أي “مؤتمر وطني” يريده السوريون؟
جنى العيسى | حسن إبراهيم
أطل عام 2025 بحديث عن مؤتمر لحوار وطني مزمع عقده في سوريا، يشكل بوابة لرسم ملامح المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة توافقية، قبل انتخابات قد تكون بعد أربع سنوات، بعد أن طوى السوريون عام 2024 بسقوط نظام حكم آل الأسد، في حدث استثنائي لا تزال تداعياته حاضرة محليًا وإقليميًا ودوليًا.
وسط معلومات ضئيلة مقتضبة وتلميحات وتكهنات وتوقعات، لا تزال ماهية المؤتمر ضبابية في مناخ سوري يضم قوى عسكرية ومنظمات مجتمع مدني وخبراء مستقلين وأجسامًا وكتلًا سياسية وأحزابًا في الداخل والخارج.
يؤكد سياسيون وخبراء وقانونيون أهمية وجود مؤتمر لحوار وطني في المرحلة الحالية، ما يؤسس لأرضية حكم واضحة، لكن المخاوف موجودة نظرًا إلى غياب عدة نقاط في مقدمتها الشفافية، وعدم توفر المعلومات إلا من تسريبات هنا وهناك، ومخاوف من فرض أمر واقع على السوريين، وتفرد بالقرار، وخلق انتكاسة جديدة في حكم سوريا.
تستطلع في هذا الملف آراء خبراء حول شكل المؤتمر الذي ينتظره السوريون وأهم ما سينتج عنه لضمان عدم إدخال البلاد في حالة من الفوضى على مختلف الصعد، أبرزها الدستورية والسياسية.
1200 شخصية..
سقط نظام حكم آل الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، وفر بشار الأسد إلى روسيا، وجرى تكليف محمد البشير رئيسًا لحكومة تسيير أعمال مؤقتة حتى آذار 2025، وأجرت الحكومة إلى جانب “القيادة العامة” متمثلة بأحمد الشرع تعيينات في مفاصل إدارية وخدمية وسياسية، وتتجه الأنظار نحو مؤتمر حوار وطني جامع.
يعد الحوار الوطني أداة تحظى بشعبية متزايدة لحل النزاعات والتحول السياسي في بلد ما، ويمكنه توسيع نطاق النقاش حول مسار بلد ما إلى ما هو أبعد من صناع القرار النخبويين المعتادين، ويعد أداة لكسر الجمود السياسي وتحويل الصراعات المعقدة، وفق معهد “السلام الأمريكي” (USIP).
قبل أن يبدأ الحوار الوطني الحقيقي، يجب أن تضع مرحلة تحضيرية شاملة وشفافة وتشاورية الأساس والقرارات الأولية بشأن شكل وبنية الحوار، وخاصة من تتم دعوته للمشاركة.
الحديث عن مؤتمر وطني اليوم، كانت نواته حوارًا وطنيًا لا مؤتمرًا وطنيًا، وبدأ بشكل غير رسمي، عبر الإعلامي موسى العمر، بعد لقائه قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، إذ ذكر اعتزامه إطلاق حوار وطني جامع من 1200 شخصية.
وقال العمر، إن الشخصيات من بياض البلد ورجالها ونسائها من مختلف المشارب والطوائف والأحزاب والقوميات والكفاءات العلمية والأكاديمية والعلماء ورجال الأعمال، ومن جميع المحافظات، ستجتمع لإقرار عدد من القرارات المصيرية التي تهم الشعب السوري، لتكون جسرًا للإدارة الجديدة لقيادة الدولة وخدمة الشعب.
من جهته، تحدث أحمد الشرع عن مؤتمر لحوار وطني، وقال إنه سيشهد مشاركة واسعة من أطياف المجتمع السوري مع طرح قضايا للتصويت مثل حل البرلمان والدستور.
وأضاف الشرع أن المؤتمر سيتضمن مجموعة قرارات سيشارك باتخاذها جميع الحاضرين، إذ سيجري ضمنه شرح كل المعطيات في القضية السورية، ثم سيترك القرار للمشاركين الذين سيصوتون على القضايا المهمة والحساسة التي ستؤسس للمرحلة الانتقالية.
شدد الشرع على أن “مؤتمر الحوار الوطني” سيكون جامعًا وشاملًا لعدد كبير من مكونات الشعب السوري، معتبرًا أن المحاصصة ستدمر سوريا، بينما إذا تم بناء الوطن على مبدأ التشاركية والكفاءات بالاستناد إلى قانون مؤسس بطريقة صحيحة، فالنتائج ستكون إيجابية، لافتًا إلى أن الإعلان عن حل “هيئة تحرير الشام” سيكون خلال المؤتمر.
وزير الخارجية في حكومة دمشق، أسعد الشيباني، اعتبر أن ما يجري هو بداية العمل على مؤتمر الحوار الوطني، لافتًا إلى وجود دعوات وفرق تعمل على التحضير للمؤتمر، وتتواصل مع جميع الأطراف.
ويعتقد الشيباني أن يومين لا يكفيان لمؤتمر من هذا النوع، معتبرًا أن الفكرة بحد ذاتها جديدة على الشعب السوري، وأنه من 100 سنة لم يحصل مثل هذا الحوار الشفاف والهادئ الذي يضم جميع شرائح المجتمع السوري، وفق تصريحات صحفية له.
مصدر في حكومة دمشق المؤقتة (غير مخوّل له بالتصريح) قال ل، إن الحديث عن المؤتمر الوطني مبكر جدًا، حرّكته وسائل إعلام دون مصادر دقيقة، بالاستناد إلى تصريحات أولية صدرت عن قائد الإدارة السورية، أحمد الشرع، ووزير الخارجية، أسعد الشيباني.
وأضاف أنه لا تتوفر معطيات حاليًا عن وجود مؤتمر وطني في سوريا، إذ يحتاج إلى تحضيرات طويلة.
حوارات وطنية منذ 200 عام
عُقدت الحوارات الوطنية طوال التاريخ الحديث وفي جميع أنحاء العالم، وتحت أسماء وسياقات مختلفة وفي قارات مختلفة على مدار الـ200 عام الماضية، ومن الأمثلة:
- وضع الدستور الأمريكي في عام 1787 كان بمثابة شكل من أشكال الحوار الوطني، لأنه شمل ممثلين عن جميع الدول في مفاوضات حول الاتجاه المستقبلي للبلاد.
- في بولندا أقيمت أولى جولات مفاوضات الحوار الوطني تحت مسمى “الطاولة المستديرة” (1988-1989).
- في بينين، سعى المؤتمر الوطني لعام 1990 إلى تخفيف الضغوط الناتجة عن الأزمة الاقتصادية العميقة والتآكل الموازي للشرعية السياسية.
- نظمت الجابون مؤتمر الحوار الوطني الخاص (1990)، تلتها جمهورية الكونغو برازافيل (1991)، وتوغو (1991)، ومالي (1991)، والنيجر (1991).
- على مدى السنوات الـ20 الماضية، استمرت الحوارات الوطنية في تيسير عمليات صنع السلام، والإصلاحات السياسية، أو عمليات وضع الدستور في جميع أنحاء العالم من الصومال (2000، 2002-2004)، وأفغانستان (2002، 2003-2004)، ونيبال (2008-2012)، إلى مصر (2011)، واليمن (2013-2014)، وتونس (2013-2014).
وتوصلت أغلب هذه الحوارات الوطنية إلى اتفاقيات، إلا أنه لم يتم تنفيذ سوى نصف هذه الاتفاقيات، وكثيرًا ما استخدمت النخب الوطنية الحوارات الوطنية أداة لكسب أو استعادة الشرعية السياسية، وهو ما حدّ من قدرتها على إحداث التغيير التحويلي.
منذ سقوط النظام تعيش كيانات المعارضة الرسمية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة و هيئة التفاوض السورية) حالة تخبط وفوضى واضحة، إذ لم يرحب قائد الإدارة السورية، أحمد الشرع، بشكل صريح بوجود هذه الكيانات في المؤتمر الوطني أو مستقبل سوريا، لأن مبررات خلق هذه الكيانات لم تعد موجودة اليوم.
فيما رحب الشرع بالأشخاص الذين يديرون هذه الكيانات كأفراد، الأمر الذي لم يرضِ هؤلاء المسؤولين بحسب ما يبدو لمن يتابع تصريحاتهم الإعلامية، إذ لم يلتقِ أي من أعضاء “الائتلاف” بالشرع حتى الآن، على عكس القوات العسكرية التي كانت تحسب عليه أو تنافسه، والتي أعلنت جاهزيتها لحل نفسها للانضمام إلى الجيش السوري.
بالمقابل، ظهرت فئة قليلة من أعضاء “الائتلاف” السابقين تتفق مع غياب الحاجة لوجود كيانات معارضة بعد رحيل النظام، ما دفعها لتقديم استقالتها من “الائتلاف” دون أن يعلن أي من المستقيلين رغبته الحقيقية في العمل السياسي مستقبلًا بشكل فردي.
للحديث عن موقف “الائتلاف” ودوره في المؤتمر الوطني المرتقب، تواصلت مع عدة شخصيات مسؤولة ومع مدير المكتب الإعلامي لـ”الائتلاف”، إلا إنها لم تلقَ أي رد حتى ساعة تحرير هذا الملف.
السياسي السوري يحيى مكتبي، وهو أحد المستقيلين من “الائتلاف”، قال ل، “إننا اليوم أمام مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عن المرحلة السابقة التي كانت لها حيثيات وظروف مختلفة ومعقدة ومتشابكة”.
اليوم بعد الانتهاء من نظام الأسد وفتح صفحات جديدة نحن أمام شكل مختلف، بحسب ما يرى مكتبي، إذ تحتاج المرحلة المقبلة إلى الدفع نحو تشكيل أحزاب سياسية تكون العمدة في انطلاق الحياة السياسية بشكلها الطبيعي وبالتالي التهيئة للانتخابات بناء على وجود تلك الأحزاب.
وأضاف السياسي يحيى مكتبي أن كل شخص من أعضاء “الائتلاف” له وجهة نظر خاصة به ودوافع عديدة، وبناء عليها تقدم بعضهم باستقالتهم، دون أن يؤكد أن هذه الاستقالات جاءت وفق رغبة بالمشاركة بالمستقبل السياسي كأفراد لا ككيانات.
وفق معهد “السلام الأمريكي” (USIP)، لا يوجد نموذج واحد لحوار وطني يناسب جميع البلدان، لكن يفترض أن تكون للحوارات الوطنية احتمالات أعلى للنجاح، إذا تضمنت سبعة مبادئ وهي:
- الإدماج: ينبغي دعوة جميع مجموعات المصالح الرئيسة للمشاركة، بمن في ذلك النساء والشباب وغيرهما من المجموعات المستبعدة تقليديًا.
- الشفافية: يجب أن تتم هذه الاستعدادات بعناية وشفافية من قبل لجنة تحضيرية تضم جميع المجموعات الرئيسة المشاركة.
- المشاركة العامة: الحوار الذي يضم كل جماعات المصالح الرئيسة قد يفقد شرعيته إذا لم تُتح للجمهور فرص كافية للبقاء على اطلاع على الحوار والمشاركة فيه. وبعيدًا عن الموجودين في القاعة، ينبغي للحوار الوطني أن يشتمل أيضًا على آليات لإشراك السكان على نطاق أوسع، من خلال ربط عمليات الحوار المحلية بالحوار الوطني، فضلًا عن المشاورات العامة، والتواصل المنتظم، والتغطية الإعلامية.
- أجندة بعيدة المدى: يتطلب الحوار وجود أجندة تتناول الأسباب الجذرية للصراع، والسعي إلى التوصل لاتفاق بشأن القضايا الرئيسة التي تواجه البلاد، والتي قد تشمل أي عدد من الموضوعات المؤججة للصراع مثل الهوية الوطنية، ودور الدين في الحكومة، والحقوق السياسية، والحريات الأساسية، والإصلاح المؤسسي، وإجراءات الانتخابات، وبنية الحكومة.
كما ينبغي لأجندة الحوار الوطني أن توفر حوارًا موضوعيًا حول المظالم الرئيسة لجميع جماعات المصالح الرئيسة، لكن لا ينبغي أن تغرق في التفاصيل.
- جهة موثوقة: يعد وجود جهة موثوقة لعقد الحوار أمرًا بالغ الأهمية لضمان مشاركة مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة وتجنب تصورات التحيز. وقد تتخذ هذه الجهة شكل شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص أو منظمة أو ائتلاف من المنظمات. كما ينبغي أن تحظى الجهة المنظمة باحترام غالبية المواطنين، ولا ينبغي أن يكون لديها أي تطلعات أو أهداف سياسية من شأنها أن تشكل تضاربًا واضحًا في المصالح.
- قواعد إجراءات مناسبة وواضحة: لا بد للحوار الوطني أن يقام خارج المؤسسات الحكومية القائمة، لأن الحكومة القائمة والمؤسسات القائمة عاجزة عن حل القضايا الرئيسة المطروحة، إما لأنها لا تتمتع بالشرعية أو المصداقية، أو لأنها غير راغبة في تحدي الوضع الراهن.
ويجب وضع مجموعة خاصة من الإجراءات والقواعد التي تحكم اتخاذ القرارات، والتي لا بد أن تتسم بالشفافية وأن تكون مصممة بعناية لتلائم تكوين المجموعة وطبيعة القضايا المطروحة.
- خطة تنفيذ: يجب أن يتضمن الحوار خطة متفقًا عليها لضمان تنفيذ التوصيات الناتجة من خلال دستور أو قانون أو سياسة جديدة أو برامج أخرى، ولأن الحوارات الوطنية تجري في إطار عملية انتقالية أوسع نطاقًا، فإنها غالبًا ما ترتبط رسميًا أو غير رسمي بالعدالة الانتقالية، وصنع الدستور، والانتخابات.
وفي حال غياب خطة تنفيذ واضحة، فإن الحوار الوطني يخاطر باستهلاك قدر كبير من الوقت والموارد دون أن يسفر عن أي نتائج ملموسة.
مخاطر
الحوار الوطني يستحق الاهتمام باعتباره أداة قادرة على تيسير التحول السياسي السلمي، لكنه ليس الحل السحري. فحتى في أكثر الحالات نجاحًا، لا يشكل سوى خطوة واحدة على الطريق الطويل والشاق لبناء مجتمع سلمي، وفق معهد “السلام الأمريكي”.
وتستهلك هذه العمليات موارد هائلة وطاقة سياسية، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى إهمال الحكومة لمسؤوليتها الأساسية في الحكم وتقديم الخدمات، كما قد تنحرف الحوارات الوطنية عن مسارها أو تنتج توصيات لا يتم تنفيذها أبدًا.
ورغم أهمية الحوار الوطني، هناك خطر يتمثل في إمكانية إساءة استخدام الحوارات الوطنية عمدًا، والتلاعب بها من قبل القادة الذين يسعون إلى تعزيز قبضتهم على السلطة.
واستُخدم مصطلح الحوار الوطني أيضًا للإشارة إلى العمليات التي تشكل نقيضًا للتحول السياسي والسلام، إذ استُخدمت هذه المصطلحات لتعطيل العمليات الديمقراطية وتأجيل الانتخابات، وتعزيز جهود النخب السياسية الرامية إلى الحفاظ على الوضع الراهن، وتخفيف مظالم المواطنين، دون أي نية حقيقية للتصرف إزاء المخاوف التي أعربوا عنها، وفق المعهد.
كما في معظم الموضوعات التي تقرر مصير الشعوب، لا يتفق السوريون على اختلاف تخصصاتهم وخلفياتهم على شكل واحد للمؤتمر الوطني، فيما يتفق الخبراء على عدة معايير واجبة تضمن عدم إغراق البلاد في الفوضى.
ربما يجعل تعقيد الحالة السورية تحديد شكل وطبيعة المؤتمر أصعب، كما أن أولويات المخرجات تتصارع في ظل وجود ملفات ملحّة ينبغي البت فيها أهمها العدالة الانتقالية، والدستور، وتعيين الحكومة الانتقالية وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل غياب الأحزاب السياسية التمثيلية لمختلف مكونات الشعب.
بناء المؤسسات ثم المؤتمر
الخبير الاستراتيجي والباحث في شؤون الحوكمة الدكتور باسم حتاحت، قال ل، إن المهام المقبلة تقع على مسؤولية المؤسسات السورية، معتبرًا أن النظام السابق حوّل سوريا من دولة مؤسسات إلى دولة فروع مخابرات، ما يفرض الحاجة القصوى حاليًا للعمل على إعادة تأهيل هذه المؤسسات لتشارك بهذا المؤتمر الوطني الذي سيحمل مشروع سوريا المقبل.
وأوضح حتاحت أن المؤسسات المقصود إعادة تأهيلها حوكميًا، هي مؤسسات المجتمع المدني السوري الذي يتألف من نقابات واتحادات وهيئات ومنظمات رائدة قديمة قدم الدولة السورية.
عندما تشارك هذه المؤسسات الناظمة في الدولة بالمؤتمر الوطني سيكون مؤتمرًا وطنيًا نوعيًا بسبب تنوع المشاركة بين أصول المجتمع المدني السوري.
الدكتور باسم حتاحت
لذلك المطلوب حاليًا من حكومة دمشق المؤقتة إعادة تأهيل المجتمع المدني، ثم الدفع للانخراط في بناء الدولة الحديثة التي ستبنى في إطار دولة المؤسسات، بحسب حتاحت.
ويرى حتاحت أن أهم ما سيكون ضمن المؤتمر ليس مخرجاته، بل الموضوعات التي سيناقشها، مقترحًا أن يبنى مشروع تجري مناقشته هو “مشروع الدولة السورية الحديثة” ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
يمثل القسم الأول من المشروع بناء البنية التحتية الإدارية للدولة، والقسم الثاني إعادة البنية التحتية لكوادر الدولة، ثم ثالثًا إعادة تفعيل برامج الدولة الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية والمجتمع المدني والسياسي، وغيرها من القضايا.
غموض.. مشهد معقد
أستاذة العلوم السياسية في جامعة “لانكستر”، الدكتورة رهف الدغلي، تعتقد أن من المهم بداية شرح غاية هذا المؤتمر المنعقد بشكل واضح، وهل سيكون للحوار على شكل الدولة المستقبلي أو لوضع الخطوات والرؤية للتمثيل الحالي في حكومة تصريف الأعمال أم لمناقشة خطوات الانتقال لحكومة انتقالية بعد انتهاء مدة الثلاثة أشهر لحكومة تصريف الأعمال.
وقالت الدغلي، في حديث إلى، إنه لا بد من وجود إيضاح أو تواصل شفاف لفهم ما هي الغاية المرجوة من هذا المؤتمر.
باعتقادي من المهم تسليط الضوء على أن انعقاد مؤتمر وطني بعد انتهاء الحرب له رمزية مهمة في عملية الانتقال السياسي وبناء سردية لهوية وطنية تعكس تطلعات الشعب السوري بمكوناته كافة.
الدكتورة رهف الدغلي
وترى الدغلي أن المؤتمر الذي تجري المحادثات بشأن انعقاده قد لا يجيب عن جميع هذه الأسئلة، ولا يمكن أن يكون كذلك لتعقيدات المشهد السياسي والإقليمي.
وتعتقد الدغلي أنه لا يمكن عقد مؤتمر وطني والمشهد العسكري لا يزال غير منضبط في ظل دعوات لحل الفصائل والدمج، فخطوات هذه الفصائل ليست واضحة في حل نفسها وقبولها بتسليم السلاح، وهذا الكلام ينطبق على السلاح الموجود في السويداء والجنوب السوري وشمال شرقي سوريا، وليس فقط فصائل “الجيش الوطني” المدعومة تركيًا.
من المهم أن نكون دقيقين في تطلعاتنا لهذا المؤتمر ومسمياته، لذلك من الأفضل أن يطلق عليه اسم مؤتمر تحضيري، ومن الواجب أن يتضمن انتخاب لجنة تحضيرية تكون مسؤولة عن الدعوات لمؤتمر وطني بعد فترة تقارب ثلاثة أشهر، إذ من الخطأ تسمية المؤتمر المزمع عقده بأنه وطني، إذ يجب أن يسبقه تمهيد جيد وغايات واضحة قبل عقده، وهذه العناصر كلها غير موجودة، وفق الدكتورة رهف الدغلي.
ممثل لكل جهة
الدبلوماسي السابق وكبير الزملاء في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، داني البعاج، قال إن تحديد ما يجب أن يخرج عن هذا المؤتمر من مقررات يفرض قضية الدعوات والأشخاص التي يجب أن تكون حاضرة فيه.
وأوضح البعاج، في حديث إلى، أنه في حال كان هدف المؤتمر إطلاق أو إدارة المرحلة الانتقالية يفترض حضور ممثلين عن التكنوقراط بالإضافة إلى ممثلين عن جميع القوى السياسية والمجتمعية السورية التي تستطيع أن تكون حاملًا اجتماعيًا وسياسيًا لهذه المرحلة الانتقالية.
بينما في حال كان المؤتمر هدفه جمع السوريين بهدف حضور الجميع فقط، قد لا ينبثق عنه أي نتائج تذكر، وبحسب تجارب سابقة مثل أفغانستان مثلًا، قد تتمخض عن مثل هذا النوع من المؤتمرات لجان تنفيذية تدير العملية الانتقالية وصياغة الدستور وغيرها من القضايا، بحسب البعاج.
في الحالة السورية اليوم هناك مكسبان، الأول قدرتنا على منع التدخل الدولي، والثاني القدرة على القيام بعملية انتقالية سورية بحتة بملكية وإدارة سورية، لذا لا يجب تغييب أي طرف سياسي موجود على الأرض ولديه أثر عن هذا المؤتمر.
الدبلوماسي السابق داني البعاج
وأضاف الدبلوماسي أن من الأجدى وللتوصل إلى نتائج حقيقية أن يكون المؤتمر مصغرًا بتمثيل حقيقي للقوى المجتمعية والسياسية والأحزاب الناشئة، على أن يكون لكل جهة ممثل واحد فقط، وبالتالي يتراوح عدد الحضور في المؤتمر بين 150 و200 شخص، منهم كفاءات تكنوقراط مشهود لها بتاريخ طويل في الإطار الدستوري أو السياسي أو الإداري.
ويتفق البعاج على ضرورة أن يوجد ضمن المؤتمر تمثيل واسع للمرأة، فعلى الأقل يجب أن تكون ثلث الحاضرات من النساء.
ما نذهب إليه في الواقع هو مؤتمر واسع جدًا، بحسب ما يجري تناقله عبر وسائل الإعلام، وهذا يعني أن المؤتمر سيعقد ومنه ستنبثق لجان تنفيذية، ولجان مصغرة، ولجان صياغة تشرح كيف ستكون الأمور خلال الفترة الانتقالية، بحسب البعاج.
أربعة مخرجات واجبة
من جهته، يرى الباحث السياسي ومدير الأبحاث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، أنه يجب النظر إلى المؤتمر الوطني المرتقب ليس فقط كاستحقاق سياسي، بل هو استحقاق سياسي قانوني دستوري وهو أيضًا أمني، لأن تبعات وتداعيات الفراغ أو عدم وجود التأطير الدستوري لسوريا الجديدة خطيرة. لذا يعد هذا المؤتمر حاجة وطنية وعلى سلم أجندة المرحلة المقبلة.
وأكد طلاع في حديث إلى، أن الدعوة إلى هذا المؤتمر ضرورة لتأطير هذه القضايا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية واتخاذ إجراءات أكثر حزمًا في قضية الضبط الأمني للبلاد.
من حيث المعايير الفنية للدعوات، يجب أن يكون المؤتمر معبرًا عن النسيج الاجتماعي السوري، وهنا يوجد معياران لذلك، الأول المعيار الجغرافي والإثني، والثاني معيار الهيئات والتشكيلات السياسية المعبرة عن هذه المناطق.
ويرى معن طلاع أن وضوح أجندة المؤتمر لن يفرز تغييرات كبيرة، لكن يمكن اعتبار ذلك نقطة بداية في مسيرة نقاش مستمرة وتحتاج إلى توفر بيئة ليكون نقاشًا سليمًا وصحيًا.
سيبقى موضوع المؤتمر الوطني المقرر عقده محل نقد مستمر، لأنه توجد أطر نظامية لتشكيل حوار كهذا، لا يبدو أنها موجودة اليوم، على رأسها يفترض وجود لجنة تأسيسية تقوم بوضع معايير حضور هذا الحوار وغيره.
الباحث السياسي معن طلاع
يجب أن تخرج عن هذا المؤتمر وفق ما يرى طلاع أربع قضايا رئيسة، أولاها تعديلات دستورية أو إعلان دستوري مؤقت، يمنح السلطة القائمة بعض الصلاحيات الدستورية التي تؤطر الملفات القانونية والقضائية.
كما يمكن إعلان حل حزب “البعث” باعتباره الجهة الأكثر تسلطًا في الدولة وفك ارتباطها عنه، كما يمكن أن يدعو المؤتمر إلى لجان تأسيسية تناقش فيها قضايا عدة على رأسها البرنامج الوطني للمحاسبة والعدالة الانتقالية وسلسلة الإصلاح القانوني فيما يتعلق بقانون الأحزاب والانتخابات.
ويفترض أن تجري في المؤتمر الدعوة لاستمرار النقاش في وضع آليات ومعايير عمل الحكومة الانتقالية التي ستبدأ عملها بعد آذار 2025 وفق المعلن عنه.
لا شك أن الحوار الوطني ضرورة وخطوة ثانية، لكن المعطيات الحالية في سوريا لا تشكل بداية جيدة له، ويمكن وصف ما يحصل بأنه نكوص أو ارتداد أو تراجع سياسي، ولا توجد أي خارطة سياسية واضحة.
يوجد احتكار للتمثيل السياسي من قبل شخصيات “هيئة تحرير الشام”، التي تصر على دعوة الشخصيات الوطنية إلى مؤتمر الحوار كأفراد، وليس ككتل سياسية أو حزبية أو قوى مجتمع مدني، وبذلك تسلب قوى حقيقية وطنية من المشاركة على شكل كتل سياسية، وبالتالي تجردها من وزنها وزخمها.
الاستمرار على هذه الحالة سيحول دون السماح للكتل السياسية بالدخول والمشاركة ككيانات، ويجعل قسمًا كبيرًا من الشعب السوري يتحصن خلف طوائفه وأجسامه الدينية ومجتمعاته العشائرية، ويحتمي بصيغ ما قبل الدولة.
نحن أمام استحقاق وطني كبير لا يمكن تنفيذه بهذه الطريقة، ولا يمكن فرضه على السوريين، المؤتمر ليس فقط لشرعنة التحول الديمقراطي السوري، فالتحول حصل ونظام الأسد سقط، لكن يبدو أنه شرعنة لسيطرة “تحرير الشام” على السلطة اليوم، ومحاولة لفرض سلطة أمر واقع في سوريا.
المرحلة الحالية أصعب مما مضى، ولا بد من الشفافية، وتعيين أسماء بالعلن سواء للجنة التحضيرية، وغيرها من الهيئات والتعيينات السياسية، فهناك قسم كبير ممن عينهم أحمد الشرع غير ملتزمين بالديمقراطية، ونحن أمام استحقاق وطني تنعدم فيه الشفافية، ولا معلومات فيه، في محاولة لفرض شيء ما على السوريين.
حاليًا، توجد عدة مشكلات، منها أن “تحرير الشام” بدأت بإقرار نقاط سيادية أكبر من دور حكومة انتقالية، دون العودة للشارع السوري، وتحاول استخدام مؤتمر الحوار الوطني لتفرض على الشعب السوري نوعًا من التفويض لها.
فكرة جمع ألف شخص في قاعة ليومين دون تحضير وإعداد أوراق وأفكار مسبقًا وطرحها ومناقشتها هي فوضى، وفي حال كان المؤتمر وطنيًا، ما إمكانية إشراك عدة أطياف ومكونات منها حزب “التحرير” الذي هو على خلاف مع “هيئة تحرير الشام”؟ وماذا عن مكونات من الطائفة العلوية التي تعرضت لبعض الانتهاكات مؤخرًا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي