كشف وزير الثقافة السوري، محمد الصالح، عن استعادة 1234 رقمًا أثريًا، إضافة إلى 198 قطعة أثرية إلى متحف إدلب، تعود إلى حضارات عريقة تعاقبت على الأراضي السورية.
وقال خلال مؤتمر صحفي، اليوم الأربعاء 3 من كانون الأول، إن إعادة القطع الأثرية تمت بجهود وطنية وتعاون الأهالي مع الوزارة، لافتًا إلى أن محافظة إدلب تمثل أحد أبرز مواقع الذاكرة السورية، وأن ذكرى التحرير تعيد التأكيد على دورها المركزي في الحفاظ على الهوية الثقافية.
واعتبر الصالح، أن عملية استعادة الآثار المفقودة خلال الحرب، توازي استعادة الهوية الثقافية لسورية، مشددًا على أن الحفاظ على الهوية الثقافية وتراث سوريا الحضاري، خط أحمر لا يقبل المساس، وأن العمل مستمر لإعادة ما فقدته البلاد من مقتنيات أثرية خلال سنوات الحرب.
وأظهر أبناء إدلب، بحسب الوزير، وعيًا كبيرًا منذ بداية الثورة السورية، عندما أدركوا أن إرهاب نظام الأسد الذي استهدف المدن والمستشفيات، لن يتردد أيضًا في استهداف المتاحف والمواقع الأثرية، ما دفع الأهالي إلى حفظ عدد كبير من الرقم والقطع العائدة لمملكتي “إيبلا” و”ماري” في مستودعات خاصة.
وتسبب استهداف قوات الأسد لمتحف إدلب، بتضرر الجدران الواقية والممرات المخصصة لحماية المقتنيات الأثرية، ما أدى إلى فقدان عدد من القطع لفترة طويلة، لكن عقب سقوط النظام تمكنت وزارة الثقافة، وفق الوزير الصالح، من الوصول إلى أماكن وجود تلك المقتنيات، واستعادة الرقم والقطع الأثرية.
ويعود تاريخ بعض القطع الأثرية إلى نحو 3200 عام قبل الميلاد، والمرتبطة بمملكتي “ماري” و”إيبلا” وحضارات “أشور” و”سومر” و”أكاد”، والتي تعد مصدرًا مهمًا لدراسة الجوانب الدينية والقانونية والدبلوماسية والسياسية والاجتماعية التي سادت في تلك المراحل.
وقال وزير الثقافة خلال المؤتمر، “نحن أصحاب حضارة ضاربة في عمق التاريخ وهوية أصيلة لا نسمح بالمساس بها، ولسنا بحاجة إلى بنائها من جديد بل إلى كشف الغبار الذي تراكم عليها في زمن الحرب”.
من جانبه ذكر محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، أن العمل جارٍ بالتعاون مع وزارة الثقافة لإعادة تأهيل متاحف إدلب ومعرة النعمان بما يضمن صون الإرث الحضاري الفريد الذي تمتاز به المحافظة، لافتًا إلى أن إدلب تحتضن ما يقارب ثلث آثار سوريا، ما يجعل من مسؤولية الحفاظ عليها أولوية وطنية.
وتعد محافظة إدلب الواقعة شمال غربي البلاد، من أغنى المحافظات السورية بالآثار الموغلة بالقدم، التي تعود إلى حقب مختلفة وحضارات عاشت فيها منذ الألف الخامس قبل الميلاد، وتتبع للفترات الآرامية، واليونانية، والرومانية، والآشورية، والبيزنطية، والإسلامية المختلفة، وبعضها مدرج على لائحة التراث العالمي.
آثار إدلب.. حضارات على قوائم النسيان
“إدلب” متحف في الهواء الطلق
مدير متحف “إدلب”، أيمن النابو، في عام 2021 ذكر ل، حينها، أن إدلب تحتضن ما يزيد على ألف موقع أثري، منها 760 موقعًا أثريًا مسجلًا بقرارات وزارية سابقة،
كما تضم 40 قرية أثرية تشكل خمس “باركات” مسجلة على لائحة التراث العالمي، وتعود هذه المواقع الأثرية إلى حقب زمنية مختلفة من عصور ما قبل التاريخ مرورًا بفترة الشرق القديم والفترة الكلاسيكية وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة.
وأضاف النابو، أنه وخلال سنوات الحرب الماضية تعرضت المناطق الأثرية ومواقع الإرث الإنساني إلى انتهاكات عديدة، يتمثل أولها بقصف الطيران الحربي والبراميل المتفجرة الذي لم ينج منه حتى المتاحف كمتحف “معرة النعمان” ومتحف “إدلب” ومواقع المدن المنسية.
ويضاف إلى ذلك الزحف العمراني الحديث على المواقع الأثرية، لا سيما بعد موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المنطقة ولجوء الكثير من العائلات إلى المواقع الأثرية للاحتماء بها أو لاتخاذها سكنًا، وهو ما أسفر عن إضافة كتل سكنية تشوّه الواقع الأثري الموجود في المحافظة.
فضلًا عن تكسير حجارة المواقع الأثرية العائدة للفترة الكلاسيكية أو المدن المنسية، لاستخدامها في الأبنية الحديثة أو للاستفادة من بيعها والاتجار بها، وهو ما يمكن اعتباره ضررًا جسيمًا جدًا قد يؤدي في حال استمراره إلى اختفاء مواقع أثرية بأكملها عن الوجود.
وأوضح النابو، أن حرم الآثار يفترض أن يكون على مسافة مئتي متر منها، إلا أن عمليات البناء تتم بجانبها مباشرة، وفي بعض الحالات تمت إزالة قبور وغيرها من الأماكن الأثرية لإقامة بيوت مكانها، ولم يتبق منها أي معلم أثري، مثلما حدث في بلدة “كوكانايا” بريف إدلب، كما تظهر معالم تكسير الحجارة بشكل واضح في كنيسة “كوكانيا” وموقع “باقرحها” في منطقة بابزقا، وغيرها الكثير من المواقع.
وعلاوة على ذلك، يشكل التنقيب العشوائي من قبل لصوص الآثار أحد الانتهاكات الحاصلة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اختلاط السويات الأثرية، لا سيما عندما يتم استخدام الآليات الثقيلة مثل الجرافات في عمليات الحفر، إذ إنها تؤدي إلى تخريب كلي للمكان، وتتسبب بالإيذاء كيفما تحركت، أما عمليات التنقيب الفردي التي تتم بمعدات يدوية، فهي لا تتسبب بتخريب المواقع الأثرية من الخارج، كما يقوم القائمون عليها بطمر الحفر العميقة حتى يتفادوا التسبب بضرر للأرض بحضور أصحابها، وفقًا للنابو.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي
