كشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA في وقت سابق من الشهر الجاري من خلال مقطعين مصورين بجودة أفلام هوليوود، يسلطان الضوء على الانقسامات داخل حكومة الرئيس الصيني شي جين بينج، عن خطة جديدة تهدف إلى إقناع مسؤولين صينيين ساخطين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة عن بعد، وسط تراجع قدرات التجنيد البشري، حسبما أوردت صحيفة “واشنطن بوست”. 

ويسلط أحد المقطعين الضوء على الفوارق الهائلة في الثروة بين العمال الصينيين وقيادات الحزب الشيوعي، بينما يصور الآخر كيف يختفي كبار المسؤولين في الحزب بشكل مفاجئ، وهي ظاهرة حقيقية في إطار حملات مكافحة الفساد التي يقودها الرئيس الصيني. 

وأوضحت الصحيفة، أن هذه المقاطع، التي رُويت بلغة الماندرين ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تُعد جزءاً من استراتيجية جديدة تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية CIA، لتجنيد عملاء أجانب محتملين عن بُعد. 

ويرى مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية، أن هذه الاستراتيجية أثمرت بالفعل في روسيا، إذ نشرت الوكالة في عام 2023، مقاطع مشابهة استهدفت تجنيد روس ساخطين بسبب الحرب في أوكرانيا. 

وذكر استخباراتيون أن بعض الأشخاص هناك تواصلوا مع وكالة الاستخبارات المركزية نتيجة تلك المقاطع، لكنهم امتنعوا عن تقديم أي تفاصيل. 

وأكد مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية، أن لديهم أدلة على أن رسائلهم الموجهة إلى الصين، يجري مشاهدتها داخل البلاد، رغم الرقابة الصارمة المفروضة على الإنترنت، لكن هذه المقاطع تسلط الضوء أيضاً على مشكلة قائمة، وهي حاجة وكالة الاستخبارات المركزية إلى مزيد من الجواسيس، إذ لم تعد أساليب التجسس البشري التقليدية فعالة كما في السابق. 

تراجع قدرات التجنيد 

وفي جلسة التصديق على تعيينه في مجلس الشيوخ في يناير الماضي، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف: “جميعنا نعلم أن جمع المعلومات الاستخباراتية البشرية ليس بالمستوى المطلوب”. 

ولم يفصح راتكليف كثيراً عن خططه لتعزيز عمليات التجسس البشري، وهي من المهام الأساسية للوكالة التي ترتبط بميزانيات وعمليات سرية للغاية، إلا أن شخصاً التقى المدير مؤخراً وصفه بأنه “قلق” حيال حال هذه القدرات داخل وكالة الاستخبارات المركزية. 

وقال المسؤولون، إن الوكالة شهدت تراجعاً حاداً في قدرتها على تجنيد أجانب، لمشاركة أسرار حيوية مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، وأوضح المسؤولون أن راتكليف جعل عكس هذا الاتجاه أحد أولويات وكالة الاستخبارات المركزية، غير أن التحدي الذي يواجهه رئيس الوكالة لا يزال صعباً. 

وأوضحت أن المخاطر تكمن في مدى عمق معرفة الحكومة الأميركية بالتهديدات الأمنية الملحة، مثل ما إذا كانت إيران ستسرع في حيازة سلاح نووي، وتحركات روسيا المقبلة في ساحة المعركة في أوكرانيا، وما إذا كانت الصين ستغزو تايوان أو تحاول خنقها اقتصادياً. 

وذكر مسؤول سابق، أن عملية تجنيد عملاء جدد، انخفضت بنسبة مئوية من رقمين منذ عام 2019، مشيراً إلى أن الأرقام الدقيقة تبقى سرية للغاية، إذ ترى “واشنطن بوست” أن الفجوات المحتملة في مجال الاستخبارات لا تحظى باهتمام كبير خارج أوساط الأمن الوطني الحكومية. 

جمع المعلومات الاستخباراتية 

وتعتمد وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) على اعتراض المكالمات والرسائل النصية والبريد الإلكتروني، ويشكل هذا المصدر جزءاً أساسياً من جهود جمع المعلومات، ويدخل في صياغة ما لا يقل عن 60% من المواد المقدمة يومياً للرئيس الأميركي. 

 لكن فعالية برامج التجسس لا تكتمل من دون دمج المصادر البشرية والإلكترونية والتقنيات الأخرى مثل الصور.  

 ويؤكد مسؤولون حاليون وجواسيس سابقون أنه لا بديل عن وجود مصدر بشري موثوق قادر على اختراق أماكن لا تصل إليها أجهزة التنصت أو الأقمار الاصطناعية، وتأكيد المعلومات المجزأة، وتقديم رؤية معمقة عن نوايا قادة دول خصوم، مثل شي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

وفي بعض الأحيان، تأتي المعلومات الأهم من عميل بشري يسهل لوكالة الأمن القومي اختراق أنظمة حاسوبية، خاصة تلك في الأماكن الحساسة مثل مقار القيادة العسكرية أو قيادة الحزب الشيوعي الصيني. 

وقال مسؤول استخبارات أميركي كبير سابق: “بعض أفضل عملائنا لن يخبرونا بما يفكر فيه شي جين بينج إنهم يعملون في أقسام الاتصالات ولديهم صلاحيات على أنظمة حساسة، ولهذا نستهدفهم. فالشخص الأهم الذي نسعى لتجنيده في السفارة الصينية بواشنطن ليس السفير، بل موظف التشفير”. 

وقد تلقّت أنشطة التجسس، سواء لصالح وكالة الاستخبارات المركزية أو لصالح أجهزة استخبارات معادية، ضربة قوية خلال جائحة فيروس كورونا.

وتواجه وكالة الاستخبارات المركزية، تهديداً طويل الأمد يتمثل في ما يُعرف باسم “المراقبة التقنية الشاملة”، إذ أصبح على الضباط الأميركيين وعملائهم الأجانب تفادي شبكة متكاملة من الأجهزة التي ترصد تحركاتهم، ما يعقد الحفاظ على سرية الهويات والاجتماعات. 

ويُعتقد أن بكين وحدها تملك أكثر من مليون كاميرا مراقبة، وقال مسؤول أميركي سابق، زار العاصمة الصينية مؤخراً، إن “عدد الكاميرات في الشوارع يجعلك تشعر وكأنك في استوديو تلفزيوني”، إذ غالباً ما تكون هذه الكاميرات مدمجة ببرامج متقدمة للتعرف على الوجوه، يمكنها تعقب ملايين الأشخاص في وقت واحد. 

وقال جلين شافيتز، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، إن البيانات المستخدمة في الإدانة يمكن أن تبقى إلى الأبد على الإنترنت.

وأوضح شافيتز، أن أي جهاز استخبارات معادٍ، مثل جهاز الاستخبارات الصيني، قد يكتشف بعد أيام أو حتى أشهر أن عميلاً خائناً في صفوفه التقى بضابط من وكالة الاستخبارات المركزية، وذلك من خلال تحليل تسجيلات الكاميرات المنتشرة في البلاد بواسطة فلاتر ذكاء اصطناعي متطورة. 

ويرى مسؤولون حاليون وسابقون، أن قدراً كبيراً من المعلومات التي تحتاجها الوكالات الأميركية لم يعد سرياً، بل متاحاً في العلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات التجارية ومصادر المعلومات مفتوحة المصدر، لكنهم يؤكدون أن الاستخبارات البشرية لا تزال ضرورية، رغم تقلص دورها. 

شاركها.