– عمر علاء الدين

لم يمر تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في 28 من حزيران الماضي، حول اشتراط الاحتفاظ بالجولان، للدخول بـ”خطة التطبيع مع سوريا”، مرور الكرام على السوريين.

التصريح أثار موجة من الجدل والتساؤلات على وسائل التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء بين معارض للفكرة بوصفها “تنازلًا عن الأرض والاستسلام للاحتلال”، وبين مؤيد باعتبارها فرصة لتحسين الوضع السوري والخروج من دائرة الشعارات التي تغنى بها الأسدان الأب والابن.

قناة “الإخبارية” الحكومية، نقلت عن مصدر رسمي (لم تحدد صفته أو مستواه)، في 2 من تموز الحالي، قوله إن “التصريحات المتعلقة باتفاقيات سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الراهن سابقة لأوانها”، معتبرًا أنه “لا يمكن الحديث عن احتمالية التفاوض حول اتفاقيات جديدة إلا بعد التزام الاحتلال الكامل باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وانسحابه من المناطق التي توغل فيها”.

مقدمة للتفاوض

الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، اعتبر أنه من المبكر جدًا الحديث عن نتائج المفاوضات المحتملة بين سوريا و”الكيان الإسرائيلي”، إذ إن التفاصيل التي ستوضع على طاولة المفاوضات كثيرة.

وفي حديث إلى، قال علوان، إن الحكومة السورية بالفعل جادة في أن يحل السلام وأن تعود توافقات وقف إطلاق النار بشكل كامل، وأن تلتزم بها إسرائيل، كمقدمة للجلوس على طاولة المفاوضات ومناقشة كل الملفات.

الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ضغطًا نحو دخول سوريا في اتفاقيات سلام عامة في المنطقة تشمل السلام مع إسرائيل، لكنها تقدّر، بحسب الباحث في مركز “جسور للدراسات”، أن هناك مسائل عالقة خصوصًا أن جنود الجيش الإسرائيلي ما زالوا يتمركزون في مناطق داخل الأراضي السورية، كانوا قد دخلوها عقب سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024.

وتشمل التوافقات، بحسب علوان، انسحاب إسرائيل من كل المناطق التي دخلت إليها والعودة، إلى اتفاق عام 1974.

لن تنتهي المفاوضات كما تريد تل أبيب

يبدو أن الحكومة السورية لم تتجاوب بشكل رسمي مع “بالونات الاختبار” التي أطلقتها الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الدخول في اتفاقيات التطبيع، بحسب ما قاله المحلل السياسي، فراس علاوي، ل.

ويعتقد علاوي أن الحكومة السورية تحسب خطواتها في هذا الملف بدقة خوفًا من رد فعل الشارع السوري، وخوفًا من رد فعل الحلفاء.

وأشار المحلل السياسي إلى ضرورة وجود تنسيق مع الدول العربية والحلفاء العرب، خاصة مع السعودية.

وعادة في المفاوضات، تقوم كل دولة برفع سقف الاشتراطات، بحسب علاوي، إذ إن الإسرائيليين رفعوا سقفهم التفاوضي بداية، لكن عند المفاوضات الجادة يمكن أن يتغير السقف التفاوضي.

ولا يعتقد علاوي أن الحكومة السورية ستوافق على كل طلبات الإسرائيليين، وعلى طلب جدعون ساعر (الاحتفاظ بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية)، بل ستكون المفاوضات طويلة الأمد، ولن تنتهي كما يريدها مسؤولو تل أبيب.

ويعتقد المحلل السياسي فراس علاوي، أن الشرع وفريقه سيذهبون باتجاه تطوير اتفاق فض الاشتباك 1974، حيث سيتم توسيعه بما يتعلق بالجنوب السوري، وإعادة توزيع شكل الأسلحة الموجودة، بينما لا يعتقد أن دمشق ذاهبة باتجاه “التطبيع الكامل”.

وبحسب علاوي، من الممكن أن يكون الجولان منطقة منزوعة السلاح، أو أن يزداد عمل ومهمات قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام (أندوف).

وفي 30 من حزيران الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارًا بالإجماع يقضي بتجديد ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل (أندوف) لمدة ستة أشهر.

أنشئت قوة “أندوف” في 31 من أيار 1974، ومنذ ذلك الوقت، استمرت القوات بعملها في المنطقة للإشراف على تنفيذ اتفاق فض الاشتباك.

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، جدد التأكيد الأسبوع الماضي على أن القوة “لا تزال تؤدي دورًا بالغ الأهمية وتبذل قصارى جهدها لفض الاشتباك”.

السلام مقابل الاعتراف بالضم

يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، أن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، التي تحدث فيها عن استعداد إسرائيل للاحتفاظ بالجولان مقابل تطبيع العلاقات مع سوريا، تعكس تحوّلًا في طبيعة الخطاب الإسرائيلي من منطق “الأرض مقابل السلام” إلى منطق “السلام مقابل الاعتراف بالضم”.

مناع، وفي حديث إلى، اعتبر أن “إسرائيل لم تعد تتحدث عن حلول وسط، بل تسعى لتثبيت الأمر الواقع الاحتلالي عبر أدوات سياسية، وعلى رأسها التطبيع”، مضيفًا أن ساعر لا يقدم عرضًا تفاوضيًا بقدر ما يطرح معادلة تستند إلى “شرعنة السيطرة” وليس تفكيكها.

هذا ما يُشير، بحسب مناع، إلى أن إسرائيل تستغل اللحظة الإقليمية، بما فيها الضعف السوري والتقارب العربي معها، لإعادة صياغة خطوط التفاوض المفترضة.

واستبعد مسؤولون إسرائيليون، بحسب ما نقلت عنهم صحيفة “يديعوت أحرنوت”، في 30 من حزيران الماضي، أن يوافق الرئيس أحمد الشرع على اتفاق سلام دون انسحاب إسرائيلي من مرتفعات الجولان، وبالتالي، ووفقًا للصحيفة، فإن هذا الاتفاق أمني فقط، كما أن الولايات المتحدة “على دراية بهذه الأمور وتشارك في المحادثات.

الباحث بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع، يرى أن هذا الاختلاف في وجهات النظر بين المسؤولين الذين صرحوا للصحيفة وتصريحات جدعون ساعر، ليس “انقسامًا استراتيجيًا”، بل هو اختلاف في التقدير التكتيكي.

ويرى مناع أن هناك إجماعًا داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية، سواء من اليمين أو من الوسط، على أن الجولان أرض “إسرائيلية بحكم الواقع”، ولا عودة عنها، لكن الخلاف يتعلق بكيفية إدارة هذا الملف في السياق الإقليمي، بحسب الباحث.

وأضاف مناع أن بعض الساسة يرون أن “النظام السوري” (الحكومة السورية الجديدة) رغم حداثته، لن يمنح شرعية للاحتلال طواعية، وبالتالي فإن أي رهان على التطبيع معه في هذا السياق قد يكون وهمًا سياسيًا.

في المقابل، يرى تيار آخر أن الحكم الجديد في سوريا قد يكون مستعدًا لتنازلات ضمن صفقة إقليمية أوسع، خاصة إذا ضمنت له شرعية دولية وبقاء سياسيًا على المدى الطويل، بحسب مناع.

ويتوقع الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن يكون مستقبل الهدنة بين سوريا وإسرائيل إذا لم ترضخ دمشق لمطالب حكومة نتنياهو هو ما سماه “الهدنة غير المعلنة بين إسرائيل وسوريا”.

وأضاف، “قد نعود إلى الاتفاقية الأولى، فض الاشتباك، أو قد تبقى الأمور كما هي عليه الآن”.

موقف أبناء الجولان والوضع القانوني

جاء في المادة الأولى من الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 13 من آذار الماضي، أن “الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها”.

وجاء في المادة السابعة أيضًا، “تلتزم الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض السورية، وتجرّم دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج”.

ولا يحق للحكومة السورية التفاوض أو عقد اتفاقات سلام مع الدول الأخرى، بحسب ما قاله مدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، أنور البني، ل.

وأضاف البني أن “الحكومة الانتقالية الحالية هي حكومة لا تمثل الشعب باعتبارها غير منتخبة، كما أنه لا يوجد برلمان منتخب على أي اتفاقية بصدد التوقيع”، مشيرًا إلى أن أي اتفاقية وقعها رئيس جمهورية منتخب هي بحاجة إلى تصديق برلمان منتخب.

البني اعتبر أن الدول الأخرى من الصعب أن توقع اتفاقيات مع حكومة مؤقتة، مضيفًا أن “أي شيء يجري توقيعه يمثل الأشخاص الذين وقعوه وليس الشعب السوري”.

أبناء الجولان المحتل أصدروا، في 1 من تموز الحالي، بيانًا تناقلته وسائل إعلام أسموه بـ”العهد الوطني”.

وجاء في البيان المنشور على صفحة “التجمع المدني لأبناء الجولان” على “فيسبوك”، أن محافظة القنيطرة، قلب الجولان، لا تزال تعاني من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وتجريف الأراضي وهدم المنازل، فيما يعيش مئات آلاف الجولانيين المهجرين منذ نكسة حزيران 1967 مشتتين في خمس محافظات سورية.

وشددت الوثيقة على ضرورة توحيد كلمة الجولانيين في الداخل، من أجل بلورة حقوقهم السياسية والخدمية والدستورية، وأكد الموقعون عليها أن ما طرحوه “ليس مجرد مطالب فئوية بل التزامات وطنية وأخلاقية”.

وأكد الجولانيون تمسكهم الكامل بـ”حق العودة إلى أرضهم المحتلة، استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة، رافضين أي تفاهمات أو اتفاقات تمس هذا الحق أو تفرط به”.

وحذر البيان من مشروع دمج تجمعاتهم ضمن محافظات أخرى، معتبرًا أن ذلك يمثل “محاولة لطمس الهوية الجولانية، وذريعة لإغلاق ملف الجولان دوليًا”، كما أنه يُمهّد لإلغاء محافظة القنيطرة.

أهمية سياسية واستراتيجية

استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان من سوريا في المراحل الأخيرة من “حرب الأيام الستة” (نكسة حزيران) عام 1967.

وفي عام 1981 ضمت إسرائيل الجولان من جانب واحد، ولم يتم الاعتراف بهذه الخطوة دوليًا.

لكن الولايات المتحدة اعترفت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في 25 من آذار عام 2019.

يوجد في الجولان أكثر من 30 مستوطنة يهودية، مع ما يقدّر بنحو 20 ألف مستوطن، كما يوجد حوالي 20 ألف سوري في المنطقة، معظمهم من الطائفة الدرزية، بحسب تقرير لشبكة “BBC” البريطانية، ترجمته.

وتعتبر المرتفعات بالنسبة لإسرائيل موقعًا ممتازًا لمراقبة التحركات السورية، وتوفر التضاريس عزلًا طبيعيًا ضد أي قوة دفع عسكرية من سوريا.

وتعد المنطقة أيضًا مصدرًا رئيسًا للمياه لمنطقة قاحلة، إذ تتساقط مياه الأمطار من مستجمعات الجولان في نهر الأردن، وتوفر المنطقة ثلث إمدادات المياه الإسرائيلية.

ومن النقاط الاستراتيجية التي تتميز بها مرتفعات الجولان، أنها تقع على بعد 31 ميلًا من غرب دمشق، وتطل على كل من جنوبي لبنان، وشمالي إسرائيل، وجزء كبير من جنوبي سوريا.

وتُعرف المنطقة بخصوبة أرضها، وتستخدم التربة البركانية لزراعة الكروم والبساتين وتربية الماشية، وتعد منتجع التزلج الوحيد في إسرائيل.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.