– بيسان خلف
أربعة أشهر مرت على الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، في آذار الماضي، ولم تتضح ملامح آلية تنفيذ الاتفاق، وسط مخاوف من تعثر بنود الاتفاقية.
وتتصاعد المخاوف من فشل الاتفاق، مع تصعيد الخطاب على وسائل الإعلام الرسمية التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، وللحكومة السورية، وحملات الاعتقال، التي كان آخرها اعتقال الصحفي والكاتب حسن ظاظا، عضو المجلس العام لاتحاد الإعلام الحر في شمال شرقي سوريا، والانتهاكات التي يرتكبها عناصر من “قسد” في دير الزور، وفقًا لرصد أجراه مراسل هناك.
وخلال مؤتمر صحفي حضرته، قال محافظ دير الزور، غسان السيد أحمد، إنه يوجد في دير الزور ثلاث فرق عسكرية جاهزة ومستنفرة لأي عدوان من قبل “قسد”، وفي حال فشل التفاوض مع “قسد”، فإن الفرق العسكرية جاهزة لعمل عسكري.
في حين أعرب حزب “الاتحاد الديمقراطي” في “الإدارة الذاتية”، في بيان نشره مطلع تموز الحالي، عن قلقه إزاء ما وصفه بـ”التصعيد الأمني الخطير” في العاصمة دمشق، من حملات اعتقالات طالت ناشطين كردًا في حي ركن الدين، ووادي المشاريع، منها اعتقال عبد الرحمن فرحان الناشط في حزب “الاتحاد الديمقراطي”.
حاولت التواصل مع رئيس جهاز الاستخبارات السورية للسؤال عن مصير الاتفاق، وما إذا كان هناك تعثر في تنفيذ بنوده، ولم تتلقَّ إجابة حتى كتابة هذا التقرير.
وجهات نظر متباعدة
حول مصير الاتفاق في ظل تأخر تنفيذ بنوده، قال المحلل السياسي حسن النيفي، ل، إن اتفاق 10 من آذار بين الحكومة السورية و”قسد”، أُبرم ليس نتيجة لتوافق كامل في وجهات النظر بين الطرفين، بل نتيجة لدفع دولي، وتحديدًا أمريكي– فرنسي، ما يجسد رغبة المجتمع الدولي في إيجاد مخرج مناسب لكيان “قسد”.
وأضاف أن الأطراف الدولية ارتأت أن اندماج “قسد” في الدولة السورية من شأنه أن يُجنب سوريا الانقسام والتشظي من جهة، وكذلك يحفظ اعتبارًا معنويًا لـ”قسد” من جهة أخرى، ولذلك جاء الاتفاق حول بنود عريضة تجسّد أهدافًا عامة، ولكن الدخول في التفاصيل سينطوي على عقبات كثيرة، وهذا ما حدث بالفعل.
وجهات النظر بين “قسد” والحكومة لا تزال متباعدة لسببين رئيسين، بحسب النيفي، أولهما تمسك “قسد” بهيكلها العسكري حيال اندماجها بوزارة الدفاع السورية، فضلًا عن مطلبها الحفاظ على تموضعها في المناطق التي تسيطر عليها للحفاظ على جميع المكاسب التي بيدها.
كما أن توجه “قسد” المطالب بلامركزية سياسية ترى فيها الحكومة السورية تمهيدًا لإنشاء كيان كردي خارج إطار الدولة السورية، وهذا ما لا توافق عليه الحكومة المركزية في دمشق.
وأوضح النيفي أن الخلافات تنامت بعد صدور الوثيقة عن مؤتمر القوى الكردية الذي انعقد في القامشلي في نيسان الماضي، إذ إن الوثيقة تحمل سقفًا عاليًا من المطالب من وجهة نظر حكومة دمشق، وعلى إثر ذلك برزت ردود فعل من الطرفين تؤكد عمق الخلافات.
المؤشرات الراهنة تؤكد رغبة الحكومة السورية بتحاشي صدام مسلح مع “قسد”، وهناك رغبة في المضي نحو الحوار بغية الوصول إلى حلول ترضي الطرفين، ولكن من غير المعروف كم ستصمد هذه الاستراتيجية، واللجوء للحل العسكري سيكون الخيار الأخير للحكومة السورية، لكنه مشروط بموافقة إقليمية ودولية، وخاصة من الجانب الأمريكي الذي لا يزال يجسد مظلة عسكرية لـ”قسد”، وفقًا للنيفي.
الاتفاق يتجه نحو الانهيار
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، يرى أن عامل الوقت هو مؤشر سلبي على مصير الاتفاق الذي تتناقص فرص تنفيذه، ونظريًا لا يزال الاتفاق قائمًا بين الطرفين، لكنه يتوجه بشكل متسارع نحو الانهيار الذي سيدفع باتجاه دخول الطرفين في نزاع عسكري سيستلزم غالبًا تدخل أطراف دولية لإنهائه.
وقال شواخ خلال حديثه ل، إن التغير في طريقة التعاطي الإعلامي والأمني والسياسي من جانب الحكومة السورية مع ملف “قسد”، جاء كرد فعل على طريقة تفاعل “قسد” السلبية وتعطيلها لتنفيذ بنود الاتفاق، الأمر الذي يؤكد احتمالية توجه الطرفين لاقتتال عسكري.
وأضاف أن جميع المشاريع والتصريحات الصادرة عن “الإدارة الذاتية” أو “مجلس سوريا الديمقراطية أو حزب “الاتحاد الديمقراطي” بعد توقيع الاتفاق لا تحظى بأي دعم أو غطاء شرعي محلي أو دولي، لأن معظمها تتعارض مع بنود الاتفاق الذي تم توقيعه بدعم وتوافق دولي.
مطالب “قسد” ورؤيتها لمستقبل سوريا ورغبة جميع الأطراف بتمرير الاتفاق وتنفيذه بوقته المحدد قد تخلق هامشًا محدودًا للتفاوض بين “الإدارة الذاتية” والحكومة السورية، لإجراء تعديلات محدودة في سوريا الجديدة دون المساس بشكل الدولة أو نظام الحكم الجديد، وفقًا لشواخ.
ومن المرجح أن تشهد مناطق الجزيرة السورية تصعيدًا أمنيًا أو عسكريًا، كدرجة ثانية من التصعيد الإعلامي، لكن سيبقى العمل العسكري محدودًا ضمن مناطق خطوط الاشتباك الواقعة على طول نهر الفرات، بهدف الضغط على “قسد” أو الأطراف المعطلة للاتفاق ضمن مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، بحسب شواخ.
تصعيد من أجل الضغط
يرى الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، أن مصير الاتفاق مرتبط بما تم الاتفاق عليه من قبل الطرفين، ولن تتم الاستجابة للاتفاق بشكل كامل، لكن ستصل الأطراف إلى حل وسط، إذ إن هناك خطوطًا عامة يجب تحقيقها، كسيطرة الحكومة على كامل الجغرافيا السورية، أما باقي الخلافات فهي “تكتيكية وبسيطة” كإدارة المنطقة التي توجد فيها “قسد” وإشراكها في مؤسسات الدولة.
ويعتقد علاوي، خلال حديثه ل، أن الخطوة المقبلة هي التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي للضغط من أجل تحقيق ما تم الاتفاق عليه، ورفع الحمولة السياسية والعسكرية بهدف الضغط على “قسد”.
وقال إن هناك تعثرًا بالاتفاق، ولكنها أساليب ضغط من كلا الطرفين، كما أن الاقتتال مرتبط بالموقف الأمريكي، ففي حال انسحبت القوات الأمريكية بشكل عشوائي قبل ترتيب المنطقة، ربما نشهد اقتتالًا، ولكن بالعموم كلا الطرفين لا يريدان الاتجاه نحو الاقتتال، وفي الوقت ذاته يريدان تحقيق مكاسب قبل الوصول إلى الاتفاق النهائي.
على ماذا ينص الاتفاق
خلال اللقاء الذي جرى في 10 من آذار الماضي، بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، تم الاتفاق على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
بحسب بنود الاتفاق، فالمجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية.
وجرى الاتفاق على وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
واتفق الرئيس السوري مع مظلوم عبدي على ضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، بالإضافة إلى دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وجميع التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها.
ووفق نص الاتفاق الذي جاء في ثمانية بنود، نشرتها “رئاسة الجمهورية العربية السورية” عبر معرفاتها، تم الاتفاق على رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كل مكونات المجتمع السوري.
وتعمل وتنسق اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
المصدر: عنب بلدي