تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه لن يحاول إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قبل انتهاء ولايته في الربيع المقبل، لكن تحقيقاً جديداً تُجريه إدارة البيت الأبيض بشأن تكاليف مشروع تجديد مقر البنك المركزي، أعاد إشعال التكهنات بأنه ربما لا يزال يحاول الإطاحة به من منصبه، وفق “بوليتيكو” .

وقالت الصحيفة الأميركية إن تحقيقاً يقوده مدير مكتب الموازنة في البيت الأبيض، راس فوت، بشأن مشروع بقيمة 2.5 مليار دولار لتجديد مكاتب البنك المركزي في واشنطن، يمثل تصعيداً كبيراً في حملة الإدارة ضد باول.

وهاجم ترمب ومسؤولون كبار آخرون رئيس الاحتياطي الفيدرالي مراراً بسبب رفضه خفض أسعار الفائدة، لكن الهجوم الأخير، الذي يتضمن مزاعم بأن باول تحايل على الكونجرس في شهادته بشأن تجديد المقر، يُنظر إليه على نطاق واسع كخطوة تمهيدية من البيت الأبيض لخلق مبرر قانوني لعزل باول “لأسباب وجيهة”.

وقالت كارين بيترو، الشريكة المديرة في شركة التحليلات المالية الفيدرالية: “يبدو أنهم يحاولون بناء قضية قوية لسوء الإدارة وانتهاك بعض القواعد الفيدرالية”. وأضافت: “كل الاتهامات المتعلقة بالسياسة النقدية غير ذات صلة هنا، فالموضوع إداري بحت”.

تهديد قانوني مباشر

وأشارت المحكمة العليا سابقاً إلى أن الرئيس لا يمكنه إقالة مسؤولي البنك المركزي بشكل تعسفي، لكن التحقيق الذي تجريه إدارة ترمب في إشراف باول على مالية المؤسسة، (وليس قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية)، يضعه تحت تهديد قانوني مباشر، في الوقت نفسه الذي يطالب فيه ترمب بخفض أسعار الفائدة. 

ويؤكد الاحتياطي الفيدرالي بشدة على استقلاليته، ما يعني أن الهجوم الجديد على قيادة باول قد يضع البنك في مواجهة مباشرة مع رئيس يريد سلطة أكبر في تحديد تكاليف الاقتراض، وفق “بوليتيكو”.

ومن المرجح أن تتسبب أي محاولة لإقالة باول في اضطراب واسع بوول ستريت. وحذّر مشرعون من كلا الحزبين، بمن فيهم السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن المعارضة لباول، من أن استقلال الاحتياطي الفيدرالي عن الضغوط السياسية قصيرة المدى هو ما عزز من مكانة الولايات المتحدة المالية عالمياً. كما أن استخدام تكاليف تجديد المقر الرئيسي كذريعة لإقالة باول لن يكون كافياً لتهدئة الأسواق.

وقالت ريبيكا باترسون، الزميلة البارزة في مجلس العلاقات الخارجية: “إذا مضى الرئيس ترمب في هذا الأمر، وشعر أن لديه ما يكفي من المبررات لإقالة باول بسبب مشروع تجديد مقر المصرف المركزي، فسيكون ذلك أمراً بالغ الأهمية. إنه غير مسبوق، وسيجعل المستثمرين يتساءلون أكثر عن استقلال واحدة من أهم المؤسسات في العالم”.

ورغم أن ترمب كرر الجمعة، أنه لا يخطط لإقالة باول، إلا أنه واصل انتقاده له بسبب أسعار الفائدة، وقال مؤخراً إنه ينبغي لباول “الاستقالة فوراً” إذا ثبت أنه ضلل الكونجرس، كما أشار مراراً إلى أنه يفضل أن يقود البنك شخص مستعد لخفض أسعار الفائدة.

وقال مدير الميزانية في البيت الأبيض، راس فوت إنه يحقق في شهادة باول، وفي ما إذا كان مشروع التجديد يتماشى مع قانون التخطيط الوطني للعاصمة. وقال الجمعة، إن تحقيقه في مشروع تحديث المقر، الذي يعود لعمر 88 عاماً هو مراجعة لـ”سوء الإدارة الجوهري في عهد هذا الرئيس (باول)”.

وأضاف مدير مكتب الميزانية في مقابلة مع قناة CNBC: “نريد التأكد من الحقائق بشأن الإسراف ومدى تجاوز التكاليف. الخطط تتغير باستمرار، والشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس تتغير أيضاً”.

وقال مسؤول في البيت الأبيض، رفض ذكر اسمه، إن شكاوى ترمب بشأن قرارات أسعار الفائدة لباول منفصلة عن تحقيق فوت بشأن تجاوزات التكاليف.

وأضاف المسؤول: “موقفنا هو أن الاحتياطي الفيدرالي لا يقوم بعمله فيما يتعلق بالسياسة النقدية كما ينبغي”. وتابع: “لكن إذا كانت الأموال تُهدر، فذلك أيضاً يُعد تقصيراً في الواجب”.

الفيدرالي يرد

ويشمل مشروع التجديد تحديثات لمقر البنك المركزي ومبنى مجاور تم شراؤه مؤخراً، وفقاً للخطط المقدمة إلى لجنة التخطيط الوطني للعاصمة. والهدف هو دمج مكاتب الموظفين في موقع واحد لتقليل الإيجارات الخارجية.

وضغط رئيس لجنة البنوك في مجلس الشيوخ، تيم سكوت، وخمسة أعضاء جمهوريين آخرين على باول الشهر الماضي بشأن تكاليف المشروع، وادعوا أنه يتضمن كماليات مثل غرفة طعام لكبار الشخصيات وخلايا نحل على السطح.

لكن باول رد على المشرعين قائلاً: “لا توجد غرفة طعام لكبار الشخصيات. لا يوجد رخام جديد. لا مصاعد خاصة. لا شلالات مياه. لا خلايا نحل، ولا حدائق على الشرفة”.

ويوفر قانون الاحتياطي الفيدرالي لمجلس البنك استقلالية كبيرة في إدارة مرافقه، بما في ذلك التجديدات والبناء الجديد. ووفقاً للبنك، ساهمت عدة عوامل في زيادة التكاليف، منها التعديلات بعد مراجعات الوكالات المختصة، وإزالة مادة الإسبستوس، وتلوث التربة، ومشكلات في منسوب المياه الجوفية.

وردّ البنك المركزي عبر صفحة جديدة بعنوان “الأسئلة الشائعة” على موقعه الإلكتروني، قائلاً  “تتضمن هذه التجديدات إصلاحاً وتحديثاً شاملين يحافظان على مبنيين تاريخيين لم يخضعا لتجديد شامل منذ تشييدهما في ثلاثينيات القرن الماضي”، بحسب ما نقلت شبكة CNBC.

وقال سكوت ألفاريز، المستشار العام السابق للاحتياطي الفيدرالي، إن من الصعب إثبات “أسباب وجيهة” لإقالة باول دون وجود أدلة على سوء تصرف أو نشاط إجرامي أو تقصير في الواجب. وأشار آخرون إلى أن تجاوزات التكاليف أمر شائع في مشاريع تجديد المباني القديمة، خصوصاً تلك الواقعة في مناطق تاريخية، مثل مقر البنك المطل على ناشيونال مول.

شاركها.