إدارة بايدن تعرقل تقريراً دولياً يحذر من المجاعة في شمال غزة
سحبت منظمة رائدة تراقب أزمات الغذاء في جميع أنحاء العالم، تقريراً جديداً هذا الأسبوع يُحذّر من مجاعة وشيكة في شمال قطاع غزة، تحت ما وصفته بـ”حصار شبه كامل” تفرضه إسرائيل، بعد أن طلبت الولايات المتحدة التراجع عنه، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون لوكالة “أسوشيتد برس” الأميركية. ويأتي هذا التحرّك في أعقاب انتقادات علنية للتقرير من السفير الأميركي لدى إسرائيل.
وقالت “أسوشيتد برس”، الجمعة، إن هذا التحدي العلني النادر من جانب إدارة الرئيس جو بايدن لعمل “شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة” FEWS NET المموّلة من الولايات المتحدة، الذي يهدف إلى إظهار التحليل القائم على البيانات من قبل خبراء محايدين، أثار اتهامات من شخصيات في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان بـ”تدخل سياسي” أميركي محتمل.
وأشارت الوكالة، إلى أن الكشف عن حدوث مجاعة، سيمثل انتقاداً لحليف الولايات المتحدة الوثيق إسرائيل، التي تصر على أن حربها المستمرة منذ 15 شهراً على غزة، تستهدف حركة “حماس” الفلسطينية، وليست ضد سكان القطاع المدنيين.
تحذير “غير دقيق”
وكان السفير الأميركي لدى إسرائيل، جاكوب لو، وصف في وقت سابق هذا الأسبوع التحذير الذي أصدرته المجموعة المعترف بها دولياً، بأنه “غير دقيق وغير مسؤول”.
وقال السفير لو، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، التي تموّل مجموعة المراقبة، إن “الاستنتاجات لم تأخذ في الحسبان الظروف المتغيرة بشكل سريع في شمال غزة على نحو ملائم”.
ورفضت السفارة الأميركية في إسرائيل، ووزارة الخارجية الأميركية التعليق. وأكدت FEWS، الخميس، أنها سحبت تقريرها بشأن التحذير من المجاعة، وقالت إنها تتوقع إعادة إصدار التقرير في يناير المقبل، ببيانات وتحليلات محدثة. ورفضت المجموعة الإدلاء بمزيد من التعليقات.
وقال السفير لو، الثلاثاء “إننا نعمل ليل نهار مع الأمم المتحدة، وشركائنا الإسرائيليين لتلبية الاحتياجات الإنسانية، وهي احتياجات كبيرة، والاعتماد على بيانات غير دقيقة أمر غير مسؤول”.
من جانبها، أكدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لوكالة “أسوشيتد برس”، أنها طلبت من منظمة مراقبة المجاعة، سحب تحذيرها المشدد من مجاعة وشيكة، الذي صدر في تقرير، الاثنين.
وقالت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في بيان، إنها راجعت التقرير قبل أن يصبح علنياً، وأشارت إلى “تناقضات” في تقديرات عدد السكان وبعض البيانات الأخرى، مضيفة أنها طلبت من “شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة” معالجة هذه الشكوك، وأن تكون واضحة في تقريرها النهائي لتعكس كيف أثرت هذه الشكوك على توقعاتها للمجاعة.
وتابعت: “نُقل هذا الأمر قبل بيان السفير لو. وشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة لم تعالج أي من هذه الشواغل، ونشرت التقرير على الرغم من هذه التعليقات التقنية وطلب المشاركة الموضوعية قبل النشر. ولذلك فقد طلبت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سحب التقرير”.
تقييم حجم المجاعة
ووفقاً لـ”أسوشيتد برس”، يشير الخلاف بشكل جزئي إلى صعوبة تقييم حجم المجاعة في شمال غزة المعزول إلى حد كبير، حيث فر الآلاف خلال الأسابيع الأخيرة من حملة عسكرية إسرائيلية مكثفة، فيما تقول جماعات إغاثة إن إسرائيل سمحت بتسليم 12 شاحنة فقط من الغذاء والمياه منذ أكتوبر الماضي تقريباً.
وقالت “شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة” FEWS Net في تقريرها المسحوب، إنه ما لم تغير إسرائيل سياستها، فإنها تتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين يموتون من الجوع والأمراض المرتبطة به في شمال غزة إلى ما بين 2 و15 شخصاً يومياً خلال الفترة ما بين يناير ومارس.
والحد المعترف به دولياً للوفيات بسبب المجاعة، هو وفاة شخصين أو أكثر يومياً لكل 10 آلاف شخص.
وقال السفير الأميركي لو، إن التحذير من حدوث مجاعة يستند إلى بيانات “قديمة وغير دقيقة”. وأشار إلى الشكوك بشأن عدد الأشخاص الذين فروا من شمال غزة، والذين يتراوح عددهم بين 65 ألفاً و75 ألف شخص خلال الأسابيع الأخيرة، قائلاً إن هذا من شأنه أن يحرف النتائج.
وأضافت الشبكة في تقريرها، أن “تقييمها للمجاعة يظل قائماً حتى لو بقي 10 آلاف شخص فقط”.
وأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية “شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة” في الثمانينيات، وما زالت تموّلها. والهدف منها هو تقديم تقييمات مستقلة ومحايدة ومستندة إلى البيانات بشأن أزمات الجوع، بما في ذلك في مناطق الحرب. وتساعد استنتاجاتها في توجيه القرارات بشأن مساعدات الولايات المتحدة، والحكومات والوكالات الأخرى في جميع أنحاء العالم.
من جانبه، رحب متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، أورين مارمورستين، بالتحدي العلني الذي وجهه السفير الأميركي للتحذير من المجاعة. وقال مارمورستين على منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي: “شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة.. توقفوا عن نشر هذه الأكاذيب!”.
اعتبارات سياسية
في المقابل، قال سكوت بول، وهو أحد كبار المديرين في منظمة “أوكسفام”، إن السفير الأميركي في تحديه للنتائج بشكل علني “استغل سلطته السياسية لتقويض عمل هذه الوكالة المتخصصة”، لافتاً إلى أنه لم يكن يدلي برأيه حول دقة البيانات أو منهجية التقرير.
بدوره، قال كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” وأستاذ الشؤون الدولية بجامعة “برينستون”: “الهدف من إنشاء شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة، هو أن يقوم مجموعة من الخبراء بإجراء تقييمات بشأن مجاعة وشيكة، دون أن تشوبها اعتبارات سياسية”.
وأضاف: “بالتأكيد الأمر يبدو وكأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تسمح لاعتبارات سياسية، مثل قلق إدارة بايدن بشأن تمويل استراتيجية التجويع التي تنفذها إسرائيل، بالتدخل”.
واعتبر روث، أن “هذا الجدل بشأن عدد الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إلى الغذاء يبدو إلهاء سياسياً عن حقيقة، أن الحكومة الإسرائيلية تمنع دخول كل الطعام تقريباً”، مضيفاً أن “إدارة بايدن تبدو وكأنها تغض الطرف عن هذا الواقع، لكن وضع رأسها في الرمال لن يطعم أحداً”.
ولفتت “أسوشيتد برس”، إلى أن شمال غزة تشكل واحدة من أكثر المناطق تضرراً من القتال والقيود التي فرضتها إسرائيل على المساعدات طوال الحرب. وحذر مجموعات دولية لرصد المجاعات، ومسؤولو الأمم المتحدة والولايات المتحدة مراراً من الخطر الوشيك المتمثل في سوء التغذية والوفيات الناجمة عن المجاعة.
ويقول مسؤولون دوليون، إن إسرائيل زادت في الصيف الماضي من كمية المساعدات التي كانت تسمح لها بالدخول إلى هناك، تحت ضغط من الولايات المتحدة. وقالت الولايات المتحدة والأمم المتحدة إن سكان قطاع غزة ككل يحتاجون إلى ما بين 350 و500 شاحنة يومياً تنقل الغذاء، وغيره من الاحتياجات الضرورية.
ولكن الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة، تقول إن إسرائيل أوقفت مؤخراً كل المساعدات تقريباً عن ذلك الجزء من قطاع غزة. وفي وقت سابق من هذا الشهر دعت سيندي ماكين، رئيسة برنامج الأغفذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إلى ممارسة ضغوط سياسية من أجل تدفق الغذاء إلى الفلسطينيين هناك.