قال مسؤولون إيرانيون، إن طهران مستعدة لتقليص مستوى تخصيب اليورانيوم بشكل كبير لتفادي إعادة فرض العقوبات الأممية من جانب بريطانيا، وفق صحيفة “تليجراف” البريطانية.
وأوضح المسؤولون، الأحد، أن طهران أبدت استعدادها لتخفيف موقفها المتشدد في الملف النووي، بهدف تجنّب ضربات عسكرية إضافية من إسرائيل والولايات المتحدة.
ويقود علي لاريجاني، الذي عُيّن مؤخراً أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، جهوداً لإقناع النظام في طهران بخفض نسبة التخصيب إلى 20%، نزولاً من المستوى الحالي البالغ 60%، وفقاً للصحيفة.
ويقترب مستوى التخصيب الحالي من النسبة البالغة نحو 90%، وهي الحد المطلوب لصناعة أسلحة نووية، ما أثار قلقاً دولياً متزايداً حيال طموحات إيران النووية.
وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد هددت بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية المشددة، التي رُفعت في عام 2015، ما لم تبدأ طهران مفاوضات لاستئناف المحادثات النووي قبل نهاية أغسطس 2025.
ويشار إلى أن بند “العودة التلقائية للعقوبات” في الاتفاق النووي المُبرَم عام 2015 تنتهي صلاحيته في أكتوبر المقبل، ما يزيد من الضغوط على الدول الأوروبية للتحرّك بسرعة قبل أن تفقد هذه الأداة الحيوية للضغط على النظام الإيراني.
وبموجب هذا البند، يحق لأي طرف في الاتفاق إعلان إيران في حالة انتهاك، ما يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية بشكل تلقائي، أما بعد انتهاء صلاحية هذا البند، فستحتاج أي عقوبات جديدة إلى موافقة الأمم المتحدة، وهو ما قد تعرقله الصين أو روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو).
ومنح الاتفاق النووي الإيراني المعروف رسمياً بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” طهران انفراجة اقتصادية كبيرة بعد نحو عقد من القيود التجارية والمصرفية، مقابل فرض قيود على برنامجها لتخصيب اليورانيوم، تمنعها من تطوير أسلحة نووية.
“تراجع كبير”
واعتبرت “تليجراف” أن العودة المحتملة لإيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ستُشكّل تراجعاً كبيراً مقارنة بمستوى التخصيب الحالي، لكنها تظل أعلى بكثير من الحد المسموح به في اتفاق 2015، والبالغ 3.67%.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إيراني رفيع قوله: “يحاول لاريجاني إقناع النظام بخفض مستوى التخصيب لتجنّب حرب جديدة”، مضيفاً أن لاريجاني يشعر بالقلق من أن عدم خفض مستوى التخصيب أو عدم تلبية بعض مطالب الغرب قد يعرّض النظام لتحدٍ كبير آخر.
وأكد المسؤول أن لاريجاني يسعى لخفض مستوى التخصيب إلى 20%، لكنه يواجه معارضة داخلية، خصوصاً من الحرس الثوري الإيراني، غير أن القيادة العليا في النظام، بحسب قوله، تبدو مستعدة للامتثال وإعادة الانخراط مع القوى الغربية.
وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد أعاد تعيين لاريجاني، البالغ من العمر 68 عاماً، في المنصب الذي سبق له أن شغله خلال الفترة بين سبتمبر 2005 وأكتوبر 2007، وخلال هذه الفترة، كان لاريجاني أحد ممثلي المرشد الإيراني علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، وقاد مفاوضات إيران النووية مع القوى العالمية، وفي أقل من 6 أشهر من توليه المنصب لأول مرة، أحالت لجنة حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف البرنامج النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأضافت الصحيفة أنه مع عودة لاريجاني إلى هذا المنصب، تستعد نفس الدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لإحالة ملف البرنامج النووي الإيراني مجدداً إلى مجلس الأمن في حال تعثرت الجهود الدبلوماسية.
وأجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الجمعة، اتصالاً هاتفياً مع نظرائه في الدول الأوروبية الثلاث لمناقشة سبل تفادي إعادة فرض العقوبات الأممية، وتم الاتفاق على عقد لقاء خلال الأسبوع المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن القلق الأوروبي تصاعد بعدما أوقفت طهران جميع أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عقب الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، ما زاد من حالة التعتيم على تطورات البرنامج النووي الإيراني ومخزون البلاد من اليورانيوم.
وفي أعقاب الاتصال الهاتفي، الجمعة، صدر بيان عن عراقجي انتقد فيه “الأهلية القانونية والأخلاقية” للدول الأوروبية التي تهدد بفرض العقوبات على طهران، لكنه أكد على استمرار المسار الدبلوماسي.
وقالت الصحيفة إن الضغط الداخلي على القيادة الإيرانية يُبرز وجود انقسامات داخل النظام بشأن كيفية التعامل مع الغرب، مشيرة إلى أن خامنئي، البالغ من العمر 86 عاماً، يواجه ضغوطاً متزايدة من داخل صفوفه للاختيار بين الاستمرار في الطموحات النووية أو الحفاظ على بقاء النظام.
ودعا الائتلاف الإصلاحي في البلاد إلى تعليق تخصيب اليورانيوم مقابل رفع العقوبات الأميركية، إلى جانب المطالبة بإصلاحات داخلية، في حين اتهم التيار المتشدد الإصلاحيين بـ”الوقوف في صف العدو”.
وفي مؤتمر صحافي هذا الشهر، فجّر الرئيس الإيراني أزمة سياسية بتصريحات قالت الصحيفة إنها أعاقت جهوداً دبلوماسية استمرت لشهور، وكشفت عن انقسامات داخل القيادة. إذ قال بزشكيان: “إذا لم نتفاوض، فماذا نفعل؟ هل تريدون القتال؟ يضربوننا فنُعيد البناء، ثم يضربوننا مجدداً”.
وأثارت هذه التصريحات ردود فعل غاضبة، إذ شكك مسؤولو الحرس الثوري الإيراني في حُكمه، واتهمته الصحف المحافظة بالضعف، فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات لعزله بحسب “تليجراف”.
“إظهار الجاهزية العسكرية”
وفي غضون ذلك، أجرى الجيش الإيراني مناورات صاروخية باليستية، في رسالة يُعتقد أنها تهدف لإظهار الجاهزية العسكرية وسط تصاعد التوترات الدبلوماسية.
وأكد اللواء رحيم صفوي، كبير مستشاري خامنئي، على موقف طهران العسكري في تصريحات حديثة، قائلاً: “نحن الآن في حالة حرب، وقد ينهار هذا الوضع في أي لحظة”.
وأضاف أن المسؤولين العسكريين الإيرانيين يؤمنون بأن “مَن يريد السلام، عليه أن يستعد للحرب، وأفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم”.
وأشارت الصحيفة إلى أن نهج لاريجاني الدبلوماسي الحالي يعكس تحوّلاً عن موقفه المتشدد السابق، ففي أكتوبر 2003، وبعد زيارة 3 وزراء خارجية أوروبيين إلى طهران، وافق الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني على تعليق تخصيب اليورانيوم بشكل مؤقت، وهو ما عارضه لاريجاني آنذاك، حينما كان رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، حيث قال: “لقد قدمت إيران لؤلؤة، وتلقت بالمقابل حلوى من الغرب”.
ونقلت الصحيفة عن أستاذ في العلوم السياسية بإحدى الجامعات القريبة من طهران، لم تكشف عن هويته، قوله إن النظام الإيراني يمر بمنعطف حاسم، ممزقاً بين الرغبة في إرضاء أنصاره داخلياً والانخراط مع الغرب.
وأضاف: “هذا أمر صعب، إذ لم يتمكنوا أبداً من تحقيق الأمرين معاً، والآن أصبح الوضع أكثر صعوبة”.
وتابع: “يعتقد الكثيرون أن الانفتاح على الغرب يُعد بمثابة ضربة استباقية ضدنا، لكن الواقع هو أنهم لا يملكون خياراً آخر سوى إيجاد طريقة للبقاء، وقد يشمل ذلك خفض مستوى التخصيب، حتى وإن كان فقط لكسب الوقت”.
وأشار إلى أنه “في السابق، كانوا يسعون للتقدّم، أما الآن فهم يحاولون فقط العودة إلى ما كانوا عليه قبل الضربات الأميركية”.
واختتمت “التليجراف” تقريرها بالإشارة إلى أن الحسابات السياسية داخل إيران باتت أكثر تعقيداً، في ظل قناعة التيارات المتشددة بأن أي تنازل للغرب يُعد استسلاماً، في حين ترى الأصوات البراجماتية أن مواصلة التحدي قد يؤدي إلى انهيار النظام.