– ركان الخضر
محاولات الحكومة الإسرائيلية للتدخل في الشأن السوري لا تقف عند التوغلات العسكرية في الجنوب، التي أخذت طابعًا يوميًا، من اقتحام للقرى والبلدات في محافظة القنيطرة، وبعض مناطق الريف الغربي من محافظة درعا، وشملت حملات تفتيش وإقامة حواجز وقطع الطرقات وعمليات اعتقال لشبان المنطقة، فقد كشفت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن جوانب أخرى لهذا التدخل، جاء هذه المرة من خلال محاولة التأثير على القرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا.
وأوضحت الهيئة، أن الإدارة الأمريكية رفضت طلبًا إسرائيليًا للإبقاء على جزء من العقوبات المفروضة على سوريا.
وذكرت الهيئة نقلًا عن مصدرين إسرائيليين، في 20 من كانون الأول الحالي، أن إسرائيل سعت لدى مقربين من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للإبقاء على جزء من العقوبات كورقة تفاوض مستقبلية.
وأكدت أن الإدارة الأمريكية رفضت الطلب مع تعهّد بتقديم تعويض، مقابل هذا الرفض، من دون الكشف عن طبيعة هذا التعويض أو مجالاته، سواء كانت سياسية أو أمنية، بحسب الهيئة.
وبحسب ما أوردته هيئة البث، فإن الطلب الإسرائيلي قوبل بالرفض من جانب مقربين من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رغم محاولات بذلتها جهات في محيط رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للتأثير على القرار.
وجاء الإفصاح عن الطلب الإسرائيلي بعد أيام قليلة من توقيع الرئيس الأمريكي على موازنة الدفاع الأمريكية، في 19 من كانون الأول، والتي تضمنت إلغاء قانون “قيصر”، معلنًا بذلك رفع جميع العقوبات الأمريكية على سوريا.
وكان ذلك بعد أن صوت مجلس الشيوخ الأمريكي، في 17 من كانون الأول، لمصلحة المشروع النهائي لقانون موازنة وزارة الدفاع لعام 2026، المتضمن إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر”، بعد أيام من تصويت مجلس النواب على المشروع، في 10 من الشهر ذاته.
تحاول استقراء أبعاد الطلب الإسرائيلي والأهداف من وراء ذلك، وأبرز الاستنتاجات من الرفض الأمريكي، والسيناريوهات المتوقعة للتعويض الأمريكي الموعود، والخطوات المطلوبة من الحكومة السورية لمواجهة مخططات إسرائيلية كهذه في المستقبل.
الهدف من الطلب وأسباب الرفض
يعتقد الكاتب الصحفي فراس علاوي، أن إسرائيل تهدف من محاولة إبقاء العقوبات على سوريا إلى ترك الحكومة السورية ضعيفة ومرتهنة اقتصاديًا وسياسيًا للخارج، وبالتالي عاجزة عن امتلاك أوراق قوة تضعها على الطاولة في مفاوضاتها مع إسرائيل.
وأضاف علاوي سببًا آخر من وراء الطلب الإسرائيلي، وهو أن بقاء العقوبات الأمريكية سيجعل الحكومة السورية عاجزة عن بناء جيشها وتطويره، وهو ما يعتبر هدفًا استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل.
من جهته، يرى الباحث في مركز “جسور” وائل علوان، أن إسرائيل تريد استمرار العقوبات الأمريكية على سوريا، لإبقائها مفككة وضعيفة ومنهارة بشكل كامل كما هو الوضع عليه اليوم، وعدم إتاحة الفرصة أمامها للبناء والنهوض من جديد.
الباحث وائل علوان، يرى أن أسباب الرفض الأمريكي للطلب الإسرائيلي، تعود إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى خطورة في إبقاء سوريا ضعيفة أو مفككة، من خلال إبقاء العقوبات، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن ترسيخ الاستقرار السوري، منعًا لأي محاولة إيرانية للتغلغل في سوريا من جديد عبر أذرعها في المنطقة، مما قد يسبب عودة الفوضى إلى سوريا، وما يشكله ذلك من خطورة على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وقال إن هذا هو محور الخلاف الأمريكي- الإسرائيلي بمسألة الملف السوري، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تثق بتوجهات الحكومة السورية والسياسات التي تتبناها بشكل كبير جدًا، لكن المشكلة في إسرائيل وحكومة نتنياهو تحديدًا التي تمثل اليمين المتطرف في إسرائيل.
ونوه علوان إلى أن الحكومة الإسرائيلية ليس فقط لا تثق بالحكومة السورية، وإنما تتبع سياسات ليست منسجمة مع مصالحها ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها المتمثلة في استقرار المنطقة.
ونتيجة هذه السياسة الإسرائيلية، عمدت حكومة نتنياهو، برأي علوان، إلى المزيد من الفوضى في سوريا بعد سقوط النظام، كما أنها عملت على إغراق المنطقة بالفوضى والمواجهات والتجاذبات الكبرى، الأمر الذي لا يضر بمصلحة سوريا فقط، بل يضر بمصلحة المنطقة كاملة، ويشكل تهديدًا على جميع دولها.
بينما يرى فراس علاوي أن الولايات المتحدة رفضت الطلب الإسرائيلي، ترسيخًا للسياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في المنطقة، والتي تركز على دعم الاستقرار الذي يشمل سوريا، بصفتها إحدى ركائز هذا الاستقرار.
ويشير الرفض الأمريكي، برأي علاوي أيضًا، إلى تراجع في السياسة الأمريكية السابقة، التي كانت تقوم على دعم فكرة سيطرة القوة الأحادية المطلقة لإسرائيل في الشرق الأوسط.
السيناريوهات المطروحة للتعويض
يعتقد الباحث وائل علوان أن التعويض الذي وعدت الإدارة الأمريكية بتقديمه للحكومة الإسرائيلية، بعد رفض طلبها بإبقاء العقوبات على سوريا، يكمن في معالجة السياسة الإسرائيلية، القائمة على السعي لتفكيك سوريا، خوفًا من أي تهديد سوري لإسرائيل في المستقبل.
وتشمل معالجة الولايات المتحدة لهذه المخاوف الإسرائيلية، برأي علوان، تقديم ضمانات أمريكية بألا يكون هناك أي خطر على إسرائيل أو مصالحها من قبل الحكومة السورية، بالإضافة إلى ضمانات أخرى تشمل تعهدًا أمريكيًا بمواجهة كل ما يمكن أن يشكل خطرًا على إسرائيل من الأراضي السورية.
علوان أشار إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى الموازنة بين رغبتها في رؤية سوريا قوية، بالقدر الذي يسمح لها بمنع أي مخططات إيرانية للعودة إلى الساحة السورية، وفي نفس الوقت ضعيفة بالقدر الذي يمنعها من تشكيل أي تهديد لإسرائيل بالمستقبل، موضحًا أن هذه المقاربة قد تكون أحد أشكال التعويض الأمريكي.
الكاتب الصحفي فراس علاوي، قال إن التعويض الأمريكي سيكون وفق اعتقاده على جانبين، الأول اقتصادي يشمل دعمًا ماديًا وعسكريًا ولوجستيًا للحكومة والجيش الإسرائيلي، بينما سيركز الجانب الثاني على منح الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو بمتابعة استراتيجيتها بالحرب على أذرع إيران في المنطقة.
ما المطلوب سوريًا؟
المطلوب من الحكومة السورية لمواجهة أي مخطط إسرائيلي من هذا القبيل في المستقبل، يكمن في توسيع الحكومة السورية لأفق علاقاتها وترسيخها مع الأطراف الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الحكومة الامريكية، بما يضمن لها قوة المشاركة في القرار والاستقرار الإقليمي، وفرض نفسها كرقم مؤثر لا يمكن تجاوزه في السياسة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، بحسب الكاتب الصحفي فراس علاوي.
من جهته، يرى الباحث في مركز “جسور” وائل علوان، أن المطلوب من الحكومة السورية لمواجهة المخططات الإسرائيلية، يكمن في إعطاء الضمانات الكافية للسلم والاستقرار الأهلي، ومنع عودة إيران إلى الساحة السورية من جديد.
ويرى ضرورة تقديم دمشق ضمانات أخرى بعدم خروج أي تهديد من الأراضي السورية تجاه إسرائيل.
ونوه علوان إلى أن الحكومة السورية تدرك اليوم هذه المقاربة وضرورتها، مشيرًا إلى جديتها في العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار وعدم الاشتباك، كونها ليست بوارد العودة إلى المواجهات والحروب ليس فقط في المدى المنظور والمتوسط، بل حتى في المدى البعيد، بحسب رأيه.
الأسباب التي دفعت الباحث علوان إلى تبني هذا الرأي، تكمن في الإرهاق الذي لحق بالشعب والحكومة السورية من سنوات الحرب الماضية، فالحكومة السورية تريد، وفق علوان، طريقًا آخر مختلفًا عن المواجهات والحروب، من خلال سعيها وراء التنمية وتطوير سوريا وازدهارها، بحثًا عن تحويل البلاد إلى معبر للتجارة والطاقة العالمية، مضيفًا أن الحكومة السورية لا تقول هذا الأمر كمجرد شعارات وترويج إعلامي، وإنما من منطلق مصلحتها ومصلحة الشعب السوري في ذلك.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
