إعلان دستوري من ورق –

لمى قنوت
منذ أن وقع أحمد الشرع الإعلان الدستوري في 13 من آذار الماضي، تتوالى انتهاكات نصوصه، وكأنه إعلان دستوري من ورق، وإجراء شكلي لا بد منه، فلا “الدولة” التزمت بحفظ السلم الأهلي، ولم تمنع أشكال الفتن والانقسام والتحريض على العنف كما تنص المادة “7” من الإعلان، بل أتت سياستها بعد جرائم الساحل الطائفية متساهلة مع الخطاب الطائفي والمذهبي المستعر، والذي امتد من العلويين إلى الدروز، حتى الآن، وانخرطت في تقديره وتبريره وزارة الداخلية حين شكرت مسلحين قادوا هجومًا وقتلوا دروزًا في جرمانا واعتبرته غيرة على الدين، وذلك عبر تصريح صحفي صدر عنها في 29 من نيسان الماضي، حين أعربت “عن بالغ شكرها وتقديرها للمواطنين الكرام على مشاعرهم الصادقة وغيرتهم الدينية دفاعًا عن مقام النبي صلى الله عليه وسلم”، وذلك بعد انتشار تسجيل صوتي مسيء يهاجم النبي، قيل إنه لشخص من الطائفة الدرزية، وتبين لاحقًا باعتراف الوزارة نفسها عدم صحة نَسبه إلى المُشتبه به.
وكان يفترض بالإدارة الانتقالية محاسبة من شنوا هجومًا مسلحًا كاد أن يؤدي إلى انزلاق البلاد المفككة في حرب أهلية طائفية، فعلى خلفية التسجيل الصوتي المذكور، بدأ التجييش يتصاعد ككرة ثلج، من مشاجرات واشتباك بالأيدي بين بعض طلاب في المدينة الجامعية في حمص وتهديدات طائفية مباشرة أو غير مباشرة أدت إلى مغادرة الطلاب والطالبات الدروز منها والعودة إلى مناطقهم، وانسحب خروجهم الجماعي من جامعاتهم على كل من حمص ودمشق وحلب، وانتقلت التوترات إلى أشرفية صحنايا، وهاجم مسلحون وصفتهم وزارة الداخلية بـ”الخارجين على القانون”، وامتدت الاشتباكات لريف السويداء الغربي، إلى أن تم الاتفاق بين السلطة وقيادات دينية درزية ووجهاء محليين لاحتواء التصعيد.
ومع المطالبات الواسعة والحثيثة بتجريم خطاب الكراهية والخطاب الطائفي من قبل الناشطين الحقوقيين، نساء ورجالًا، يحضُر السؤال: لماذا لا تتجاوب الإدارة الانتقالية مع أهمية هذا المطلب، وخاصة أن قانون العقوبات ينص في المادة “307” على أن “كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مئة إلى مئتي ليرة وكذلك بالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتين الثانية والرابعة من المادة65 “، أي حرمان المحكوم عليه من حقوقه المدنية طوال مدة العقوبة، وهي “الحق في تولي الوظائف والخدمات في إدارة شؤون الطائفة المدنية أو إدارة النقابة التي ينتمي إليها”، ويحرم أيضًا من “الحق في أن يكون ناخبًا أو منتخبًا في جميع منظمات الطوائف والنقابات”.
وفي العودة إلى انتهاكات نصوص الإعلان الدستوري، كالمادة “8”، “فالدولة” لم تلتزم “بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف مع احترام الحقوق والحريات”، بل نشر “فريق مكافحة الحريات” أو ما يسمى بـ”الحسبة” مقاطع فيديو يقصون فيه شوارب شبان دروز، ونشر أمنيو الإدارة الانتقالية مقطعًا يعتدون فيه على طلاب من مسيحيي محردة في ريف حماة ويحلقون شعرهم بطريقة مذلة ومصحوبة بإهانات لفظية بسبب جلوسهم مع زميلاتهم، وتتعرض سوريات إلى فصل جندري، وهو تمييز ضد النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن وهو انتهاك للمادة “10”، ويُسأل العديد من المواطنين والمواطنات عن طوائفهم، وعن القرابة التي تربط بين أي رجل وامرأة موجودين معًا، فمثلًا، اعتدت دورية تابعة لجهاز الأمن الداخلي في حمص على الناشط عبد الرحمن كحيل في 2 من أيار الحالي، بسبب طلبهم إثباتًا على أن السيدة التي ترافقه في السيارة هي خطيبته، وتم توقيفهما في فرع الأمن الجنائي، وجرى الاعتداء على كحيل وإهانته، وقبل الإفراج عنه، تم تهديده بأنه في حال نشر خبر اعتقاله، فسوف يتم تلفيق تهمة له بالتهجم على دورية الأمن العام وسجنه لسنوات وتغريمه ماليًا. وبذلك تكون السلطة قد انتهكت أيضًا المادة “12” من الإعلان الدستوري، التي تنص على “حماية الدولة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل حقوق المواطن وحرياته”، وتنتهك المادة “18” التي تفيد بدور الدولة في صون كرامة الإنسان، وعدم تعذيبه ماديًا ومعنويًا، عندما يُجبر مُسلحوها مواطنين على تقليد أصوات الحيوانات ويتم تعذيبهم.
تعتمد السلطة الانتقالية في إدارة سوريا المفككة نهجًا يتسم بالإقصاء والمركزية الشديدة والفوضى والاستعانة بالنفير العام والفزعة وشد العصب الطائفي، ونقل العنف الطائفي من مكان لآخر، وتجاهل تجريمه بالقانون، والإصرار على تعيينات بناء على شبكات الولاء وبمنطق المحاصصة على الغنائم، والاعتماد على تعيين مجرمي حرب، كتعيين “أبو حاتم شقرا” قائدًا لـ”الفرقة 86″ بالجيش والعاملة في محافظات كل من دير الزور والرقة والحسكة، والتحايل بتجنيس جهاديين موالين للإدارة كحل للالتفاف على مطالب سورية ودولية بعدم توليهم مناصب قيادية في “الجيش”، وينم كل ذلك عن عدم وجود رغبة حقيقية في بناء عقد اجتماعي ودولة قانون، فالسلطة لا تريد الاحتكام لإعلان دستوري هندسته فكان من ورق.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي