إسرائيل تتحرك في القنيطرة.. “دمشق” تتعامى
حسام المحمود | خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم
في ظل التطورات المتسارعة التي تقودها إسرائيل في المنطقة، من غزة إلى جنوبي لبنان، وصولًا إلى سوريا والضربات التي لا تكاد تتوقف على مواقع عسكرية في مناطق سيطرة النظام، يقف النظام السوري موقف المتفرج، تماشيًا مع سلوكه حيال التحديات الأمنية والعسكرية التي يخوضها “محور المقاومة” الذي اختار الانتماء إليه طوال السنوات الماضية بعد 2011، إذ لم يبدِ رئيس النظام السوري، بشار الأسد، استجابة للأوضاع الميدانية والحروب التي يخوضها “الحلفاء”.
رغبة الأسد الواضحة بالابتعاد عن المعركة، قابلتها إسرائيل بتحركات في القنيطرة، جنوبي سوريا، وتوغلها برًا وتجريفها بعض الأراضي وإزاحة السياج الفاصل على الحدود بين سوريا والجولان السوري المحتل.
هذه التحركات، ومساعي إسرائيل لـ”تطهير” حدودها من “حزب الله” اللبناني، والنفوذ الإيراني الذي أشرع له الأسد الباب العريض، تخلق تساؤلات حيال مستقبل القنيطرة وما إذا كانت الهدف التالي لإسرائيل بعد تأمينها العسكري في غزة وجنوبي لبنان، وقضائها على قادة الصف الأول لـ”حزب الله” و”حماس”، وكان أحدثهم رئيس مكتبها السياسي، يحيى السنوار، الذي أعلن الجيش الإسرائيلي، في 17 من تشرين الأول الحالي، قتله في اشتباك مع جنود إسرائيليين فوق الأرض في تل السلطان برفح، جنوبي غزة.
تناقش في هذا الملف مع مجموعة من الخبراء والمحليين والباحثين، أهمية المحافظة الجنوبية بالنسبة لإسرائيل ومستقبلها، في ضوء التطورات الراهنة والتعاطي البارد للنظام مع الحدث.
تعيش الحدود الجنوبية مع الجولان السوري المحتل حالة هدوء نسبية، على خلاف الوضع الحالي على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، التي تعتبر امتدادًا لها، حيث تشن إسرائيل عمليات عسكرية، وتوغلًا بريًا في الجنوب اللبناني، مستهدفة “حزب الله”.
النظام السوري يواصل حالة الانكفاء والنأي بالنفس منذ أكثر من عام، فلم يحرك ساكنًا منذ بدء “طوفان الأقصى” في غزة، ولم تُرصد أي تحضيرات عسكرية دفاعية في وجه توغلات إسرائيلية مستمرة داخل المنطقة منزوعة السلاح في محافظة القنيطرة السورية.
تحركات عسكرية لميليشيات مدعومة من إيران، منها ما ينتمي لـ”حزب الله”، كسرت حالة السكون في بعض الأحيان، إذ شهدت المنطقة خلال فترات زمنية متباعدة ضربات نحو إسرائيل من قبل هذه الميليشيات، لكن طائرات إسرائيلية ردت بضرب هذه الجماعات في سوريا، وتنفيذ اغتيالات في المنطقة.
ولم يثنِ نأي النظام بنفسه إسرائيل عن التحرك في المنطقة، فسبق وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن توجه القوات الإسرائيلية لإنشاء حاجز أمني على الحدود الفاصلة مع سوريا، في الجولان السوري المحتل، في وقت رُصد فيه مرارًا دخول آليات عسكرية إسرائيلية إلى الأراضي السورية منذ عام 2022، وهو ما قابله النظام بالنفي.
الحديث عن بناء الحاجز على الحدود، جاء تزامنًا مع نفي النظام دخول آليات عسكرية إسرائيلية إلى الأراضي السورية، إذ نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، عن أمين فرع حزب “البعث” في القنيطرة حينها، خالد أباظة، أن لا وجود لتوغل إسرائيلي جنوبي سوريا.
وأضاف أباظة، “كل ما ينشر حول توغل صهيوني في الأراضي السورية لا أساس له من الصحة، وهو من محض خيال من ينشر ومن يروج لإشاعات كهذه”.
ونقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) أيضًا عن محافظ القنيطرة حينها، معتز أبو النصر جمران، نفي وجود توغل إسرائيلي في القنيطرة، مشيرًا إلى أن “سكان القرى يمارسون حياتهم الطبيعية بشكل آمن”.
ومنذ تشرين الثاني 2022، دخلت قوات إسرائيلية، بشكل متكرر، إلى الأراضي السورية، وبدأت بإنشاء طريق من الجانب السوري محاذٍ للحدود.
وأفاد مراسل في القنيطرة حينها، أن جرافات إسرائيلية دخلت الأراضي السورية، ورافقتها مدرعات عسكرية.
وبدأت الجرافات بالعمل على إنشاء الطريق في أقصى شمال محافظة القنيطرة، وبالتحديد غربي بلدة عين التينة في سفح جبل الشيخ، بعمق يتراوح بين 100 و700 متر داخل الأراضي السورية.
وتكرر عقب ذلك دخول الآليات العسكرية الإسرائيلية إلى المنطقة، وهو ما انعكس على حياة السكان والمزارعين الذين حُرموا من دخول أراضيهم الزراعية أو الاقتراب منها.
تحضيرات دفاعية وإزالة ألغام
في 15 من تشرين الأول الحالي، نقلت وكالة “رويترز” عن جندي سوري متمركز جنوبي سوريا ومسؤول أمني لبناني ومسؤول في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أن إسرائيل تحرك السياج الفاصل بين المنطقة منزوعة السلاح نحو الجانب السوري، وتنشئ المزيد من التحصينات في المنطقة.
وأضافت الوكالة أن تحركات إسرائيل العسكرية تتضمن غارات من الجولان الذي تحتله إسرائيل، وربما من المنطقة منزوعة السلاح التي تفصلها عن الأراضي السورية، وقد تؤدي إلى توسيع الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”.
“رويترز” نقلت أيضًا عن ضابط استخبارات سوري وجندي سوري متمركزين جنوبي سوريا، وثلاثة مصادر أمنية لبنانية كبيرة، أن أعمال إزالة الألغام والهندسة من جانب إسرائيل تسارعت في الأسابيع الأخيرة.
وقالت المصادر، إن أعمال إزالة الألغام كُثفت مع بدء إسرائيل توغلاتها البرية مطلع تشرين الأول الحالي، لمحاربة “حزب الله” على طول المنطقة الجبلية التي تفصل الشمال الإسرائيلي عن جنوبي لبنان على بعد نحو 20 كيلومترًا إلى الغرب، وفق “رويترز”.
وقال مصدر أمني لبناني وصفته الوكالة بـ”رفيع المستوى”، إن القوات الإسرائيلية حفرت خندقًا جديدًا بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح في تشرين الأول الحالي، بينما قال مصدر أمني لبناني “كبير” لـ”رويترز”، إن عمليات إزالة الألغام قد تسمح للقوات الإسرائيلية بتطويق “حزب الله” من الشرق.
ما نقلته “رويترز” سبقه بيوم واحد تقرير نشرته “القناة 14” الإسرائيلية، حول توجه إسرائيل لإنشاء حاجز بري كبير على الحدود مع سوريا، ليصعّب الطريق على “الإرهابيين” الذين سيحاولون دخول إسرائيل في المستقبل، وسيتضمن الحاجز سياجًا مزدوجًا وكومة من التراب وخنادق.
وأضافت أن “النظام الأمني” في إسرائيل يأخذ على محمل الجد، وبقلق، التهديدات التي تأتي من الحدود السورية، وأيضًا من الحدود الشرقية.
ويهدف بناء الحاجز الأمني على الحدود لإعاقة “قوات العدو والعناصر المعادية” إذا حاولت اقتحام الأراضي الإسرائيلية، إذ إن إسرائيل استخلصت الدروس من الجدار الذي سبق واخترقته “حماس” في تشرين الأول 2023، وفق “القناة 14”.
إسرائيل تستكمل “سوفا 53”
استكمالًا لمشروع طريق “سوفا 53″، واظبت الآليات العسكرية الإسرائيلية على عبور الحدود إلى الأراضي السورية لبناء الطريق، وهو عبارة عن خط محاذٍ للشريط الحدودي مع الجولان المحتل، يبدأ من أقصى ريف القنيطرة الشمالي غرب بلدة عين التينة، ويصل إلى أقصى جنوب المحافظة وصولًا للحدود السورية- الأردنية.
ويصل عمق الطريق داخل الأراضي السورية من 200 متر شرق الحدود وصولًا إلى أكثر من كيلومتر واحد غرب بلدة الحرية، ثم يضيق باتجاه الجنوب، ويمر داخل الأراضي الزراعية في القنيطرة بمنطقة يطلق عليها أهالي المنطقة اسم “خط البراميل الحمر”.
وكان سكان المنطقة يعتمدون على زراعة الأراضي المحاذية للحدود منذ أكثر من 25 عامًا، لكن الجيش الإسرائيلي جرف جزءًا من هذه الأراضي ومنع الاقتراب منها، وفق مراسل في المنطقة.
ويصل طول الطريق إلى أكثر من 60 كيلومترًا، كما نشرت إسرائيل بمحاذاته نقاط مراقبة تفصل بين الواحدة والأخرى مسافة كيلومتر واحد.
طريق “سوفا 53” الممتد على الحدود، يليه جنوبًا ساتر ترابي بارتفاع خمسة أمتار، بنته إسرائيل تزامنًا مع بدء تمهيد الطريق نفسه، ويلي الساتر خندق بعمق خمسة أمتار وعرض خمسة أمتار أخرى.
وقابلت مزارعًا خسر أرضه نتيجة التحركات الإسرائيلية في القنيطرة، قال إن الجرافات الإسرائيلية اقتلعت أشجار التين والعنب والزيتون من أرضه التي ورثها عن والده، ومساحتها أربعة دونمات.
وأضاف المزارع الذي طلب عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية، أنه حاول الاعتراض على اقتلاع الأشجار من أرضه، لكن الجيش الإسرائيلي أطلق النار باتجاهه، وحاول القبض عليه، دون أي تدخل من قوات حرس الحدود التابعة للنظام السوري، أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
توغل جديد
نفي النظام للأنباء التي تتحدث عن توغل قوات إسرائيلية في سوريا، جاء في وقت لا تزال به المدرعات الإسرائيلية تدخل إلى قرى وبلدات محاذية للحدود في محافظة القنيطرة، ولا تزال تعمل على تمهيد الطريق نفسه.
وفي 21 من أيلول الماضي، توغلت قوات إسرائيلية مجددًا داخل الأراضي السورية في محافظة القنيطرة برفقة دبابات وجرافات ومعدات لحفر خنادق.
وأفاد مراسل، حينها، أن الجيش الإسرائيلي دخل الشريط الحدودي بعمق يصل إلى 200 متر إلى الأراضي السورية، وبدأ بجرف الأراضي الزراعية وحفر خنادق وبناء سواتر ترابية ضمن مشروع طريق “سوفا 53”.
وتمكنت من توثيق عمليات الحفر والتوغل البري قرب حدود الجولان المحتل بالصور.
ورغم أن محافظ القنيطرة، وأمين فرع حزب “البعث” بالمحافظة نفسها، نفيا وجود أي توغل إسرائيلي في المحافظة، لم يصدر أي تعليق عن وزارة الدفاع بحكومة النظام حول هذه التحركات.
وسبق أن رصدت كاميرا مراسلين إسرائيليين عمل الآليات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية خلال فترات زمنية مختلفة، أحدثها في تشرين الثاني 2022، عندما نشرت قناة “كان 11” الإسرائيلية تقريرًا تضمّن تسجيلات مصوّرة من الأراضي السورية.
ماذا تفعل قوات النظام؟
سيطر النظام السوري على محافظتي القنيطرة ودرعا في تموز 2018، بعد مرور أكثر من أربع سنوات على تمركز فصائل معارضة للنظام في معظمهما.
ولم يشكل دخول النظام للمنطقة أي تغيير، إذ عادت قوات حرس الحدود إلى مواقعها، لكنها لم تتدخل أمام تحركات المدرعات الإسرائيلية في القنيطرة، في حين قصفت إسرائيل مرارًا مواقع في المنطقة قالت إنها تعود لميليشيا “حزب الله” اللبناني، المدعوم إيرانيًا.
ومنذ تصاعد وتيرة الضربات الإسرائيلية في لبنان، خلال أيلول الماضي، واحتمالات امتداد التصعيد للجنوب السوري، لم تشهد القنيطرة تغييرًا على الصعيد العسكري من جانب النظام، فلم يستقدم قوات عسكرية للمنطقة، وفق مصادر عسكرية قابلتها في المحافظة.
ضابط برتبة ملازم أول، منشق عن جيش النظام، عمل سابقًا في فصائل المعارضة المسلحة بالقنيطرة، قال ل، إن المنطقة لم تشهد أي تغيير أو تعزيزات، باستثناء بعض التحصينات البدائية لقوات النظام في بعض نقاط عسكرية، كبناء الدشم، والتحصينات حول نقاط حرس الحدود.
وأضاف الضابط الذي يقيم في القنيطرة اليوم، وتحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الحدود بالنسبة السوريين، وخاصة القرى الحدودية، غير آمنة، إذ تعتقل إسرائيل مدنيين من سكان المنطقة بين الحين والآخر، كما يطلق جنودها النار على مدنيين من سكان المنطقة، دون تدخل من قوات النظام.
ماذا عن غربي درعا
على بعد كيلومترات من المنطقة التي تعمل فيها الجرافات الإسرائيلية بمحافظة القنيطرة، يمتد ريف درعا الغربي، ويشكل قسم من منطقة حوض اليرموك فيه جزءًا من الحدود مع الجولان المحتل.
وفي المنطقة نفسها التي عادت إليها قوات حرس الحدود التابعة لقوات النظام في 2018، لم يتغير الواقع الميداني على الصعيد العسكري، وفق ما أفاد به مصدر محلي من المنطقة نفسها، وأكده مراسل في درعا.
أحمد ناشط إعلامي من أبناء ريف درعا الغربي، ويقيم في المنطقة نفسها، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال ل، إن المنطقة القريبة من الحدود لم تشهد أي تغيير، ولم تتجه نحوها أي تعزيزات عسكرية، في حين تنشط قوات النظام داخل المحافظة، في محيط المدن والقرى والبلدات المناهضة لها.
وأضاف ل أن قوات النظام عززت وجودها في ريف المحافظة الغربي بمحيط مدينتي جاسم وطفس، التي يناهض سكانهما وجود النظام، بينما لم تتحرك آليات عسكرية أو جنود على الحدود مع الجولان.
مراسل في درعا أكد أيضًا أن قوات النظام تنشط فقط داخليًا بمحيط مدن وبلدات درعا، كما أكد أن ريف المحافظة الغربي لم يشهد أي تحركات عسكرية أو أمنية في المنطقة المحاذية من الحدود، وهو ما أكده أيضًا مصدر عسكري في فصائل المعارضة السورية، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، إذ أشار إلى أن المنطقة لا تشهد تحركات عسكرية على مدار سنوات، وخلال التصعيد الحالي في لبنان.
رفعت عماش، ناشط سياسي مقيم في الجولان السوري المحتل، أوضح ل أن التحركات الإسرائيلية الحالية، ودخول القوات الإسرائيلية إلى منطقة فض الاشتباك بحجة بناء سياج أمني يشبه إقامة حدود داخل حدود، وخلق مسافة فصل بين حدود داخلية وأخرى خارجية.
وبناء على ذلك، دخلت إسرائيل الأراضي السورية بمسافة متفاوتة من جبل الشيخ إلى تل الفرس، وجرفت أراضي زراعية لمزارعين في قرى ريف القنيطرة، وشمل نشاطها بناء سواتر ترابية وحفر خندق.
هذه التحركات تتعارض مع ما جاء في اتفاقية فض الاشتباك (موقعة في 31 من أيار 1974)، ومع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة وروسيا وتبناه أعضاء مجلس الأمن، في حزيران 2018، ويمنع بموجبه أي نشاط عسكري في منطقة العزل، بما في ذلك أي عملية عسكرية للقوات المسلحة السورية.
كما تتعارض أيضًا مع قرار مجلس الأمن “338”، الذي صدر في 22 من تشرين الأول 1973، وطالب بأحد بنوده الثلاثة بوقف الأعمال العسكرية على جميع جبهات “حرب أكتوبر”.
وبالنسبة إلى أهمية القنيطرة لإسرائيل، أوضح عماش أن المحافظة تضم آثارًا رومانية قديمة، ولها أهمية تاريخية وجغرافية، لأنها أكبر المدن القريبة من الحدود، وفيها مركز المحافظة التي لا يزال جزء منها محتلًا، وهي محاطة بتلال بركانية كاشفة، مثل تل أبو الندى وتل العرام، وتلال أخرى صغيرة إلى الشمال والجنوب منها، ويقال إنها قائمة على بركة غنية بالمياه.
ويستبعد عماش أن تصعّد إسرائيل وتعبر بقواتها الأسلاك الشائكة لاحتلال مناطق إضافية من القنيطرة، موضحًا أن إسرائيل كان يمكنها التوغل البري عبر هذه الحدود منذ زمن طويل، إذ لا مقاومة على هذه الجبهة النائمة، دون أن ينفي ذلك المخاوف من وجود ميليشيات مقربة من إيران، لكن تكنولوجيا الحرب لدى إسرائيل تجعل المنطقة مكشوفة بوضوح، وتخفض سقف المخاوف الأمنية من القنيطرة، وهي حدود آمنة بالنسبة لإسرائيل منذ عقود.
وفسّر عماش هذه التحركات الإسرائيلية على أنها جزء من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، فالطموح الإسرائيلي لا يتوقف على التقدم بضعة كيلومترات في القنيطرة خلف الحدود، فالأراضي التي اقتطعتها إسرائيل من سوريا لإقامة حزام أمني تمتد مساحتها على آلاف الدونمات من جبل الشيخ إلى الحمية جنوبًا على حدود الجولان.
ماذا عن نيات التوسع؟
سميح أيوب، صحفي ومحلل سياسي سوري من الجولان، أوضح لعنب لبدي أنه بعد عملية “طوفان الأقصى”، بدأت إسرائيل بسياسة التوسع وطمس معالم غزة، مع وضع خطة لتهجير الضفة واحتلال الجنوب السوري، وقد يساعدها في ذلك، بمنظورها، إشعال أكثر من جبهة في الوقت نفسه، لخلق مبررات تضعها أمام العالم بموقع المحاصَر ومن يخوض حرب وجود.
التحركات الإسرائيلية عملية جس نبض للنظام، أو للاصطدام بالوجود الإيراني للحصول على ذريعة للتقدم واحتلال المنطقة (القنيطرة)، تحت شعار الحزام الأمني.
سميح أيوب
صحفي ومحلل سياسي سوري من الجولان المحتل
وكما أن الهاجس الإسرائيلي يتجلى بوجود قوات إيرانية على خط وقف إطلاق النار أو قربه، وجرى فعلًا إطلاق أكثر من مسيّرة من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل، لكن كل ذلك لا يعدو كونه ذريعة للتوسع، فالقلق على أمن الحدود يتعارض مع حالة التأمين التي قدمها النظام السوري لحدود إسرائيل منذ عام 1973، وفق أيوب.
وفسّر أيوب التحركات الإسرائيلية على أنها عملية “جس نبض” للنظام، أو للاصطدام بالوجود الإيراني للحصول على ذريعة للتقدم واحتلال المنطقة، تحت شعار الحزام الأمني.
النظام يتعامل ببرود
كل شيء في نطاقه الطبيعي والمعقول بالنسبة للنظام السوري، فبرامج الطبخ والبرامج الرياضية، عبر القنوات الرسمية والمقربة منها، مثل قناة “سما”، لا تشي بحرب على الأبواب، مع تغطية إعلامية متواصلة لما تنقله وسائل إعلام “محور المقاومة” من عمليات وتصريحات تتناول الأوضاع في غزة وجنوبي لبنان، واليمن والعراق، إلى جانب تصريحات “الحليف الإيراني”.
ينسجم موقف النظام من التحركات في القنيطرة مع الموقف المسجل من المحافظة نفسها، إذ استغلها منذ زمن حكم حافظ الأسد لأغراض سياسية، وبحجة الاستدلال على “همجية العدو”، حافظ على ركامها وأطلالها الدارسة، وقاد إليها الوفود والرحلات للمشاهدة و”أخذ العبر”.
لم يبدِ النظام السوري اهتمامًا كبيرًا بالتعاطي مع التحركات الإسرائيلية على الحدود مع القنيطرة، ومضى أبعد من ذلك بنفيها أصلًا، لكن النفي نفسه جاء بصورة لا تتناسب مع جدّية الحدث وحساسية المرحلة، إذ تولى محافظ القنيطرة وأمين فرع حزب “البعث” مهمة نفي وجود تحركات إسرائيلية على حدود القنيطرة، دون أي تعليق من وزارة الدفاع أو وزارة الخارجية، وهما وزارتان معنيتان عادة بما يتعلق بالشؤون السيادية للدولة وسلامة أراضيها.
البرود والهروب من الواقع من قبل النظام، لا ينفي توجه إسرائيل عمليًا لتنفيذ رؤيتها ومشروعها الذي تشكل سوريا محطة فيه، فالخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، أوضح ل، أن انتقال إسرائيل للعمل في الإقليم على فكرة تفكيك الساحات وتقطيع الجبهات، وتحويلها إلى عمق أمني، يعني ضمنًا أن القنيطرة أساس في معادلة جبهة الجولان، والدخول حاليًا مهم للإسرائيليين لأنهم يحاولون إنهاء قدرة الإيرانيين على تفعيل أي جبهة، لا سيما مع انحسار الضربات لـ”حزب الله” وبدء انحسار الخطر القادم من لبنان.
البقاء في هذه المنطقة حاليًا أساسي لإسرائيل لمنع أي تفعيل لهذه الجبهة، في الوقت الذي يمكن أن تمتد به العملية أبعد من القنيطرة، وصولًا لما يتعلق بالإمداد اللوجستي لـ”حزب الله” ما يجعل مناطق كالقصير والحدود مع العراق محط أنظار بالنسبة لإسرائيل.
عامر السبايلة
خبير استراتيجي وباحث غير مقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن
وهذه المعطيات، بحسب السبايلة، توحي أن تفعيل جبهة الجولان أحد الخيارات المتبقية لإسرائيل، كما أن إسرائيل لن تترك هذه المنطقة بسهولة، وستعيد رسمها ضمن رؤيتها الأمنية لهذه الجغرافيا، والبقاء في هذه المنطقة حاليًا أساسي لإسرائيل لمنع أي تفعيل لهذه الجبهة، في الوقت الذي يمكن أن تمتد به العملية أبعد من القنيطرة، وصولًا لما يتعلق بالإمداد اللوجستي لـ”حزب الله” ما يجعل مناطق كالقصير والحدود مع العراق محط أنظار بالنسبة لإسرائيل.
منذ سنوات، كانت إيران اللاعب الأجنبي الأكثر اهتمامًا بالجنوب السوري، فالمنطقة هي جبهة مباشرة مع إسرائيل، وجسر تواصل مع “حزب الله” اللبناني، وتؤمّن لطهران عمقًا استراتيجيًا في ساحة مليئة بـ”الأعداء”، فكانت طهران حليف النظام الذي غذّاه بالعسكر والسياسية والاقتصاد للبقاء في السلطة، وعملت على التموضع والانتشار في الخاصرة الجنوبية السورية.
تملك إيران نفوذًا كبيرًا في مدن وبلدات الجنوب السوري عبر أذرعها وميليشياتها من “الحرس الثوري” و”حزب الله”، ويبلغ عدد مواقعها العسكرية 20 موقعًا في القنيطرة، و16 في درعا، و13 في السويداء.
في كانون الأول 2020، كشف مركز “ألما” البحثي الإسرائيلي، عن وجود 58 موقعًا ومنطقة تنتشر فيها وحدات موالية لإيران جنوبي سوريا، تتوزع في 28 مكانًا، تتمركز فيها وحدة يطلق عليها اسم “القيادة الجنوبية”، إلى جانب 30 موقعًا آخر توجد فيها “خلايا” تابعة لمجموعة تحمل اسم “ملف الجولان”.
وذكر المركز أن وحدة “القيادة الجنوبية” تابعة لـ”حزب الله” وعناصرها لبنانيون، ويتمثل دورها الرئيس في إنشاء بنية تحتية عملياتية لجميع أنشطة “الحزب” في الجنوب السوري، مع التركيز على منطقة الحدود مع إسرائيل.
وبالنسبة لوحدة “ملف الجولان”، فهدفها إنشاء بنى تحتية لجمع المعلومات الاستخباراتية لخلايا تعمل كوكيل لـ”حزب الله”، وتنفيذ أعمال ضد إسرائيل، وفق المركز الذي اعتبر أن هاتين الوحدتين تشكلان تحديًا عملياتيًا واستخباراتيًا مستمرًا لإسرائيل والاستقرار في المنطقة.
لا يزال التمركز الإيراني حاضرًا، رغم تنامي دور روسيا بعد عملية “طوفان الأقصى” في إرساء الاستقرار على الحدود بين إسرائيل وسوريا، وتثبيتها لأكثر من عشر نقاط مراقبة على طول الخط الفاصل مع هضبة الجولان، وتسييرها دورياتها العسكرية في الجنوب مطلع تشرين الثاني 2023، بعد غياب استمر لأكثر من عام.
ومنذ أشهر، تحولت الأنظار إلى الجنوب السوري، الذي صار بؤرة صراع على طريق الاشتعال، ومن شأن تعزيز الحضور الروسي جنوبي سوريا أن يزيد الضغط على إيران، أو يساعد على تخفيف وطأة المواجهة الإيرانية- الإسرائيلية جنوبي سوريا، حتى لو لم تتمكن موسكو من استبدال النفوذ الإيراني أو إلغائه، وفق تحليل لمركز “مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط“.
ورقة ضغط وخط دعم بري
تراجع دور القوات الروسية وقوات النظام في الجنوب السوري خلال السنوات الماضية، أدى إلى احتفاظ إيران بنفوذها هناك، رغم عدم ملئها الفراغ بالكامل، فأصبحت الظروف مواتية لتوسعها، بسبب الموارد الاقتصادية المحدودة للنظام السوري، وتآكل موقعي النظام السوري وروسيا، وفق مركز “مالكوم كير-كارنيغي”.
هدف إيران المتمثل باستغلال الأهمية الجيواستراتيجية لجنوبي سوريا تخللته عقبات وعراقيل، تواجه على المستوى الكلي تحديًا ديموغرافيًا، فالغالبية الدرزية في السويداء، والسنّية في درعا، تعرقلان ترسيخ حضور طهران في أوساط السكان.
للقنيطرة أهمية استراتيجية كبيرة عند إيران وميليشياتها، فهي جبهة وورقة جديدة امتلكتها طهران ضد إسرائيل خلال السنوات الماضية.
مروان فرزات
محلل سياسي متخصص بالشأن الإيراني
وفي القنيطرة، الأمر مختلف، فلأهلها مظالم تاريخية ضد إسرائيل بسبب احتلالها الأرض، بالإضافة إلى أن الأقلّيتَين الدرزية والمسيحية تربطهما علاقة متوترة بالأغلبية السنّية المعارضة بشدة للنظام، ما أتاح فرصة أمام إيران لبسط نفوذها أكثر، وفق المركز.
المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مروان فرزات، قال ل، إن للقنيطرة أهمية استراتيجية كبيرة عند إيران وميليشياتها، فهي جبهة وورقة جديدة امتلكتها طهران ضد إسرائيل خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن هذا الأمر أدى إلى اتساع خط الجبهة بين إيران وإسرائيل، فطول خط الجبهة القديم بينهما 79 كيلومترًا (وهي الحدود اللبنانية الإسرائيلية)، ومع سيطرة إيران على القنيطرة، أصبح طول خط الجبهة بين إيران وإسرائيل 155 كيلومترًا (بعد إضافة 76 كيلومترًا لها، وهي طول الحدود السورية- الإسرائيلية)، أي أن خط الجبهة تضاعف تقريبًا، وهذا الأمر غاية في الأهمية لإيران كورقة ضغط على إسرائيل.
وفق فرزات، تكمن الأهمية الثانية للقنيطرة في أن إيران تمتلك خط دعم بري يربط طهران بالقنيطرة عن طريق العراق، أي أنها قادرة على دعم هذه الجبهة بالسلاح والذخيرة والمقاتلين في حال فتح الجبهة، لافتًا إلى قدرتها على إدخال عناصر مقاتلين جدد من دول أخرى لم يسبق لهم الاشتباك مع إسرائيل، كميليشيات “زينبيون” الباكستانية و”فاطميون” الأفغانية و”الحشد الشعبي العراقي” وحتى مقاتلي جماعة “الحوثي” اليمنيين، بحيث يستطيع هؤلاء استنزاف إسرائيل إذا حصل تصعيد على هذه الجبهة، أو الاشتباك المباشر معها إذا اندلعت حرب كبرى.
ويرى المحلل أن القواعد الإيرانية في القنيطرة وجنوب غربي دمشق، ضمن الأهداف الإسرائيلية، مع استبعاده أن تصعّد إسرائيل على هذه الجبهة في المستقبل القريب قبل أن تطوّق “حزب الله” في لبنان وتضعف قوته، بحيث لا يشكل تهديدًا حقيقيًا لها فيما لو فتحت جبهة أخرى، وهذا ما فعلته إسرائيل في لبنان، فهي لم تبدأ الحرب حتى أمّنت جبهة غزة بالكامل وطوّقتها وأخرجتها من المعركة عسكريًا.
هل تنسحب طهران؟
في 24 من نيسان الماضي، قال مصدر مقرب من “حزب الله” اللبناني لوكالة “فرانس برس“، إن إيران قلصت وجودها العسكري في سوريا، وتركزت انسحابات إيران من محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا.
وأضافت الوكالة نقلًا عن المصدر الذي لم تسمّه، أن سحب إيران لقواتها من الجنوب السوري بدأ فعليًا بعد ضربة جوية نُسبت لإسرائيل، في 20 من كانون الثاني الماضي، أسفرت عن مقتل خمسة أفراد من “الحرس الثوري” في دمشق، لكن لا يزال هناك وجود للقوات الإيرانية في أجزاء أخرى من سوريا.
المحلل مروان فرزات لا يعتقد أن إيران ستنسحب من القنيطرة، فهي منطقة مهمة جدًا لها، مرجحًا أن تبدأ بعد فترة بالتحرّش بإسرائيل انطلاقًا من جبهة القنيطرة، وربما تصعّد أكثر في هذه الجبهة للضغط على إسرائيل لكي توقف الحرب.
ولفت المحلل السياسي إلى وجود شعرة صغيرة بين التصعيد بهدف الضغط لوقف الحرب وبين التصعيد الذي قد يوسع رقعة المعركة ويأخذ المنطقة لحرب أوسع، مرجحًا ذهاب المنطقة إلى تصعيد أكبر خلال الأيام المقبلة.
اتفاقية فض الاشتباك عام 1974
أسهمت اتفاقية فض الاشتباك (31 من أيار 1974) بالوقف الفوري للأعمال القتالية على جبهة الجولان، وشملت تفاصيل لتحديد مواقع القوات العسكرية لسوريا وإسرائيل على طول خطي “أ” (A) و”ب” (B).
يطلق اسم “برافو” على الخط “ب” و”ألفا” على الخط “أ”، ونصت الاتفاقية على فصل القوات وفق المبادئ التالية المدعومة بخرائط توضيحية:
تظل جميع القوات الإسرائيلية غرب الخط “أ” المحدد على الخريطة، باستثناء منطقة القنيطرة التي تظل غرب الخط “A1”.
تُدار جميع الأراضي الواقعة شرق الخط “أ” من قبل السلطات السورية، ويسمح بعودة المدنيين السوريين إلى هذه المناطق.
المنطقة العازلة: تقع بين الخطين “أ” و”ب”، وهي منطقة فاصلة بين القوات الإسرائيلية والسورية، على أن تُشرف عليها قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة (UNDOF).
تتمركز القوات السورية شرق الخط “ب”، حيث تحتفظ بقوات محدودة في هذه المنطقة.
تلتزم كل من سوريا وإسرائيل بتقليل القوات والتسليح في مناطق محددة على جانبي خطي “أ” و”ب”.
الاتفاقية تنص على تقليص القوات الإسرائيلية والسورية في ثلاث مناطق متوازية، على النحو التالي:
- المنطقة الأولى (الأقرب إلى منطقة العازلة للأمم المتحدة): عرضها حوالي تسعة كيلومترات. كان يُسمح لكل جانب بوجود ما يصل إلى 6000 جندي. سُمح لكل جانب بامتلاك ما يصل إلى 75 دبابة و36 قطعة مدفعية خفيفة.
- المنطقة الثانية: عرضها أيضًا حوالي تسعة كيلومترات. لم يُسمح بوجود أي مدفعية بعيدة المدى أو صواريخ أرض- أرض. سُمح لكل جانب بامتلاك ما يصل إلى 450 دبابة وعدد غير محدود من قطع المدفعية الخفيفة.
- المنطقة الثالثة: عرضها أكثر من أربعة كيلومترات، لكنها تشمل أيضًا المنطقتين الأولى والثانية، ما يجعلها منطقة بعرض حوالي 22 كيلومترًا.
أُنشئت قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة (أندوف/ UNDOF) بمهام محددة تتعلق بالحفاظ على وقف إطلاق النار وضمان تنفيذ الاتفاقية بشكل كامل، وتضمنت نحو 1250 جنديًا من دول ليست دائمة العضوية في مجلس الأمن، لتكون مسؤولة عن مراقبة الالتزام بشروط فض الاشتباك، وتقديم تقارير منتظمة إلى الطرفين، لا تقل عن مرة كل 15 يومًا.
تم الاتفاق على أن تكون القوة مسلحة بأسلحة دفاعية فقط لاستخدامها في حالة الدفاع عن النفس. تمركزت قوة الأمم المتحدة في المنطقة العازلة، التي تراوح عرضها بين 330 مترًا وعشرة كيلومترات، ومساحتها نحو 235 كيلومترًا مربعًا، وبدأت مهمتها في تموز 1974 تحت قيادة الجنرال غونزالو بريسينو القادم من البيرو.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي