إرث بايدن بالشرق الأوسط: أزمات متعددة ودعم لا محدود لإسرائيل
في سبتمبر 2023، وصف مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الشرق الأوسط بأنه “أكثر هدوءاً” مما كان عليه قبل عقدين من الزمان، ولكن هذا التقييم لم يصمد طويلاً.
فبعد ثمانية أيام فقط من تصريحاته، قادت حركة “حماس” هجوماً مفاجئاً داخل إسرائيل، وشنت تل أبيب حرباً مدمرة على قطاع غزة قتلت خلالها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، لتنتشر بعدها الاضطرابات في أنحاء المنطقة.
وبعد هجوم 7 أكتوبر سخر منتقدو بايدن على نطاق واسع من سوليفان بسبب تعليقاته، على الرغم من أن سوليفان دافع لاحقاً عن تصريحاته، قائلاً لشبكة “NBC News” إنها كانت في سياق التطورات الإقليمية في السنوات القليلة الماضية، إلا أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، قلب جدول أعمال بايدن العالمي.
وبعد وقت قصير من الهجوم، أصبح بايدن، الذي يصف نفسه بأنه “صهيوني”، أول رئيس أميركي يزور إسرائيل في وقت الحرب. وواصل الترخيص لتدفق الأسلحة بثبات إلى إسرائيل على الرغم من الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، والأزمة الإنسانية الكبيرة في غزة.
حرب غزة وهزيمة الديمقراطيين
وأدى رفض بايدن لاستخدام نفوذ الولايات المتحدة، كمورد رئيسي للأسلحة لإسرائيل، إلى نفور العديد من الناخبين العرب الأميركيين، وتسبب في صدمات على صعيد السلك الدبلوماسي.
كما أدى إلى انقسام حزبه الديمقراطي، وهو أحد العوامل العديدة التي تسببت في هزيمة نائبة الرئيس كامالا هاريس أمام الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات نوفمبر.
وقال مايك كيسي، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والذي كان من بين الذين استقالوا احتجاجاً على سياسة بايدن، إن “غزة ستكون هي الإرث.. سيجدون جثثاً بين الأنقاض. سيظل الناس يموتون بسبب المرض.. سينسب ذلك دائماً إليه”.
وتسبب دعم بايدن الشديد لإسرائيل، التي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين في غزة، في تبعات جسيمة على مصداقية الولايات المتحدة على المستوى العالمي.
قال آرون ديفيد ميلر، وهو مستشار سابق في شؤون الشرق الأوسط لإدارات ديمقراطية وجمهورية: “بايدن جاء للدفاع عن إسرائيل كحليف موثوق به، ولكن الجانب السلبي هو أنه لم يحقق نجاحاً كبيراً في كبح (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو في غزة، وقد ألحق ذلك ضرراً خطيراً بسمعة الولايات المتحدة”.
ورغم الدور الذي لعبه مساعدو بايدن في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، الذي أُعلن عنه الأربعاء، يقول المحللون لوكالة “رويترز”، إن من المرجح ألا يبقى سجل بايدن في الشرق الأوسط مرتبطاً في الأذهان بانتهاء الصراعات في عهده، بل سيظل مرتبطاً بشكل أساسي بتطور هذه الصراعات، وعدم قدرته على احتوائها.
إيران.. التحدي الأكبر
ودافع بايدن في خطاب الوداع حول السياسة الخارجية، والذي أدلى به في مقر وزارة الخارجية، الاثنين، عن نهجه وأصر على أن الولايات المتحدة ساهمت بشكل كبير في أن تصبح إيران الآن “أضعف مما كانت عليه منذ عقود”.
كما أشاد به بعض الخبراء لمساعدته في تجنب حرب إقليمية شاملة.
لكن بايدن مع ذلك يترك لترمب ما يراه معظم المحللين أكبر تحد له في الشرق الأوسط، وهو البرنامج النووي الإيراني، الذي تقدم على مدى السنوات الأربع الماضية، ويمكن الإسراع فيه باتجاه تطوير سلاح نووي إذا اتُّخذ القرار بذلك.
كان قرار ترمب التخلي عن الاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران في عام 2018 هو من فتح الطريق أمام تحركات طهران النووية، بحسب منتقدي الرئيس الجمهوري.
واعتبر بلينكن، الثلاثاء، أن ردع طهران عن الحصول على قنبلة نووية كان أحد نجاحات بايدن.
وبمجرد عودته إلى منصبه، سيتعين على ترمب أن يقرر ما إذا كان سيسعى إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، أو سيمنح نتنياهو الضوء الأخضر لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق للمسؤول المعني بشؤون الشرق الأوسط في المخابرات الوطنية الأميركية: “القرار بشأن كيفية التعامل مع إيران في نهاية المطاف سيكون محركاً للكثير من عمليات صنع القرار التي يتخذها ترمب فيما يتعلق بالمنطقة ككل”.
وسيتعين على ترمب أيضاً الرد على جماعة أخرى متحالفة مع إيران، وهم الحوثيون في اليمن، الذين أطلقوا لأكثر من عام صواريخ على سفن الشحن في البحر الأحمر وعلى إسرائيل.
وفشل العمل العسكري الذي أمر به بايدن بالتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة، في إنهاء التهديد الحوثي.
وفوجئت إدارة بايدن أيضاً بهجوم خاطف شنته المعارضة السورية وأطاح بحكم بشار الأسد، وهو حليف رئيسي آخر لإيران، في أوائل ديسمبر. ومنذ ذلك الحين، تسعى واشنطن جاهدة لإقناع الحكام الجدد بتشكيل حكومة شاملة، ومنع عودة تنظيم “داعش”، وهي من المهام التي سيرثها ترمب الآن.
وفي حين أقر بأن الشرق الأوسط لا يزال “مليئاً بالمخاطر”، استشهد بلينكن في خطابه السياسي الأخير بإنجازات قال إن من بينها مساعدة الأمم المتحدة في التوسط لوقف إطلاق النار في الحرب الأهلية في اليمن، وتعزيز التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” وتعزيز التكامل الإقليمي.
تأثير ترمب
خطة وقف إطلاق النار في غزة، التي تم التوصل إليها في الأيام الأخيرة من ولاية بايدن بعد أشهر من المفاوضات المتقطعة، تستند إلى مقترحات أعلن عنها في منتصف عام 2024 واستلزمت إصراراً ومثابرة إلى جانب الوسطاء القطريين والمصريين حتى الوصول أخيراً إلى الاتفاق.
لكن الأطراف المهمة والمؤثرة في المنطقة اعتبرت على نطاق واسع أن هذا الإنجاز الدبلوماسي الذي تم التوصل إليه في الدوحة هو نتيجة لتحذيرات ترمب، من أن “أبواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها” إذا لم يتم إطلاق سراح المحتجزين بحلول وقت تنصيبه الاثنين، وهو التهديد الذي شبهه مصدر في الشرق الأوسط مقرب من محادثات غزة في تصريحات لـ”رويترز”، بأنه يشبه تأثير “السيف” المصلت بالنسبة للمفاوضين.
وأرسل ترمب مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف للتعاون مع كبير مفاوضي بايدن بريت ماكجورك، وقال مسؤول إسرائيلي إن “وجود ويتكوف أضاف زخماً للمحادثات”.
وقال مسؤول مطلع: “تمكن ويتكوف من الضغط على نتنياهو لقبول الاتفاق والتحرك بسرعة”، في إشارة إلى اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أقام علاقة وثيقة مع ترمب خلال فترة ولايته الأولى.
وذكر مسؤول حكومي إسرائيلي لـ”رويترز” أن حكومة نتنياهو ستصوت على الاتفاق، الخميس، ومن المتوقع أن يوافق عليه معظم الوزراء.