خطيب بدلة

المزاج الشعبي، المعادي لإسرائيل، تغير، خلال السنوات الأخيرة، إلى حد كبير.. يا ترى، هل هذا الأمر مرحلي، أم دائم؟ في اعتقادي أنه مرحلي، مرتبط بالظروف الكارثية التي مرت بها بلادنا. ففي سنوات الاستقرار الطويلة، كان مزاج القسم الأكبر من الشعب السوري، مستقرًا حول قناعة شبه ثابتة، ملخصها أن العدو الأكبر، والأخطر، والأوحد، لشعبنا، هو إسرائيل.

ولكن، ومع انطلاق شرارة الثورة، أو الانتفاضة السورية، بدأت التوازنات، والحسابات، والأمزجة، تتغير، وبدأ شعبنا الطيب، الغلبان، يكتشف أن له أعداء خطيرين، كثيرين، آخرين، لم يكونوا في الحسبان، وصار الشغل الشاغل، للثائرين من أبناء الشعب السوري، إجراء مقارنات موجعة، بين عدد السوريين الذين قتلهم الإسرائيليون، في الحروب السابقة كلها، وبين الأعداد الهائلة التي سقطت على يد قوات نظام الأسد، واكتشفوا، ويا للهول، أن القتلى على يد إسرائيل أقل عددًا، وكلهم من العسكريين المقاتلين على الجبهات، بينما معظم الأشخاص الذين أرداهم نظام الأسد، كانوا من المدنيين.

صارت هذه الشريحة الواسعة من الشعب، تصنف نظام الأسد في المرتبة الأولى بين أعدائها، وفي الأيام الأولى لانطلاق الثورة، أو الانتفاضة، تسربت أخبار كثيرة، عن مشاركة قوات إيرانية، إلى جانب قوات النظام في قمع الثورة، وبقيت هذه الأخبار غامضة بعض الشيء، حتى وصلنا إلى سنة 2012، حيث بدأت الأمور تنجلي، بدخول قوات “حزب الله”، التابعة لإيران، علنًا، وجهارًا، وبطريقة استعراضية، لقتال الثائرين (المنتفضين)، بعدما أطلق عليهم حسن نصر الله، صفة “التكفيريين”، وكانت هذه صدمة كبيرة لجمهور عريض كان يؤيد “حزب الله”، ويهتف له، ويحمل صور أمينه العام، وفي الأعراس، خلال تقديم التحيات للمطرب، كانوا يحيون حسن نصر الله، بلقبه “قائد المقاومة”، وما كلمة مقاومة سوى ذلك التعبير المستقر في الأذهان، والوجدان، عن مواجهة العدو الثابت، الأزلي، إسرائيل.

بدأت أسهم العداء لإسرائيل تنخفض، وأسهم التصالح معها، والامتنان لها، ترتفع عندما وسعت حربها التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى”، وبدأت تغتال قادة “الحرس الثوري الإيراني”، في سوريا ولبنان، ثم بدأت بتحطيم كبرياء “حزب الله”، وتصفية قادته واحدًا تلو الآخر، وبلغ توزيع الشعيبيات والبقلاوة أوجه يوم اغتيال حسن نصر الله.. وحتى موقف هذا الشعب الغلبان، المؤيد لـ”حماس”، بوصفها حركة مقاومة إسلامية (سنية)، بدأ يتغير، ولا سيما بعد انتشار فيديو لأحد قادتها، وهو يشيد بقائد “الحرس الثوري الإيراني”، قاسم سليماني، معتبرًا إياه شهيد القدس.

أحاول، أنا محسوبكم، أن أزن كلماتي هذه، عن العدو الأزلي إسرائيل، بميزان الذهب، نظرًا لحساسية تناول هذا الأمر، ولكنني رأيت مزاج قسم كبير من الشعب السوري، تجاه إسرائيل، قد حقق قفزة نوعية، بعد وصول “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة، في أواخر سنة 2024، فخلال مسيرة قوات “ردع العدوان” نحو دمشق، كان بإمكان الطيران الإسرائيلي إبادتها، ولكنه لم يفعل، وبعد وصولهم إلى السلطة، أغارت إسرائيل على مراكز الجيش السوري، فدمرتها، بالكامل، وتجلت الغطرسة، أو العربدة الإسرائيلية، بوصفها حقيقة واقعة، فبدت مهادنة إسرائيل، اليوم، اضطرارية، وتحولت فكرة مواجهتها عسكريًا، إلى فكرة خيالية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.