في خطوة رمزية تعكس تحولاً تاريخياً بين حزب العمال الكردستاني PKK، والدولة التركية، ألقى عدد من مقاتلي الحزب السلاح في السليمانية بشمال كردستان العراق، في خطوة رمزية، وصفها سياسيون أتراك وأكراد بـ”تاريخية”، معتبرين إياها بداية فصل جديد من السلام والاستقرار في المنطقة، مع دعوات لاستغلال الفرصة لتعزيز الحقوق القومية والهوية الكردية داخل تركيا، بعد صراع دام قرابة 47 عاماً.
وأحرق 30 مسلحاً من حزب العمال الكردستاني، أسلحتهم في خطوة رمزية نحو إنهاء صراع دامٍ مع تركيا، بعد إعلان حل الحزب بناءً على دعوة زعيمه عبد الله أوجلان، في مايو الماضي، فيما رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والخارجية العراقية بالخطوة، معتبرين أنها تعد تطوراً مهماً يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأوضح المستشار الإعلامي السابق لرئاسة الوزراء التركية، جاهد توز، أن إلقاء حزب العمال الكردستاني، سلاحه رمزياً يمثل خطوة تاريخية لتركيا والمنطقة، مشيراً إلى أن الحزب يضم أعضاءً من أعراق أخرى بجانب الأكراد (عرب، وأرمن، وغربيين من جنسيات متعددة)، مرجحاً “تغير الديناميات الخارجية التي دعمت نشاطات الحزب، مما سيؤدي إلى تأثيرات إيجابية على المستوى الإقليمي”.
وأشار “توز” في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن إلقاء الحزب للسلاح قد يؤدي إلى انسحاب بعض القوى الخارجية التي استخدمته، ورقة ضغط ضد تركيا، وسوريا، والعراق وأيضاً إيران، بحسب وصفه، لافتاً إلى أن “الحزب تسبب في مصرع نحو 57 ألف تركي خلال 47 عاماً، ورغم ذلك قد قد يشمل العفو بعض أعضائه العائدين لتركيا ممن لم يرتكبوا جرائم، بينما لن يتمكن غير الأتراك من دخول البلاد أو المثول أمام القضاء التركي”.
وعن قادة الحزب، أكد أنهم لن يعودوا إلى تركيا، إذ سيبقى بعضهم في شمال العراق، ويتجه آخرون إلى دول أوروبية، متوقعاً نجاح خطوة إلقاء السلاح واندماج بعض أعضاء الحزب في الحياة السياسية وفق الدستور التركي الجديد، وأشار إلى تغييرات دستورية، وقانونية مهمة تعزز حقوق الأكراد، أبرزها رفع الحظر عن استخدام اللغة الكردية رسمياً وفي التعليم.
الاندماج السياسي
وعن اندماج ممن سيعودون إلى تركيا، أوضح “توز” أنهم قد يندمجون مع حزب “ديم” (وهو حزب سياسي مؤيد للأقلية الكردية في تركيا)، المتوقع تحالفه مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.
واعتبر أن الإفراج الكامل عن زعيم PKK، عبد الله أوجلان، مستحيل، لكنه قد يُنقل للإقامة الجبرية في منزل في أنقرة، مع احتمال إطلاق سراح زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، صلاح الدين دميرطاش وقادة آخرين.
ويرى إمام تاشجير، عضو البرلمان التركي السابق عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، أن إلقاء سلاح الحزب للسلاح، يفتح عصراً جديداً بعد أربعة عقود من الحرب التي لم تفد الأتراك أو الأكراد.
ودعا “تاشجير” خلال تصريحاته لـ”الشرق”، الأكراد، لاستغلال هذه الفرصة للدفاع عن هويتهم، وحقوقهم القومية، مؤكداً ضرورة ضمان الدولة التركية لحقوقهم، مع التعايش السلمي بين العرقين الكردي والتركي، مؤكداً أنه على تركيا اعتماد مسار ديمقراطي، يتوافق مع اقتراح زعيم حزب الحركة القومية التركية، دولت بهتشلي (حليف أردوغان)، بإطلاق سراح أوجلان مقابل حل حزب العمال الكردستاني.
وطالب بتحالف كردي لتشريع قوانين تضمن حقوقهم، مؤكداً أن الحل لا يكون بالعنف، مشيراً إلى أن PKK حاول التخلي عن السلاح في الفترة بين عامي 2013 و2015، لكن غياب دعم السلام منع ذلك، مشدداً على أن الحل النهائي يجب أن يكون في سلمياً وعادلاً في تركيا وليس العراق.
أكراد العراق يرحبون
عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، محمد زنكنة، قال في تصريحات لـ”الشرق”، إن خطوة إلقاء السلاح تاريخية، مؤكداً تبني الحزب سياسة زعيمه مسعود بارزاني، والتي تعتقد أن الحوار السلمي لمدة 10 أعوام أفضل من 10 ساعات من الحروب، مضيفاً أن بارزاني التقى بقادة PKK في كردستان العراق، وشجع الخطوة، مشيراً إلى أن رسائل أوجلان للحل السلمي منذ 1999 لم تُستجب إلا من مقاتلي الحزب الآن، وذلك بسبب تغير التوازنات الإقليمية.
وأوضح زنكنة، أن انقلاب 1980 في تركيا بقيادة كنعان إيفيرين، دفع قادة PKK إلى الفرار إلى سوريا والعراق ولبنان، وبعضهم توجه إلى إيران التي “استخدمتهم كورقة ضغط ضد العراق وفي بعض الأحيان ضد تركيا، كما استغلتهم سوريا بقيادة حافظ الأسد لأهداف مماثلة”، لكنه أشار إلى أن تراجع النفوذ الإيراني وتغير النظام السوري دفع الحزب للاستجابة أخيراً لرسائل أوجلان بإلقاء السلاح رمزياً في السليمانية.
وأوضح زنكنة، أن حزبه بزعامة الراحل إدريس برزاني، أقر اتفاقاً منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي مع أوجلان نص على احترام سيادة كل دولة، ومنع استخدام أراضيها ضد مصالح الطرف الآخر.
وشهد عام 2008، اجتماعاً رباعياً بين الولايات المتحدة، وتركيا، والعراق بمشاركة إقليم كردستان ضمن وفد بغداد، جهوداً للوساطة بين حزب العمال الكردستاني PKK، والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي KDP، إذ انطلقت حوارات غير رسمية في أوسلو لتمهيد وقف إطلاق النار، وفي ذات العام، أطلقت أنقرة دبلوماسية التهدئة بالتواصل مع بغداد وأربيل، ما أدى لتشكيل لجنة أمنية ثلاثية (تركيا– بغداد– أربيل) لمتابعة قضايا (PKK)، وأسفر التقارب عن اتفاقيات أمنية مشتركة.
وأوضح زنكنة، أن اندماج العائدين من PKK في العملية السياسية التركية، سيستغرق وقتاً، بسبب محاسبة البعض منهم على جرائم، وفحص آلاف المقاتلين غير المرتكبين لجرائم قانونية، مع حذر تركي مستمر تجاه أي تحولات مستقبلية في موقف الحزب.
الكرة في ملعب تركيا
أما طارق جوهر، مستشار رئيس برلمان كردستان فقال لـ”الشرق”، إن إلقاء السلاح يعد خطوة إيجابية، ولكنه يرى أن الخطوة التالية يجب أن تخرج من أنقرة.
وأوضح “جوهر “، وهو أيضاً عضو حزب الاتحاد الوطني الكردي العراقي، أن “الكرة الآن في ملعب تركيا”، معتبراً أن نجاح خطوة إلقاء السلاح يتوقف على أنقرة، مشدداً على أن السلام يتطلب تعديلاً دستورياً يضمن الحقوق المدنية والسياسية للأكراد.
ولفت إلى مبادرة أول رئيس كردي للعراق، جلال طالباني، الملقب كردياً بـ”مام جلال” في عام 1993 مع عبد الله أوجلان، بدعم من الرئيس التركي الراحل تورجوت أوزال، والتي أسفرت عن وقف أحادي من PKK لإطلاق النار، لكنه أشار إلى أن وفاة أوزال، وتولي قادة أتراك أكثر تشدداً أعادا “نهج العسكرة”، ورأى جوهر أن استجابة الحزب لإلقاء السلاح حالياً تعكس تراجع تشدد السياسيين الأتراك مقارنة بالماضي، ما يعزز فرص السلام.
وشدد على أن حزب العمال الكردستاني، جاد في إلقاء السلاح كاملاً، وربما تشمل الصفقة إطلاق سراح أوجلان أو معتقلين أكراد قدامى، مشدداً على أن حل الخلافات السياسية سيستغرق وقتاً طويلاً.
وسلم مقاتلو حزب العمال الكردستاني، أسلحتهم قرب السليمانية في شمال العراق، تنفيذاً لدعوة أوجلان بعد إعلانه حل الحزب في مايو الماضي، واعتبرت أنقرة هذه الخطوة كـ”نقطة تحول لا رجعة فيها”، فيما تخطط لبدء إعادة إدماج قانوني للمقاتلين وفتح صفحة سياسية جديدة.