تخطط إيران للبدء في زراعة خشخاش الأفيون بشكل قانوني، للاستخدام الطبي لأول مرة منذ عقود، بعد أن انقطعت إمداداتها الحالية من الأفيون في ظل الإجراءات الصارمة لحركة “طالبان” التي فرضت حظراً على زراعته في أفغانستان، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن شركات إيرانية مصنعة للمورفين والمواد الأفيونية الأخرى اعتمدت طيلة سنوات على مضبوطات المخدرات الأفغانية غير المشروعة. مع ذلك، فقد انخفضت الكميات المضبوطة منذ أن حظرت “طالبان” زراعة الخشخاش في عام 2022، حيث انخفضت من 750 طناً في عام 2021 إلى نحو 200 طن في العام الماضي، وفق تقديرات الحكومة.
وبينما تحذر إدارة الغذاء والدواء في إيران من أن استمرار نقص الإمدادات قد يعرض الصحة العامة للخطر، تهدف إيران الآن إلى إنتاج ما يكفي من الخشخاش لاستهلاكها الخاص.
وقال المتحدث باسم إدارة الغذاء والدواء، محمد هاشمي، لـ”فاينانشيال تايمز”: “زراعة (خشخاش الأفيون) القانونية ضرورية لضمان الاستدامة على المدى الطويل”.
وأضاف: “بدون زراعة قانونية أو واردات خاضعة للرقابة، ربما تواجه البلاد مشكلات في تأمين الأدوية الحيوية مثل المورفين والكوديين والبيثيدين”.
وقال مسؤولون إن الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، قد وقع شخصياً على دعوة وزارة الصحة لاستئناف زراعة الخشخاش.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، هذا الشهر: “نظراً لصعوبات الاستيراد في ظل العقوبات، فقد تقرر الاعتماد على الإنتاج المحلي المنظم”.
صعوبات أمام الاستيراد
يقول خبراء إن البلاد تحتاج إلى 500 طن من الأفيون للتصنيع الطبي سنوياً، لكن العقوبات تجعل من الصعب استيراد هذا المخدر. وعلى الرغم من أن الدواء معفى من الناحية الفنية من العقوبات الأميركية، لكن القيود المصرفية التي تفرضها واشنطن تتسبب في تأخير وتعطيلات.
وأضاف هاشمي: “هذه التعقيدات تُظهر أهمية الزراعة المحلية القانونية”، مشيراً إلى أن إيران ستحصل على تصريح من الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة. والجدول الزمني لبدء الزراعة يعتمد على الإجراءات القانونية والتصاريح.
من جانبه، قال سعيد صفاتيان، وهو مسؤول سابق باللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في إيران، والذي عمل لأول مرة على خطة زراعة قانونية قبل أكثر من عقدين، إن مناخ إيران مناسب تماماً لزراعة الخشخاش.
وأضاف صفاتيان: “خشخاش الأفيون مناسب لإيران لأنه يتطلب رياً قليلاً نسبياً. وبالتالي، يمكن لإيران تلبية احتياجاتها المحلية وتوسيع نطاق صادراتها بإشراف الأمم المتحدة وتنسيقها. العالم بحاجة إلى المورفين”.
وتابع: “في أحد الجوانب، تحد إيران أفغانستان، أكبر منتج للمخدرات في العالم، ومن الجانب الآخر تحدها العراق، حيث تتزايد زراعة القنب. إحصاءات الأمم المتحدة تُظهر أن الكبتاجون – الذي كان يُنتج بشكل رئيسي في سوريا – يتوسع الآن في العراق. وهذا تحدٍ لا يمكن لإيران تجاهله”.
وتتخذ طهران نهجاً متشدداً تجاه الاتجار بالمخدرات وتعاطيها. وقالت منظمة العفو الدولية في العام الماضي، إن “أكثر من نصف الأشخاص الـ850” الذين أُعدموا في إيران في عام 2023 واجهوا تهماً تتعلق بالمخدرات.
وصادرت إيران 90% من الأفيون الذي تمت مصادرته في جميع أنحاء العالم في عام 2019، وفقاً للأمم المتحدة. وغالباً ما تنشر شرطة مكافحة المخدرات لقطات مصورة تُظهر إضرام النار في شحنات مخدرات ضخمة.
حظر زراعة الخشخاش في أفغانستان
وأشارت “فايننشيال تايمز”، إلى أن تسبب حظر طالبان لزراعة الخشخاش في مشكلة في باكستان المجاورة، التي أصبحت واحدة من أكبر منتجي الأفيون غير المشروع في العالم. وتحاول الدولة الآن جاهدة تدمير المزارع التي ظهرت قرب الحدود الأفغانية، وتساعد في تمويل الجماعات المسلحة.
أما في إيران، فقد حظرت البلاد إنتاج الأفيون منذ “الثورة الإسلامية” في عام 1979، التي أنهت بعدها السلطات برنامج زراعة الخشخاش الذي كان الشاه السابق محمد رضا بهلوي بدأه منذ عقد. وسرعان ما أصبحت إيران معبراً للمخدرات المهربة القادمة من أفغانستان، والموجهة إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
ولطالما كان تعاطي المخدرات المحلي مشكلة في إيران، التي أعلنت الأمم المتحدة أنها أكبر مستهلك للأفيون في العالم في عام 2010.
والبيانات الحديثة عن مستويات الإدمان نادرة، ولكن في عام 2015، أشارت تقديرات حكومية إلى أن عدد متعاطي المخدرات بانتظام، ولأغراض الترفيه بلغ 4.4 مليون شخص.
وبلغت تكلفة الأفيون نحو 100 دولار للكيلو الواحد في أفغانستان قبل الحظر، لكنها ارتفعت إلى نحو 730 دولاراً للكيلو في النصف الأول من عام 2024، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
ويخشى صانعو السياسة الإيرانيون من أن ارتفاع تكلفة المواد الأفيونية، إلى جانب التضخم ومشكلات العملة، ربما تدفع المتعاطين ذوي الدخل المنخفض إلى تعاطي مخدرات اصطناعية أرخص، مثل الميثامفيتامينات.