تشهد منطقة الشرق الأوسط توتراً متصاعداً مع اندلاع مواجهات عسكرية بين إيران وإسرائيل، وسط ترقّب من كافة الأطراف الإقليمية والدولية، وفي هذا المشهد المشتعل، يبرز غياب واضح لتحرك الفصائل العراقية الموالية لإيران، والتي طالما لعبت دوراً مباشراً في دعم طهران خلال أزمات سابقة، سواء عبر استهداف المصالح الأمريكية أو عبر تصعيدات رمزية في المنطقة.
فما أسباب هذا الغياب؟ وهل هو قرار استراتيجي أم مؤقت؟ وما موقف الحكومة العراقية الرسمية، وأين تتقاطع إرادة الدولة مع إرادة الجماعات المسلحة؟
موقف الحكومة العراقية حياد رسمي وسط ضغوط متبادلة
تبنّت الحكومة العراقية موقف الحياد الحذر، رافضة الزج بالبلاد في أي حرب خارجية لا تخدم المصلحة الوطنية، فقد أكدت بغداد في أكثر من بيان أن العراق “ليس ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية”، وقدّمت شكوى رسمية لمجلس الأمن بعد استخدام إسرائيل للمجال الجوي العراقي في عمليتها ضد إيران، مطالبة إيران بدورها بعدم استخدام الأراضي العراقية لردود عسكرية قد تستفزّ الولايات المتحدة.
في السياق ذاته، أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اتصالات مكثفة مع قادة إقليميين (منهم الرئيس الإيراني والرئيس التركي)، محذراً من خطورة اتساع رقعة الحرب إلى داخل العراق، ومؤكداً على دور العراق في التهدئة الدبلوماسية.
موقف الفصائل المسلحة.. صمت تكتيكي أم تراجع استراتيجي؟
الفصائل العراقية الموالية لإيران وعلى رأسها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء لم تتحرك عملياً حتى الآن، وقد اكتفت بإصدار بيانات إعلامية تدعم طهران وتهاجم واشنطن، لكنها لم تنفذ أي عمليات عسكرية، سواء ضد القواعد الأمريكية أو ضد أهداف إسرائيلية.
وحذّرت كتائب حزب الله في بيانها الأخير من أنها سترد على أي تدخل أمريكي، لكنها لم تبدأ بالتصعيد، مما يعكس توجهاً عاماً لتفادي التصعيد المباشر، وتؤكد مصادر أمنية أن هذه الفصائل “تترقّب” ولا تتحرك إلا إذا فُرض عليها ذلك.
ويُرجع المحلل السياسي العراقي حسين السبعاوي، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز، هذا الغياب إلى متغيرات هيكلية في العلاقة بين هذه الفصائل والولايات المتحدة، حيث يرى أن: “المعادلة تغيرت منذ مجيء ترامب وليس اليوم. الفصائل باتت تعلم أن أي تحرك سيجلب رداً أمريكياً مباشراً، كما أن سقوط النظام السوري أفقدها الكثير من العمق الاستراتيجي الذي كانت تتحرك عبره. الفصائل اليوم مهددة أكثر من أي وقت مضى.”
ويرى السبعاوي أن إيران لا ترغب حالياً في إشعال جبهة العراق، خاصة أن الرد الذي شنته ضد إسرائيل تم عبر صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة دون الحاجة إلى دعم بري من أذرعها.
الولايات المتحدة وسيناريو التوريط
بحسب تقارير ميدانية، فإن أمريكا أعطت ضوءاً أخضر لسوريا للتعامل مع أي تسلل أو تقدم للفصائل العراقية باتجاه الجولان، وهي خطوة وصفها السبعاوي بأنها تنمّ عن تكتيك أمريكي معروف.
ويقول: “الولايات المتحدة كثيراً ما تدعم قوات على الأرض لتحقيق أهدافها، لكنها لا تزج بقواتها البرية. هي تسعى لتوريط سوريا بمواجهة مع فصائل العراق، لتُبقي نفسها في الخلف عبر الغطاء الجوي فقط. وعندما تنتهي المعركة تتنصل من أي التزام معها.”
هذا التكتيك يُبقي العراق وسوريا في مرمى الاستنزاف دون أي مكاسب حقيقية، كما أنه يمنح أمريكا وإسرائيل زمام المبادرة دون تكلفة بشرية.
هل ستتورط الفصائل وتورط العراق؟
السؤال الأبرز الآن، هل من المحتمل أن تنخرط الفصائل العراقية في المعركة وتفتح بذلك جبهة جديدة قد تجر العراق كله نحو صراع مباشر مع إسرائيل؟
السبعاوي يجيب بصراحة: “أمر هذه الفصائل ليس بيد الحكومة العراقية. بل بيد طهران، فإذا شعرت إيران بأنها تختنق عسكرياً، فمن غير المستبعد أن تطلب من أذرعها إشعال جبهات جديدة، وهنا العراق سيكون ضحية، لأن حكومته لا تملك السيطرة الفعلية على تلك الجماعات.”
هل تستطيع إيران خوض الحرب دون دعم من وكلائها؟
في المرحلة الحالية، يرى السبعاوي أن إيران قادرة على مواصلة الحرب طالما لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، فالحرب الجارية هي في الغالب صاروخية وجوية لا تتطلب قوات برية أو أذرع ميدانية.
ويقول: “إيران تملك ترسانة صاروخية بعيدة المدى أثبتت خلال الأيام الماضية قدرتها على تجاوز القبة الحديدية. لكن إن دخلت أمريكا الحرب بشكل مباشر، فحينها لا مفر من تحريك الحلفاء في العراق ولبنان واليمن لتخفيف الضغط.”
لكن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر، خاصة أن أمريكا ستعتبر أي تحرك للفصائل تهديداً مباشراً، ما قد يبرر لها ضربات ساحقة، بل ربما حتى داخل الأراضي العراقية.
صراع معقّد بين المصالح والسيادة
بين حكومة عراقية تسعى للحياد، وفصائل ذات ولاء خارجي، وواقع إقليمي متفجّر، تبدو الساحة العراقية كأنها تقف على حافة هاوية، فالصمت الحالي من الفصائل لا يعني بالضرورة السلام، بل قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وما سيحسم الموقف بحسب الخبير العراقي هو: “طبيعة التدخل الأمريكي مستقبلاً، ومدى تصاعد الضغط العسكري على طهران، وقدرة الحكومة العراقية على ضبط حدودها وسيادتها”، لكن حتى ذلك الحين، تبقى بغداد عالقة بين نارين إما الحفاظ على حيادها، أو مواجهة تداعيات صراع لا تملك زمام قراره.
اقرأ أيضاً|| 4 سيناريوهات في حرب إيران وإسرائيل وقواعد اللعبة تتغير في الشرق الأوسط
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية