استغرق أول اجتماع مباشر بين الرئيسين الصيني شي جين بينج والأميركي دونالد ترمب، منذ تولي الأخير منصبه في يناير لولايته الثانية، ساعة وأربعين دقيقة، وانتهى بانحسار التوترات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى حد بعيد.

ولعل هذا الانطباع عن خفض حدة الاحتقان الاقتصادي والدبلوماسي هو ما جعل ممثليهما الدبلوماسيين لدى البلدين يتنفسون الصعداء، فبعبارة “مصافحة طال انتظارها”، علقت السفارة الصينية في واشنطن، عبر منصة X، على القمة، مرفقةً بصورة للرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الأميركي دونالد ترمب، وهما يتصافحان خلال لقائهما بمدينة بوسان في كوريا الجنوبية.

وقال السفير الأميركي لدى الصين ديفيد بيردو، عبر موقع X، إن “اجتماع قادة بلدينا العظيمين يعود بالنفع على العالم أجمع”.

في بداية محادثاتهما، أشار شي إلى أنهما، منذ إعادة انتخاب ترمب، تحدثا هاتفياً ثلاث مرات، وتبادلا رسائل عدة، وحافظا على تواصل وثيق، مشيداً بجهود الرئيس الأميركي الرامية إلى حل النزاعات الإقليمية.

وأكد شي على دور الصين في تعزيز محادثات السلام حول مختلف القضايا. 

اتفاق الرئيسين

وبينما أعلن ترمب، للصحافيين على متن طائرة الرئاسة، عن توصل واشنطن وبكين إلى اتفاق، كشفت وزارة التجارة الصينية، الخميس، عن نتائج المحادثات الاقتصادية والتجارية الأخيرة التي أجريت بين الصين والولايات المتحدة في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، وشملت رفع رسوم الفنتانيل، وتمديد فترة تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة، ورفع قيود التصدير.

وكان لي تشنج قانج، الممثل التجاري الدولي الصيني لدى وزارة التجارة ونائبه، أعلنا، في 26 أكتوبر، بعد اختتام المحادثات التجارية بين الصين والولايات المتحدة والتجارية في كوالالمبور بماليزيا، أن التوافقات الأساسية التي تم التوصل إليها بين وفدّي البلدين، تحتاج إلى اجتياز إجراءات الموافقة المحلية الخاصة بكل منهما. وتضمنت هذه التوافقات التعريفات الجمركية وقيود التصدير.

ووفق بيان وزارة التجارة الصينية، الخميس، فإن تفاصيل التوافق الذي تم التوصل إليه بين الصين والولايات المتحدة خلال محادثات التجارة في ماليزيا تنص على أن الولايات المتحدة ستلغي ما يسمى بـ”تعريفات الفنتانيل” البالغة 10%، مع تمديد تعليق التعريفات الجمركية المتبادلة البالغة 24% على السلع الصينية، بما في ذلك السلع الواردة من منطقتي هونج كونج وماكاو الإداريتين الخاصتين، لمدة عام إضافي. 

وأضاف المتحدث باسم وزارة التجارة أن الصين ستجري تعديلات مماثلة على إجراءاتها المضادة للتعريفات الأميركية المذكورة، وقد اتفق الجانبان على تمديد بعض إجراءات استثناء التعريفات الجمركية.

تعليق متبادل للإجراءات الانتقامية

وستعلّق الولايات المتحدة تنفيذ القاعدة الجديدة، التي أُعلنت في 29 سبتمبر وتوسّع قيود التصدير المتعلقة بـ”قائمة الكيانات”، لمدة عام، بما يشمل أي كيان تملك فيه جهة أو أكثر من الجهات المدرجة في القائمة نسبة لا تقل عن 50%.

في المقابل، ستعلّق الصين تدابيرها للرقابة على الصادرات، التي كُشف عنها في 9 أكتوبر، لمدة عام واحد، بينما تواصل دراسة خططها وتنقيحها، وفقاً لما ذكره المتحدث باسم وزارة التجارة في بيان له.

وأضاف المتحدث أن الولايات المتحدة ستعلّق لمدة عام التعريفات الجمركية المفروضة بموجب تحقيقها وفق المادة 301 بشأن قطاعات الشحن البحري والخدمات اللوجستية وبناء السفن في الصين، وستقوم الصين من جانبها بتعليق التدابير الانتقامية المقابلة ضد الولايات المتحدة للمدة نفسها، وذلك اعتباراً من تاريخ تعليق الولايات المتحدة لتدابيرها.

وأشار المتحدث أيضاً إلى أن الجانبين توصّلا إلى توافق بشأن عدد من القضايا، من بينها التعاون في مكافحة تهريب الفنتانيل، وتوسيع التجارة في المنتجات الزراعية، ومعالجة قضايا شركات محددة.

كما جدّدت الصين والولايات المتحدة تأكيدهما على نتائج المشاورات الاقتصادية والتجارية التي جرت في مدريد، والتي قدّمت خلالها الولايات المتحدة التزامات إيجابية في مجالات مثل الاستثمار، بينما اتفقت الطرفان على معالجة القضايا المتعلقة بتطبيق “تيك توك” بطريقة مناسبة.

تأكيد على أهمية دبلوماسية القادة 

خلال القمة الصينية – الأميركية، شدّد الرئيس شي على أن تنمية الصين ونهضتها تسيران جنباً إلى جنب مع رؤية الرئيس ترمب لـ”إعادة العظمة إلى أميركا” (MAGA)، مضيفاً أن الصين والولايات المتحدة قادرتان تماماً على مساعدة بعضهما البعض لتحقيق النجاح والازدهار المشترك.

ويعكس موقف الحكومة الصينية، القائل بأن دبلوماسية القادة تؤدي دوراً قيادياً لا يمكن الاستعاضة عنه في العلاقات الصينية-الأميركية، ما عبّرت عنه سارة بيران، المديرة السابقة للشؤون الصينية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض خلال إدارة بايدن.

قمة بوسان حددت اتجاه العلاقات

وقالت بيران، التي سبق أن شغلت أيضاً منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في السفارة الأميركية في بكين، في حديث مع “الشرق”، إن “دبلوماسية القادة أمر بالغ الأهمية”، مشيرةً إلى أن قمة بوسان بين الصين والولايات المتحدة وجّهت إشارة مهمة لكلا النظامين حول الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكاه.

ولعل انطباعات وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الذي حضر الاجتماع، تذهب في هذا الاتجاه، إذ قال لقناة “فينيكس” التلفزيونية في هونج كونج، إن “الأجواء كانت ممتازة”.

ومن جانبه، أوضح دياو دامينج، أستاذ الدراسات الأميركية في كلية العلاقات الدولية بجامعة رنمين الصينية، والمقرّب من وزارة الخارجية الصينية، في حديثه لـ”الشرق”، أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، رغم ما شهدته من تقلبات هذا العام، حافظت عموماً على حالة من الاستقرار النسبي بفضل دبلوماسية القادة.

شي وتهدئة المخاوف الأميركية

الرئيس الصيني بدا أنه يحاول إثارة اهتمام نظيره الأميركي، واستخدم الخطاب الكفيل بإغرائه بفوائد تحسن العلاقات بين الطرفين، مع الحرص على تهدئة المخاوف الأميركية. فقد قال شي، خلال اللقاء، إن البلدين قادرتان تماماً على مساعدة بعضهما البعض لتحقيق النجاح والازدهار معاً.

وأكد، في هذا المنحى، أن ليس لدى بلاده “أي نية لتحدي أحد أو الحلول محلّه”، مضيفاً أن تركيز الصين كان دائماً منصبّاً على إدارة شؤونها الداخلية على نحو جيد، وتحسين أوضاعها، ومشاركة فرص التنمية مع جميع دول العالم.

وقالت شارلين بارشيفسكي، الممثلة التجارية الأميركية السابقة (USTR)، في حديث لـ”الشرق”، إن من الضروري أن تجد الولايات المتحدة والصين سبيلاً للتعايش.

وأكدت السفيرة بارشيفسكي أن البلدين يتحمّلان مسؤولية خاصة في بذل كل ما في وسعهما لإدارة علاقتهما بطريقة بنّاءة.

ومن الواضح أن هذا ما كان يحاول فعله شي، الذي قال خلال لقائه مع ترمب: “باعتبار الصين والولايات المتحدة أكبر اقتصادين في العالم، فمن الطبيعي أن تظهر بيننا بين الحين والآخر بعض الخلافات أو الاحتكاكات، لكن الأهم هو كيفية التعامل معها، فنحن نؤمن بأن تنمية الصين وهدف الرئيس ترمب في إحياء أميركا ليسا متناقضين، بل يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب”.

وأعرب عن استعداده “لمواصلة العمل معك لبناء أساس متين للعلاقات الصينية-الأميركية وتهيئة مناخ إيجابي لتنمية البلدين”.

تبادل الزيارات العام المقبل

من المتوقع أن يقوم شي وترمب بزيارات متبادلة العام المقبل مع استعداد الصين والولايات المتحدة لاستضافة اجتماعات منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) ومجموعة العشرين.

فقد أكد الرئيس ترمب، خلال حديثه مع الصحافيين على متن طائرة “إير فورس وان” أثناء عودته إلى بلاده، أنه سيزور الصين في أبريل، بينما من المنتظر أن يقوم شي بزيارة إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من العام نفسه، ربما إلى فلوريدا أو بالم بيتش أو واشنطن العاصمة.

وإذا ما تحققت هذه الزيارات المتبادلة، فستُعدّ علامة فارقة على ذوبان الجليد في العلاقات الثنائية بين البلدين. 

وتأتي هذه التطورات فيما تستعد الصين لاستضافة اجتماع قادة منتدى أبيك الاقتصادي لعام 2026، في حين ستستضيف الولايات المتحدة قمة مجموعة العشرين، مما يضع البلدين في صدارة الأجندة الاقتصادية العالمية للعام المقبل.

شاركها.