خرج الزعيم الكردي المسجون في تركيا عبد الله أوجلان برسالة جديدة ونادرة، دعا فيه بشكل صريح إلى إنهاء الكفاح المسلح والانتقال إلى العمل السياسي السلمي، وجاء الإعلان في وقت حساس إقليميًا ومحليًا، حمل عبارات بدت وكأنها شهادة وفاة لحزب العمال الكردستاني كتنظيم مسلح بعد أكثر من أربعة عقود من الحرب والدم والصراع.

 

إعلان النهاية.. خطاب يكتب التاريخ مجددًا

لسنوات طويلة، ظل حزب العمال الكردستاني عنوانًا للصراع الدموي بين الأكراد والدولة التركية، حيث تأسس الحزب عام 1978 بقيادة أوجلان على خلفية ماركسية ثورية، وبدأ عملياته العسكرية ضد الدولة التركية عام 1984، ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ الحرب التي حصدت أرواح ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأدت إلى تهجير وتشريد عشرات الآلاف في تركيا وشمال العراق.

 

لكن هذه المرة، بدا خطاب أوجلان مختلفًا عن كل خطابات التسوية السابقة، إذ لم يكتفِ بالحديث عن عملية سلام أو تهدئة، بل أعلن انتهاء الكفاح المسلح من جذوره، وقال في خطابه: “المرحلة المسلحة قد انتهت، وحان الوقت للانتقال إلى السياسة الديمقراطية.”

 

نهاية الحزب كتنظيم مسلح

يرى الدكتور كاظم ياور، الباحث في السياسات الاستراتيجية، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن هذا الخطاب لا يشكل مجرد موقف رمزي بل يمثل إعلانًا لتفكيك التنظيم.

ويقول: “بعد خطاب اليوم لم يبقَ شيء اسمه حزب العمال الكردستاني كحزب منظم مسلح يستخدم هذا العنوان ضد الدولة التركية أو لأي حالة سياسية أو أمنية مستقبلًا.”

 

ويضيف موضحًا أن الخطاب لم يأتِ دون ترتيبات مسبقة، بل يندرج ضمن خطة أوسع تم الاتفاق عليها: “هناك ترتيبات مسبقة تم الاتفاق عليها لربما مع جهات أمنية في تركيا وكذلك في العراق وإقليم كردستان العراق، ستبدأ بعملية تسليم عناصر، وإن كانت أعدادهم محدودة لكنها تعتبر بادرة جيدة وصحيحة في طريق استكمال خطوات نزع السلاح والانخراط في العملية السلمية المدنية داخل تركيا والمنطقة.”

 

أبعد من تركيا.. أبعاد إقليمية وجغرافيا واسعة

حزب العمال الكردستاني لم يكن يومًا مجرد تنظيم محلي داخل تركيا، فبحسب ياور، “الحزب له امتدادات أكثر من 90% خارج تركيا، موزعين بين العراق ومناطق حدودية مع إيران وسوريا”، ما يجعل أي عملية حل أو تفكيك مسلح تحتاج إلى تنسيق إقليمي واسع.

 

وبالفعل، شهدت الأيام الماضية تحركات متسارعة في هذا الإطار، كان أبرزها زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالن إلى بغداد وأربيل، حيث بحث ملف إنهاء وجود مقاتلي الحزب على الأراضي العراقية وضمان عدم استغلال الوضع من قبل أطراف أخرى، خصوصًا إيران التي لطالما استخدمت بعض الفصائل الكردية كورقة ضغط في مواجهاتها الإقليمية.

 

تركيا.. ما بين خطوات ميدانية وتشريعات مؤجلة

تركيا من جهتها لم تنتظر كثيرًا، إذ تواصلت بشكل مباشر مع حكومة إقليم كردستان العراق وبغداد لوضع خطة تنفيذية لبدء نزع السلاح، ووفقًا لمصادر مطلعة، ستبدأ خلال أيام عملية رمزية لتسليم الدفعة الأولى من مقاتلي الحزب في محافظة السليمانية شمال العراق، في خطوة يرى فيها المراقبون اختبارًا أوليًا لجدية المسار الجديد.

 

لكن الدكتور ياور يشير إلى أن مسار أنقرة ليس عسكريًا فقط، بل سياسي وتشريعي أيضًا. ويقول: “أوجلان أشار إلى ضرورة أن يقوم البرلمان التركي بتعديل بعض القوانين أو تشريعات جديدة في مجال استيعاب هذه العملية بمفاصلها، وكيفية احتواء عناصر الحزب داخل تركيا.”

 

ويتعلق ذلك بقوانين الإرهاب والعفو والإدماج المدني للأكراد، وهي قضايا طالما شكلت حجر عثرة أمام أي عملية سلام حقيقية، خاصة مع وجود تيارات قومية متشددة داخل البرلمان التركي قد تعرقل مثل هذه الخطوات.

 

العراق.. بين أمنه واستراتيجيات اقتصاده

أما العراق، فهو ليس مجرد ساحة للوجود العسكري للحزب بل أيضًا طرف محوري في نجاح الاتفاق.

يقول ياور: “العراق بطبيعة الحال له حدود مشتركة مع تركيا وشهد توترات أمنية كبيرة نتيجة تواجد حزب العمال الكردستاني بهذا العنوان وبهذا المستوى، ومن مصلحته أن تأخذ عملية السلام أبعادها ومستوياتها العادلة لكي تنهض مشاريع استراتيجية اقتصادية بين العراق وتركيا بعد حل هذه القضية.”

 

وهو ما تؤكده أيضًا مصادر حكومية عراقية تحدثت لوسائل إعلام تركية هذا الأسبوع، مشيرة إلى أن بغداد ترى في نزع سلاح الحزب فرصة تاريخية لإنهاء الصدامات الحدودية مع تركيا وفتح الباب أمام مشاريع استراتيجية كبرى، أبرزها مشروع الربط السككي (طريق التنمية) وخطوط الطاقة القادمة من العراق باتجاه أوروبا عبر تركيا.

 

تحديات لا تنتهي.. من قنديل إلى سوريا

ويشير “ياور” إلى أنه رغم قوة خطاب أوجلان وتاريخه الرمزي المؤثر، لا يزال الطريق طويلًا ومعقدًا. فما زالت هناك قيادات عسكرية في جبال قنديل ترفض الانصياع لأية أوامر بحل التنظيم أو تسليم السلاح، وسط مخاوف من استغلالها إيرانيًا.

 

كما أن الملف السوري بحد ذاته لا يزال معقدًا، فالقوات الكردية في شمال شرق سوريا (قسد) التي تضم فصائل مقربة من PKK لم تعلن رسميًا التزامها بمسار أوجلان، ما قد يفتح بابًا لصراعات جديدة إذا لم تتم تسوية شاملة عبر تفاهمات دولية وإقليمية أوسع.

ورغم ذلك تزامن خطاب أوجلان مع اجتماعات كردية تقودها قوات قسد مع الحكومة السورية بدمشق برعاية أمريكية وفرنسية، فيما يتوقع ان تنتج عن تفاهم بين الحكومة السورية وقسد، وهو بداية كبيرة لحل قوات قسد أو دمجها بالقوات الحكومية السورية.

 

بداية لسلام طويل أم فصل جديد لصراع آخر؟

خطاب أوجلان هذه المرة بدا وكأنه آخر أوراقه الثقيلة، ففيه طوى صفحة السلاح بلا شروط أو مناورات، معلنًا تحول الحزب إلى مسار مدني، لكن في شرق أوسط سريع التقلبات، تظل النهاية مجرد بداية لمرحلة جديدة، فإما أن تكون فصل سلام حقيقي يفتح الطريق أمام تسويات تاريخية بين تركيا وأكرادها ودول الجوار، أو تكون مجرد محطة عابرة في صراع طويل، لم تقل فيه الحرب كلمتها الأخيرة بعد.

أوجلان يطوي صفحة السلاح.. خطوة “مهمّة” قادمة خلال يومين فهل انتهى حزب العمال الكردستاني؟

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.