تواجه إيران واحدة من أشد أزمات المياه في تاريخها الحديث، والتي دفعت الحكومة إلى إعلان عطلات طارئة، وإغلاق مؤسسات عامة ومدارس، حد التحذير من احتمال نفاد المياه في العاصمة.

الأزمة كشفت تحديات ناجمة، على ما يبدو، عن عقود من الإدارة المثيرة للجدل، وربما الإفراط في استغلال الموارد، ما دفع الجمهور إلى تحميل الحكومة المسؤولية في أكثر من مناسبة، واتهمها بمحدودية القدرة على الاستجابة للأزمات في ظل العقوبات الغربية والضغوط الاقتصادية والحروب الإقليمية.

وارتفعت درجات الحرارة هذا الصيف، في بعض المناطق إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وتزامن ذلك مع تراجع كميات الأمطار بنسبة 41% عن المعدل السنوي وفق ما ذكرته Tehran Times، ما أدّى إلى انخفاض حاد في مستويات خزانات المياه.

وأشارت صحيفة الجارديان اللندنية إلى أن بعض السدود الرئيسية مثل سد “كرج” وصلت إلى مستويات متدنية تاريخياً، فيما أظهرت صور أقمار صناعية نشرتها نيوزويك أن سد “لار” شرقي طهران انخفض إلى أقل من 10% من سعته البالغة 960 مليون متر مكعب.

وذكرت رويترز أن المسؤولين حذّروا من احتمال نفاد المياه في طهران، التي يقطنها نحو 13 مليون نسمة، في غضون أسابيع إذا لم يُخفَّض الاستهلاك بشكل كبير.

وردّت الحكومة بإعلان عطلة عامة يوم 23 يوليو في العاصمة وأكثر من عشر محافظات بهدف خفض الطلب، وأغلقت المدارس والمصانع والمكاتب الرسمية.

أزمة ممتدة منذ عقود

ليست أزمة المياه هذه، التي تواجهها إيران، وليدة اللحظة. فخبراء المياه حذّروا منذ عقدين من أن إيران تواجه ما يُعرف بـ”الإفلاس المائي”، حيث يتجاوز الاستهلاك الموارد المتاحة. فأكثر من 90% من المياه تذهب للزراعة، معظمها بأساليب ريّ تقليدية تستهلك كميات هائلة لمحاصيل مثل القمح والأرز والفستق.

لكن تزامن الجفاف لفترات ممتدة، مع الحرارة القصوى هذا العام، “زاد الطين بلة”، وجعل الدولة أكثر هشاشة.

وفي محافظات مثل أصفهان وخوزستان وسيستان وبلوشستان، تشهد الحقول جفافاً غير مسبوق، بينما تعاني مدن كثيرة من انقطاعات متكررة، ما دفع الكثير من المواطنين إلى الاعتماد المتكرر على صهاريج المياه وسط مخاوف السكان من معايير نظافة الصهاريج والصحة العامة لدى موزعيها.

عبء سياسي متزايد

الأزمة المائية بدت وكأنها باتت عبئاً سياسياً إضافياً على الحكومة، التي تواجه أصلاً معدلات تضخم مرتفعة، بطالة، وتراجعاً في عائدات النفط بفعل العقوبات.

صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أشارت إلى أن انقطاع المياه والكهرباء يقوّض ثقة المواطنين في دولة تُعد من أكبر منتجي الطاقة في العالم.

فقد تسببت أزمة مماثلة عام 2021 في احتجاجات واسعة بمحافظة خوزستان أسفرت في حينه عن ضحايا وجرحى.

وتحذر الآن وزارة الداخلية المحافظين من احتمال تجدد مظاهرات محلية إذا انقطعت المياه عن الأهالي لفترات طويلة.

وقال محلل سياسي إيراني في لندن إن “السلطات تتعامل مع الأزمة بوصفها تهديداً أمنياً، أكثر من كونها أزمة بنيوية تتطلب إصلاحات جذرية”، مضيفاً: “لكن هذا النهج يشتري وقتاً قصيراً فقط ويعمّق المشكلة”.

حلول مؤجلة

كثيراً ما تعلن الحكومة عن مشاريع تحلية لنقل المياه من الخليج إلى وسط البلاد، خصوصاً إلى “يزد” و”كرمان”، إلّا أن خبراء إيرانيين يجادلون الحكومة، بأن هذه المشاريع باهظة الكلفة، وتستهلك الطاقة في ظل أزمة طاقة، وغالباً ما تُخصَّص للصناعات الثقيلة أكثر من مياه الشرب.

في الوقت ذاته، أظهرت دراسة نُشِرَتْ في “الجارديان” أن الهبوط الأرضي في طهران نتيجة الاستنزاف الجوفي وصل إلى أكثر من 20 سنتيمتراً سنوياً في بعض المناطق، وهو تدهور قد يكون غير قابل للمعالجة.

معضلة قد لا تنتظر!

بالنسبة للملايين من الإيرانيين، الأزمة ليست نظرية بل واقعية: “صنابير جافة في أصفهان، مياه مقطوعة في أحياء طهران، وأراضٍ زراعية مهجورة في خوزستان”. أما بالنسبة للحكومة، فالمعضلة أوسع: “أزمة مياه تضاعف التحديات الأخرى من عقوبات وحرب وضغط شعبي متزايد”.

وقال خبير بيئي إيراني لـ”رويترز” إن “الخطر لا يكمن في ندرة المياه فحسب، بل في تآكل ثقة الجمهور عندما تعجز الدولة عن ضمان شيء أساسي مثل المياه”.

ومع اقتراب الخريف، تتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أمطاراً دون المعدل في معظم أنحاء الشرق الأوسط. ما يُنذر بأن تُقبِل إيران على موسم جفاف آخر، واختبار إضافي لقدرتها على الاحتمال، وتذكير موجع بأن أزمة المياه لم تعد أزمة مؤقتة.

شاركها.