أوراق ضغط صينية في حرب ترمب التجارية

تعتزم الصين تصعيد ضغوطها على الشركات الأميركية، في رد على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بينما تحتفظ ببعض أوراق القوة التفاوضية، وذلك في خضم تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، حسبما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وكانت بكين قد ردت بالفعل من خلال رفع الرسوم الجمركية على سلع أميركية بنسبة إضافية بلغت 34%، إلى جانب اتخاذ حزمة من الإجراءات الأخرى، بينها حظر تصدير المعادن النادرة وفتح تحقيق لمكافحة الاحتكار بحق الفرع الصيني لعملاق الكيماويات الأميركية DuPont “دو بونت”.
وعلى خلاف جولتيْ الرد السابقتين اللتين استهدفتا فئات محددة من الواردات الأميركية، أعلنت بكين هذه المرة، زيادة شاملة في الرسوم الجمركية، على أن تدخل حيز التنفيذ في 10 أبريل الجاري، أي بعد يوم واحد من بدء تطبيق الرسوم القائمة على أساس “المعاملة بالمثل” التي فرضتها الولايات المتحدة.
وكانت الصين قد بذلت جهوداً لتخفيف حدة التوترات مع الإدارة الأميركية الجديدة في بداية الولاية الثانية لترمب، إذ اتخذت خطوة نادرة بإيفاد نائب الرئيس، هان تشنج، لحضور مراسم تنصيب ترمب في يناير الماضي.
لكن هذا النهج المتحفظ تبدد الأسبوع الماضي، بعدما وجدت بكين نفسها من بين أبرز المستهدفين بالرسوم الجمركية القائمة على أساس “المعاملة بالمثل”، وبحسب تحليل صادر عن “جولدمان ساكس”، سيرتفع متوسط الرسوم الأميركية على السلع الصينية إلى 60%.
وتأتي الحرب التجارية التي يشنها ترمب في وقت صعب بالنسبة لبكين، التي تسعى بنشاط لجذب الاستثمارات الأجنبية بهدف إنعاش اقتصادها المتباطئ ومواجهة ضغوط انكماش الأسعار.
“تنمر اقتصادي”
الناطق باسم الخارجية الصينية، اعتبر، الاثنين، أن التهديدات والضغوط ليست الطريقة السليمة للتعامل مع بلاده، بعد أن وصف الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي بأنها “تنمر اقتصادي”.
وأضاف لين جيان خلال مؤتمر صحافي دوري، أن الرسوم الجمركية “نموذج للتحرك أحادي الجانب وسياسات الحماية والتنمر الاقتصادي”، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضت باسم المعاملة بالمثل لا تخدم إلا مصلحة واشنطن على حساب مصالح الدول الأخرى.
وأوضح أن إساءة استغلال الولايات المتحدة للرسوم الجمركية يصل إلى حد حرمان الدول، وبالأخص دول جنوب العالم، من حقها في التنمية، مشيراً إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في كل بلد ومعاناة الدول الأقل تقدما من أثر سلبي أكبر.
وأضاف أنه على جميع الدول دعم التشاور و”التعددية الحقيقية”، كما حث الناطق، الدول على التشارك في معارضة كل أشكال الأحادية وسياسات الحماية الاقتصادية، وفي حماية النظام الدولي والنظام التجاري متعدد الأطراف، وفقاً لقيم الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.
وقال توو تسين كوان، عميد معهد دراسات منظمة التجارة العالمية في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية في بكين، لـ”فاينانشيال تايمز”: “كان رد فعل الصين على الزيادتين الأوليين في الرسوم معتدلاً وصبوراً، لكننا اكتشفنا أن الصبر لم يكن مجدياً”.
بدوره، قال كوري كومبس، المدير المساعد في شركة “تريفيم تشاينا” الاستشارية ومقرها بكين، للصحيفة: “الوضع سيئ، لكنه كان من الممكن أن يكون أسوأ”، مضيفاً أن “بكين تركت لنفسها مجالاً لمواصلة تصعيد الردود كلما هددت تحركات الولايات المتحدة أو غيرها، مصالحها الاقتصادية”.
وأوضح كومبس أن أحدث القيود التي فرضتها الصين على التصدير، والتي أضيفت إليها سبعة عناصر جديدة إلى قائمة كانت تشمل سابقاً الأنتيمون والجاليوم والجرمانيوم، تُعد “أهم القيود المفروضة على المعادن حتى الآن”، مضيفاً أن بكين لا تزال تملك هامشاً لتشديد تطبيق هذه القيود وفتح تحقيقات جديدة بحق شركات لها وجود داخل الصين.
غير أن العناصر النادرة الخفيفة، التي تدخل أيضاً في تصنيع مجموعة واسعة من المنتجات التكنولوجية المتقدمة، من بينها الأجهزة الطبية والمركبات الكهربائية والهواتف الذكية، قد تكون هدفاً محتملاً لبكين مستقبلاً.
وقال مسؤولون صينيون لوسائل إعلام رسمية، الاثنين، إنهم مستعدون لخفض تكاليف الاقتراض وتقليص متطلبات الاحتياطي النقدي لدى المقرضين، فيما أكدوا وجود “مجالاً واسعاً” لزيادة العجز المالي للدولة، واستخدام تدابير استثنائية لتحفيز الاستهلاك.
تدابير انتقامية صينية
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى مسار آخر قد تلجأ إليه بكين يتمثل في حظر الشركات الصينية من القيام بأي استثمارات أجنبية في الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يمنعها من المشاركة في جهود ترمب لإحياء قطاع التصنيع داخل بلاده.
واستثمرت شركات صينية، مثل BYD لصناعة السيارات و”جوشن” Gotion، في منشآت داخل الولايات المتحدة، لكن أي استثمارات مستقبلية في قطاع التصنيع الأميركي تتطلب موافقة من بكين.
ويرجح خبراء أن تُشدد وزارة التجارة الصينية، التي تمنح الموافقات على تصدير المكونات الحيوية والآلات، من معايير فحصها للعملاء الأميركيين.
وفي هذا السياق، قال وسيط صيني مقيم في بكين يعمل في بيع السلع الوسيطة والمعدات التصنيعية إلى الولايات المتحدة، إن الجهات التنظيمية في الأشهر الأخيرة تباطأت في إصدار الموافقات على تصدير بعض السلع المدرجة على قائمة المنتجات الخاضعة لترخيص التصدير، بما في ذلك المعادن الحيوية.
وأضاف: “لا يرفضون الطلب بشكل صريح، لكنهم ببساطة لا يردون على طلبك. شهدنا في السابق، خلال فترات التوتر الجيوسياسي، أن هذه الموافقات تتجمد”.
وحذر خبراء من أن بكين من المرجح أن تتخذ تدابير انتقامية ضد الشركات الأميركية التي تمتلك عمليات في الصين، خصوصاً بعدما بدأت بالفعل تحقيقات تتعلق بمكافحة الاحتكار ضد مجموعتي التكنولوجيا “جوجل” و”إنفيديا” خلال الأشهر الأخيرة.
وأشار بن كوسترويفا، المحامي المتخصص في قضايا العقوبات لدى شركة “هوجان لوفيلز” للمحاماة، إلى تنامي خطر تعرض الشركات الأميركية لدعاوى مدنية؛ بسبب امتثالها للعقوبات الدولية بموجب “قانون مكافحة العقوبات الأجنبية” الصيني، مضيفاً أن الشركات الأميركية قد تواجه أيضاً دعاوى مدنية في الصين، حال انسحابها من أي عقود مبرمة مع نظراء صينيين نتيجة الالتزام بالعقوبات الدولية.
وقال: “هناك خطر بأن تتعرض الشركات الأجنبية لدعاوى قضائية مدنية في الصين بموجب هذا القانون. ولم نر الصين تستخدم هذا القانون بهذه الطريقة من قبل”.
وكان هذا القانون، الذي تم إقراره في عام 2021، يُستخدم حتى وقت قريب فقط لفرض عقوبات على أفراد مثل السيناتور الأميركي السابق ماركو روبيو (وزير الخارجية الأميركي الحالي)، الذي رأت بكين أنه يمرر تشريعات تتعارض مع مصالحها الوطنية.
وأدانت الصين هذه الرسوم، التي أدت إلى موجة بيع في الأسواق العالمية، كما تدخلت لوقف صفقة بيع عمليات “تيك توك” المملوكة لشركة “بايت دانس” الصينية، إلى تحالف من المستثمرين الأميركيين، في محاولة لإعادة التفاوض بشأن الرسوم قبل إتمام الصفقة.
وسبق أن فرضت الصين قيوداً على مغادرة بعض المهندسين والمعدات أراضيها، في مسعى منها لحماية هيمنتها على سلاسل التوريد في مجالات الإلكترونيات والبطاريات.