اخر الاخبار

أولويات وعوائق إعادة إعمار سوريا

– جنى العيسى

يبرز ملف إعادة إعمار سوريا كأحد الملفات الأولى التي تطرح مؤخرًا في سياق تعافي سوريا، وتشدد جميع الجهات الحكومية والدولية والإغاثية على أنه اللبنة الأولى لتأمين حياة كريمة للسوريين، وضمان استمرار عودة المهجرين منهم إلى الخارج.

رغم أن سقوط النظام المخلوع يفترض تسريع البدء بالتخطيط على الأقل لمشاريع إعادة الإعمار، فإن هذا الملف يصطدم بعدة معوقات، أبرزها العقوبات الأمريكية التي لا تزال مفروضة على سوريا، فضلًا عن حجم الاحتياجات للبلاد في مختلف القطاعات.

عقب هروب رئيس النظام، بشار الأسد، أعلنت العديد من الدول والمنظمات الدولية استعدادها للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، إلا أن هذه التعهدات لم تبصر النور بعد.

لا توجد تكلفة واضحة لإعادة إعمار سوريا، ووفقًا لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة مؤخرًا، تتراوح التكلفة بين 250 و400 مليار دولار، ولا يزال أكثر من نصف السكان السوريين نازحين داخل البلاد وخارجها، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، ويعتمد 16.7 مليون شخص، أي ثلاثة من كل أربعة أشخاص في سوريا، على المساعدات الإنسانية بحلول عام 2024.

رئيس مركز “حرمون للدراسات”، سمير سعيفان، قدّر تكلفة إعادة الإعمار المادي في سوريا بـ150 مليار دولار، مشددًا على ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد لفتح الطريق أمام الجهود الخاصة بذلك.

وأضاف سعيفان خلال مشاركته في ندوة عن الأوضاع الانتقالية في سوريا، أن “150 مليار دولار رقم كبير جدًا، وبالتالي هي تكلفة تختص بإعادة الإعمار المادي، لكن أيضًا هناك تكاليف لإعادة الإعمار المجتمعي، فهناك جهود وحوارات مع الناس لإعادتهم إلى بيوتهم مع وجود أعداد كبيرة منهم نزحوا إلى أماكن أخرى”.

نداء عاجل

في 25 من آذار الحالي، وجّهت الأمم المتحدة نداء إلى المجتمع الدولي بغية التحرك العاجل للاستثمار في إعادة إعمار سوريا وتنميتها.

وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، قال، إن توسيع نطاق الخدمات الأساسية سيكون عنصرًا حاسمًا في تسهيل عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم، مشددًا على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لدعم تعافي سوريا وإعادة إعمارها، مشيرًا إلى أن البلاد تمر بمرحلة حاسمة تتطلب استجابة سريعة وفعالة.

وسلّط المسؤول الأممي الضوء على أربع نقاط رئيسة تتعلق بدعم توجه الأمم المتحدة في سوريا، هي: الاستجابة الإنسانية، التمويل، حماية المدنيين، الاستثمار في إعادة الإعمار، مشيدًا بالإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية في سبيل تبسيط إجراءات المساعدات والتعاون مع الأمم المتحدة.

فليتشر أكد أن العقوبات الغربية والقيود المفروضة على سوريا تعرقل عملية إعادة الإعمار، معتبرًا أن أمام المجتمع الدولي فرصة لاتخاذ قرارات حاسمة لدعم السوريين الذين يستحقون “الفرصة لبناء مستقبل سلمي ومزدهر وشامل”.

حكوميًا: في مرحلة الإحصاء

حول ملف إعادة الإعمار، قالت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق المؤقتة، إنها وضعت خططًا لإحصاء حجم الدمار في سوريا، تمهيدًا للبدء بعملية إعادة إعمار المنازل المهدمة بسبب قصف النظام السوري السابق وحلفائه.

وقال وزير الإدارة المحلية والبيئة، محمد مسلم، في 2 من كانون الثاني الماضي، إنه جرى تسجيل حجم دمار هائل في جميع المحافظات السورية، سواء في المدن أو القرى والأرياف، من خلال المسح الجوي الأولي لعدد من المناطق المدمرة.

وأضاف مسلم لوكالة الأنباء السورية (سانا)، “ما زلنا في مرحلة الإحصاء لجميع القطاعات التي تحتاج لإعادة إعمار، علمًا أن النظام السابق لم يقم بأي عملية إحصاء دقيقة للمحافظات سابقًا”، موضحًا أن الوزارة ستعتمد فرقًا متخصصة محترفة بعمليات الإحصاء، وستضمها إلى ورشات عمل تطبيقية لتباشر الإحصاء الدقيق في المحافظات كافة لمختلف المرافق المتضررة التي تحتاج إلى إعادة إعمار.

وأكدت وزارة الإدارة المحلية عزمها تأسيس قاعدة بيانات واضحة عن حجم الدمار، ووضع خطط وأهداف تتناسب معها للمرحلة المقبلة، بغية توفير عودة آمنة للمهجرين.

ما مصدر التمويل؟

فيما يخص مصادر تمويل إعادة إعمار سوريا، أشار الباحث الاقتصادي سمير سعيفان، إلى أن المفاتيح الأولى لإعادة الإعمار تتعلق بتحقيق الاستقرار بسوريا ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، بجانب عودة العلاقات الدبلوماسية لطبيعتها مع دول الإقليم والعالم.

وأضاف، “بعد ذلك ستكون مصادر تمويل إعادة الإعمار متعددة، بعضها قد يأتي بشكل مساعدات سواء من دول صديقة أو على شكل منح، وهنا لا نتوقع أرقامًا كبيرة جدًا”.

ولفت إلى أنه يمكن أن تقترض سوريا من مؤسسات دولية، ولن تكون هناك قروض كبيرة جدًا، لأن القروض تحتاج إلى ضمانات.

حول التحركات الواجبة على الحكومة السورية في سياق تأمين أموال لإعادة الإعمار، يرى الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، أن التعاون مع حلفاء سوريا كتركيا وقطر والسعودية وألمانيا بتنفيذ استثمارات مباشرة ومحددة في البنية التحتية والطاقة مقابل عقود طويلة الأمد، يمكن أن يساعد في ذلك.

ويمكن أيضًا، وفق حديث قومان ل، الابتعاد عن أوروبا والتوجه شرقًا نحو الصين واليابان وكوريا والهند، والعمل معها ضمن مسارات ورؤى خاصة بها مثل “الحزام والطريق” وما شابه.

قد تستثمر الصين في مواني سوريا أو شبكات النقل، ويبقى خيار التفاوض غير المباشر مع الغرب مفتوحًا دومًا من خلال وسطاء، فيمكن أن تسعى الحكومة لتخفيف العقوبات مقابل تنازلات سياسية أو ضمانات بشأن استقرار المنطقة.

 

المشكلة أن الحاجة كبيرة، وقد لا تكفي موارد الدولة الداخلية من ضرائب وسياحة وموارد طبيعية وعقارات وغيرها في سد الاحتياج المحلي الكبير لإعادة الإعمار.

مناف قومان

باحث اقتصادي

الأستاذ والمحاضر في كلية “الاقتصاد” بجامعة “غازي عينتاب” التركية صلاح الدين الجاسم، قال ل، إن إعادة الإعمار ليست مجرد إعادة بناء مبانٍ ومنشآت، بل تتعلق بخلق بيئة اقتصادية مستدامة تضمن استقرار الخدمات العامة على المدى الطويل.

البنية التحتية الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق والجسور هي العمود الفقري لأي عملية تنموية، لأنها تتيح تشغيل المستشفيات والمدارس وتساعد في إعادة دوران عجلة الاقتصاد، ما يؤدي لاحقًا إلى توفير موارد مالية كافية لدعم التعليم والصحة بشكل مستدام، بحسب حديث الجاسم.

ويتفق الجاسم مع الباحث مناف قومان، بأنه يمكن للحكومة التحرك عبر مسارات متعددة، منها تعزيز الشراكات مع الدول الصديقة والمؤسسات المالية غير الغربية، مثل البنوك والصناديق الاستثمارية في آسيا والخليج، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر عبر تقديم حوافز وضمانات قانونية للمستثمرين.

كما يمكن للحكومة البحث عن حلول تمويلية مبتكرة، مثل إصدار سندات تنموية خاصة بإعادة الإعمار، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ مشاريع استراتيجية دون الاعتماد الكامل على التمويل الحكومي.

الأولوية للكهرباء

وضع تراتبية للقطاعات الحيوية المختلفة هو محور جدل كبير في استراتيجيات إعادة الإعمار، ولكن يمكن القول إن من الضروري تبني نهج متوازن يراعي الاحتياجات الأساسية للسكان، وفي الوقت نفسه يعيد تحريك عجلة الاقتصاد، بحسب ما يرى الأستاذ في الاقتصاد صلاح الدين الجاسم.

في هذا السياق، تأتي البنية التحتية الأساسية (الكهرباء، المياه، الطرق، الجسور) في مقدمة الأولويات، وفق الجاسم، تليها القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة التي توفر فرص عمل مباشرة وتدعم الأمن الغذائي والاقتصادي.

يلي ذلك القطاع السكني، حيث يجب وضع خطط لإعادة تأهيل المناطق المتضررة وفق سياسات إسكانية مستدامة، وأخيرًا، تأتي الخدمات العامة كالتعليم والصحة، التي تعد ضرورية لتمكين رأس المال البشري وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.

من جهته، يعتقد الباحث الاقتصادي مناف قومان، أن قطاعات الكهرباء والمياه والنقل يمكن أن تعطى الأولوية في البناء والإعمار بالمرحلة المقبلة، فدون طاقة ومياه نظيفة وشبكة طرقات لن يتاح لأي قطاع العمل، ولن يكون بوسع السكان المعيشة والعمل بالشكل المطلوب، ومن ثم دعم الكهرباء سيؤدي إلى دعم المستشفيات والمصانع ويحرّك العجلة الإنتاجية.

ثاني قطاع يجب أن تشمله عملية إعادة الإعمار الصحة والتعليم، والمستشفيات والمدارس، بحسب قومان، معتبرًا أن هذين القطاعين لهما أولوية كبيرة لضمان استقرار السكان، ومنع تفشي الأمراض، وضمان عودة الأطفال للمدارس، واستقرار المجتمع على المدى الطويل، وتوفير فرص للأجيال الجديدة.

ثالث القطاعات، برأي مناف قومان، يمكن أن يتم العمل على استعادة الأراضي الزراعية وتشغيل المصانع لتوفير فرص عمل، أما الإسكان فيمكن تأجيل عودة اللاجئين من الخارج لحين إعمار البلدات والقرى التي تعرضت لدمار واسع وتأمين مساكن ملائمة، وبناء مساكن مؤقتة للنازحين في المخيمات.

الإسكان خارج القدرة الحكومية

جراء سنوات الحرب، يعاني الكثير من السوريين من فقدان منازلهم وممتلكاتهم، لذلك فهم ينظرون إلى إعادة الإعمار من منظور فردي، حيث تصبح الحاجة إلى السكن أولوية قصوى بالنسبة لهم، كما أن معظم المواطنين لا يدركون أن إعادة الإعمار هي عملية اقتصادية شاملة تشمل البنية التحتية، والقطاعات الإنتاجية، والخدمات العامة، وليس فقط إعادة بناء المنازل، لذلك غالبًا ما يكون هناك تصور مغلوط لدى كثير من السوريين بأن أموال إعادة الإعمار ستركز على ترميم منازلهم المتضررة.

وأضاف المحاضر المختص بالاقتصاد صلاح الدين الجاسم، أنه من هذا المنطلق يجب على الحكومة لعب دور توعوي واضح في هذا السياق، فينبغي لها أن تضع سياسات إسكانية مرنة، تشمل قروضًا ميسرة وبرامج تمويل مدعومة لإعادة تأهيل المساكن الخاصة، إلى جانب توفير بدائل سكنية منظمة.

 

يمكن للحكومة التعاون مع الجهات المانحة لتوجيه بعض المساعدات لإعادة تأهيل المجتمعات السكنية الأكثر تضررًا، ولكن ضمن إطار شامل لا يتعارض مع أولويات إعادة الإعمار الوطنية، كما أن الشفافية في إدارة التمويل وإشراك المواطنين في فهم آليات صرف هذه الأموال سيساهمان في بناء الثقة ودعم استقرار المرحلة المقبلة من التعافي الاقتصادي في سوريا.

صلاح الدين الجاسم

أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “غازي عينتاب”

 

لن تستطيع المنظمات الدولية والحكومة من بعدها في المرحلة المقبلة مساعدة من تضررت منازلهم بسبب القصف والحرب خلال 14 عامًا الماضية، بحكم الأولوية لقطاعات البنى التحتية المتهالكة بشدة.

الباحث الاقتصادي مناف قومان، أكد أن المساعدات الدولية عادة ما تقدم لمشاريع كبرى وتعطى لبرامج حكومية بالدرجة الأولى، وربما دور الحكومة قد يتمثل في إنشاء برامج لتوزيع مساعدات على الأسر الأكثر تضررًا أو توفير قروض ميسرة لإعادة البناء، ويمكن تأمين مواد البناء بأسعار مدعومة من الحكومة للسكان.

 

إعادة الإعمار تختلف عن المساعدات الإغاثية التي كانت توزع في دول الجوار، التعامل في إعادة الإعمار يكون مع الحكومة، والأخيرة هي من تقرر آليات الصرف.

مناف قومان

باحث اقتصادي

 

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *