في تحرك جديد يعكس توجهات أكثر تشدداً تجاه الهجرة، بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتخاذ خطوات قانونية لإلغاء قوانين تسمح للطلاب المهاجرين غير الشرعيين، ممن نشأوا داخل الولايات المتحدة، الاستفادة من رسوم التعليم المُخفّضة الخاصة بسكان الولايات، وهي امتيازات لا يحصل عليها الطلاب المواطنون القادمون من ولايات أخرى، بحسب صحيفة “بوليتيكو”.

وذكرت الصحيفة أن وزارة العدل الأميركية قدمت منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، طعوناً قانونية ضد قوانين معمول بها في ولايات تكساس وكنتاكي ومينيسوتا، تتيح للطلاب غير الموثقين، وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة أو أقاموا فيها دون تصاريح قانونية، دفع رسوم دراسية مماثلة لتلك التي يدفعها سكان الولاية، وغالباً ما تكون هذه الرسوم أقل بنسبة تصل إلى النصف مقارنة بتلك المفروضة على الطلاب القادمين من خارج الولاية.

وأوضحت الصحيفة أن منح هذا الامتياز للطلاب غير الموثقين الذين دخلوا الولايات المتحدة في سن الطفولة كان يحظى في السابق بدعم واسع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد وقّع حاكم ولاية تكساس الجمهوري الأسبق، ريك بيري، القانون الذي أرسى هذا الامتياز، وتبعته 23 ولاية من كلا الحزبين، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا في اعتماد توجه مماثل، إلا أن هذا المزاج السياسي بدأ يشهد تحولاً، حيث أقدمت ولاية فلوريدا، في فبراير، على إلغاء قانونها الذي أقرته عام 2014 في هذا السياق.

ويبلغ عدد الطلاب غير الموثقين في الكليات الأميركية نحو 408 آلاف طالب، أي أقل من 2% من إجمالي عدد الطلاب الجامعيين، وتقول وزارة العدل إن “هذه القوانين تمنح ميزة غير عادلة للأجانب، وهي ميزة لا تتوفر للمواطنين الأميركيين أو المقيمين القانونيين في ولايات مجاورة”.

“الحد من الهجرة” 

وتعد هذه الهجمة القانونية، التي من المتوقع أن تتوسع لتشمل ولايات أخرى، مؤشراً واضحاً على مدى التزام إدارة ترمب بتنفيذ وعودها المتعلقة بالحد من الهجرة غير الشرعية، وتشجيع ما يُعرف بسياسة “الترحيل الذاتي”، بحسب الصحيفة.

ونقلت “بوليتيكو” عن حاكم ولاية كنتاكي، الديمقراطي آندي بشير، قوله إن “سياسات الرسوم الدراسية للطلاب غير الموثقين كانت يوماً ما خارج نطاق الخلاف السياسي”، مضيفاً: “كانت الفكرة أن هذه الدولة (الولايات المتحدة) هي الدولة الوحيدة التي يعرفونها، وغالباً سيقضون حياتهم فيه، لذا يجب أن نريد لهم أن يكونوا متعلمين ومنتجين”.

في المقابل، أعلن المدعي العام الجمهوري لولاية كنتاكي، راسل كولمان، دعمه لموقف إدارة ترمب هذا الصيف، داعياً مجلس التعليم العالي في الولاية إلى “سحب لوائحه بدلاً من خوض معركة قانونية خاسرة”، على حد تعبيره.

وكانت تكساس أول ولاية تستهدفها وزارة العدل بدعوى قضائية هذا العام، إذ أنهت الولاية سياستها بالتنسيق مع البيت الأبيض. 

وجاء ذلك بعد أن تقدّم المدعي العام كين باكستون بطلب مشترك مع وزارة العدل، أعلن فيه أن منح رسوم التعليم المخفضة للطلاب غير الموثقين داخل الولاية “غير دستوري”.

وكتب الحاكم الجمهوري لتكساس، جريج أبوت، على منصة “إكس” الشهر الماضي: “انتهى العمل بالرسوم الدراسية للمهاجرين غير الشرعيين في تكساس”. 

وتأتي هذه السياسات في وقتٍ تراجعت فيه معدلات الالتحاق بالكليات، وبالتالي الإيرادات الناتجة عن الرسوم الدراسية، بنسبة تقارب 15% بين عامي 2010 و2021، بحسب تقرير صادر عن “المركز الوطني للإحصاءات التعليمية”. 

كما تواجه العديد من الجامعات تحديات مالية إضافية، في ظل احتمال فرض وزارة الخارجية قيوداً على قبول الطلاب الدوليين إلى جانب الانخفاض العام في عدد خريجي المدارس الثانوية.

وتؤكد إدارة ترمب على أن “بعض الولايات سنّت قوانين تمنح الطلاب غير الموثقين امتيازات تفوق ما يحصل عليه المواطنون الأميركيون”. 

“محاربة التمييز”

وقالت وزيرة العدل بام بوندي في بيان لـ”بوليتيكو”: “بموجب القانون الفيدرالي، لا يمكن للجامعات تقديم مزايا للمهاجرين غير القانونيين، لا تقدمها للمواطنين الأميركيين”، مضيفة أن وزارة العدل “ستواصل محاربة هذا التمييز بلا هوادة لضمان عدم معاملة المواطنين كدرجة ثانية في أي مكان من البلاد”.

ويُذكر أن نحو 119 ألف طالب من هؤلاء مشمولون ببرنامج “الإجراء المؤجل للأطفال الوافدين” DACA الذي أقرته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وهو ما ساعدهم في الحصول على رسوم مخفضة لسنوات، بدعم من الحزبين، لكن العديد من الجمهوريين باتوا يعارضون هذه السياسات الآن. 

وقال النائب الجمهوري، راندي فاين، الذي قدّم مشروع قانون في ديسمبر، لإنهاء هذا الامتياز في ولاية فلوريدا، في مقابلة مع الصحيفة، إن “القوانين التي تطعن فيها إدارة ترمب تشكّل حافزاً للمهاجرين لعبور الحدود”.

وأضاف فاين:”من غير الأخلاقي منح رسوم محلية لشخص لا يجب أن يكون في أميركا من الأساس، فكروا في الأمر، طالب من جورجيا يريد الدراسة في جامعة بفلوريدا يدفع أكثر من مهاجر غير موثق، هذا غير عادل، ولهذا قمنا بتصحيح الوضع في فلوريدا، لقد حان وقت عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى ديارهم”. 

إلغاء القانون في فلوريدا 

وقد دخل قرار إلغاء القانون في فلوريدا حيّز التنفيذ في يوليو الجاري، ما أثار مخاوف من أن تفقد مؤسسات التعليم العالي في الولاية نحو 15 مليون دولار من الرسوم المحتملة؛ بسبب انخفاض عدد الملتحقين. 

وفي تكساس، حذّر ناشطون من أن أكثر من 461 مليون دولار سنوياً باتت مهددة بالخسارة، وقال مانويل جونزاليس، نائب رئيس مجلس أمناء كلية أوستن المجتمعية، التي رفعت دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية على خلفية الطعن ضد قانون الولاية: “ما أعلمه يقيناً هو أن عدداً كبيراً من الطلاب يعيشون في حالة من القلق، ليس فقط بشأن كيفية تحمّل تكاليف التعليم، بل أيضاً بشأن كيفية التعايش مع مناخ سياسي يزداد عدائية، وغالباً ما يشيطن وجودهم”.

ويخوض المركز الوطني لقانون الهجرة، بالتعاون مع منظمات أخرى من بينها اتحاد الحريات المدنية في تكساس ومجموعة Democracy Forward، معركة قانونية للدفاع عن قانون تكساس، مشككين في الإجراءات التي أدت إلى إلغائه. 

ولا تزال هذه السياسات سارية في أكثر من 20 ولاية، بما في ذلك كاليفورنيا ونيويورك وكنتاكي ومينيسوتا، رغم تزايد معارضة الجمهوريين لها.

طرح مشروع القانون  

وكان قد تم طرح مشروع قانون في مينيسوتا خلال الدورة التشريعية الماضية يهدف إلى منع “غير المواطنين غير الموثقين” من الاستفادة من برنامج North Star Promise، الذي يُعفي سكان الولاية الذين يقل دخل عائلاتهم عن 80 ألف دولار سنوياً من الرسوم الجامعية، ويستفيد نحو 500 طالب سنوياً في مينيسوتا من الرسوم الدراسية بموجب قانون Dream الخاص بالولاية.

وتستند الطعون القانونية الخاصة بإدارة ترمب إلى أمر تنفيذي أصدره الرئيس في أبريل الماضي، يوجه الوكالات الفيدرالية للتصدي للسياسات التي تفيد المهاجرين غير الشرعيين، ويصنّف قوانين الرسوم الدراسية داخل الولايات على أنها غير قانونية.

وكانت وزارة التعليم، قد أعلنت، الأربعاء، عن فتح خمسة تحقيقات جديدة في جامعات لويفيل، ونبراسكا أوماها، وميامي، وميشيجان، وغرب ميشيجان، متهمة إياها بالتمييز من خلال تقديم منح دراسية للطلاب غير الموثقين. 

ونقلت الصحيفة عن بريندن ستاينهاوزر، وهو مستشار سياسي من أوستن، سبق أن عمل مع بعض الجمهوريين في تكساس مثل السيناتور جون كورنين، والنائب دان كرينشو، قوله إن “هذه التحركات قد تُفقد ترمب بعض الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 2024، لا سيما من المستقلين والأميركيين من أصول لاتينية”.

 وأضاف: “لقد حقق ترمب نتائج ممتازة بين الناخبين من أصول لاتينية، خصوصاً في جنوب تكساس ومناطق أخرى، لكنه الآن لا يسعى لإعادة انتخابه، لذلك قد لا تهمه نسب التأييد”.

شاركها.