طلبت إيران من الصين آلاف الأطنان من المواد الأساسية اللازمة لتصنيع الصواريخ الباليستية، في خطوة تهدف إلى إعادة بناء قدراتها العسكرية، وذلك في الوقت الذي تناقش فيه مستقبل برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، حسبما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مطلعة.
بحسب المصادر، من المتوقع أن تصل شحنات من مادة “بيركلورات الأمونيوم” (مؤكسد قوي يُستخدم في وقود الصواريخ الصلب والمتفجرات) إلى إيران خلال الأشهر المقبلة، والتي قد تُستخدم لتشغيل مئات الصواريخ الباليستية.
ويرجح أحد المصادر إرسال بعض هذه المواد إلى تنظيمات مسلحة موالية لطهران في المنطقة، بما في ذلك جماعة الحوثيين باليمن.
وذكرت الصحيفة أن إيران تسعى إلى دعم قدرات حلفائها الإقليميين، بالتوازي مع إعادة بناء ترسانتها العسكرية، فيما تتعمق التوترات بالمحادثات الجارية مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن برنامجها النووي.
وأضافت أن طهران تواصل توسيع مخزونها من اليورانيوم المُخصَّب إلى مستويات تقترب من تلك المطلوبة لتصنيع الأسلحة النووية، مع رفضها التفاوض على إدراج أي قيود على برنامجها الصاروخي.
عنصر محوري
وأفادت الصحيفة أن شركة Pishgaman Tejarat Rafi Novin الإيرانية تقدمت بطلب لاستيراد مكونات الصواريخ من شركة Lion Commodities Holdings Ltd، ومقرها هونج كونج، خلال الأشهر الماضية.
ولم يرد مدير الشركة الصينية، نيلسون باربا، على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، وكذلك بعثة طهران لدى الأمم المتحدة، فيما تعذّر التواصل مع الشركة الإيرانية.
من جانبه، صرَّح متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن بكين ليست على عِلم بهذه الصفقة، مؤكداً أن “الصين تطبّق رقابة صارمة على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري)، وفقاً لقوانين ولوائح مراقبة الصادرات الصينية والتزاماتها الدولية”.
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن إيران نقلت مؤخراً صواريخ باليستية إلى تنظيمات مسلحة في العراق سبق لها استهداف القوات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، لم تكشف عن هوياتهم، قولهم إن إيران تمتلك أحد أكبر برامج الصواريخ الباليستية في المنطقة، مشيرين إلى أن مادة “بيركلورات الأمونيوم” تعد عنصراً محورياً في تصنيع وقود الصواريخ الصلب، الذي يستخدم في أكثر الصواريخ الباليستية الإيرانية فعالية.
تحميل ألف طن
وأوضحت الصحيفة أن سفينتين إيرانيتين رستا في الصين في وقت سابق من هذا العام، حيث تم تحميلهما بأكثر من 1000 طن من “بيركلورات الصوديوم”، وهي مادة أولية تُستخدم لإنتاج “بيركلورات الأمونيوم”، مضيفة أنه تم تسليم هذه الشحنات إلى الموانئ الإيرانية في منتصف فبراير وأواخر مارس، بحسب بيانات تتبع حركة الشحن.
ووفقاً لمسؤولين، فإن هذه الكمية من “بيروكلورات الصوديوم” كافية لتزويد نحو 260 صاروخاً قصير المدى بالوقود.
أما الصفقة الأحدث والأكبر المتعلقة بمادة “بيركلورات الأمونيوم”، فيُقدَّر أنها تكفي لإنتاج حوالي 800 صاروخ، بحسب أحد المسؤولين الذين تحدثوا إلى الصحيفة، والذي أشار إلى أن الاتفاق تم توقيعه قبل عدة أشهر، ومن المحتمل أنه سبق إعلان ترمب في مارس عن رغبته في إجراء محادثات نووية مباشرة مع المرشد الإيراني علي خامنئي.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات في 29 أبريل على 6 أفراد و6 كيانات في كل من إيران والصين، لدورهم في “شراء مكونات تدخل في تصنيع وقود الصواريخ الباليستية”، بما في ذلك بيركلورات الصوديوم، لصالح الحرس الثوري الإيراني. وبعد أسبوعين، تمت إضافة عقوبات على شركات وأفراد آخرين من الصين وهونج كونج لدورهم في “دعم صناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية”.
وفي مايو، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية مادة “بيركلورات الصوديوم” ضمن قائمة المواد التي تقول إنها تُستخدم في برامج إيران العسكرية أو النووية أو برامج الصواريخ الباليستية.
دعم صيني
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الوزارة الأميركية قوله: “لقد قدمت كيانات وأفراد صينيون الدعم لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إلى جانب دعمهم جهود الحوثيين في تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة، ولذا فإننا مستمرون في تحديد هويتهم ومعاقبتهم”.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل ألحقت ضرراً بالغاً بقدرة إيران على إنتاج صواريخ جديدة تعمل بالوقود الصلب في أكتوبر الماضي، وذلك بعد تدميرها نحو 12 خلاطاً تُستخدم لخلط مكونات الصواريخ. ونقلت عن أحد المسؤولين قوله إن طهران بدأت في إصلاح تلك الأجهزة، مضيفاً أن هذا يعني أن جزءاً كبيراً من المواد المستوردة من الصين قد يبقى داخل إيران، فيما يُرجَّح أن يتم إرسال بعضها إلى جماعات مسلحة مثل الحوثيين.
كما نقلت الصحيفة عن فابيان هينز، المحلل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله إن إيران ربما تحتاج إلى استيراد المواد من الخارج لتفادي الاختناقات في قدراتها الإنتاجية المحلية.
وحذرت الصحيفة من مخاطر تخزين هذه المواد القابلة للاشتعال، مشيرة إلى انفجار وقع في أبريل بميناء “الشهيد رجائي”، أحد أهم الموانئ التجارية في إيران، ما أودى بحياة العشرات، بحسب وسائل الإعلام الرسمية.
وأفادت التقارير بأن الانفجار نجم عن سوء تعامل وحدة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني مع مواد متفجرة. وأشار أحد المسؤولين إلى فقدان جزء من شحنة “بيركلورات الصوديوم” المستوردة من الصين في هذا الانفجار.
واختتم هينز تصريحاته بالقول: “هذه المواد تمثل خطراً بالغاً من حيث قابلية الاشتعال والانفجار، والمجمع الصناعي الدفاعي الإيراني لا يتمتع بسجل جيد فيما يتعلق بالالتزام بمعايير السلامة”.
وأوردت الصحيفة أن سلطات الجمارك الإيرانية أصدرت الشهر الماضي تعليمات بتسريع إجراءات تخليص مواد خطرة عبر المنافذ الجمركية.