، أو مقياسًا للنجاح، سنجد أن جرعة التباهي بالذكورة، بالمحصلة، ارتفعت، على نحو هستيري، وزاد استعبادنا للمرأة أضعافًا. أليس هذا من أسوأ مؤشرات الإخفاق؟

المصدر: عنب بلدي

شاركها.