دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الأحد، مرحلة اختبار جدي بعد تصعيد إسرائيلي مفاجئ في مدينة رفح جنوب القطاع، في وقت تحدثت تقارير عن ضغوط أميركية مكثفة لاحتواء الموقف ودفع تل أبيب إلى التراجع عن سلسلة قرارات، من بينها إغلاق المعابر ووقف دخول المساعدات الإنسانية.

وأعلنت إسرائيل، مساء الأحد، إعادة تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عقب غارات جوية مكثفة استهدفت مناطق عدة في القطاع، وسط اتهامات متبادلة بين تل أبيب وحركة “حماس” بخرق الاتفاق.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في بيان، إنه “بناءً على توجيهات المستوى السياسي، وبعد تنفيذ سلسلة غارات دقيقة، بدأنا إعادة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بعد أن تم خرقه من قبل حماس”.

وأضاف أدرعي: “سنواصل تطبيق اتفاق وقف النار، وسنرد بقوة شديدة على أي خرق له”.

كيف بدأت الأحداث؟

بدأت القصة عندما أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه شن غارات جوية ومدفعية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة لإزالة ما وصفه بـ”تهديدات”، فيما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر عسكري قوله إن أكثر من 20 هدفاً في رفح تم استهدافها منذ ساعات الصباح.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن “حماس ستتعلم اليوم بطريقة قاسية أن الجيش مصمم على حماية جنوده ومنع أي أذى لهم”، على حد تعبيره.

وأضاف كاتس أنه أصدر تعليمات للجيش بالتحرك بقوة ضد أهداف تابعة لـ”حماس” في غزة، محذراً الحركة من أنها “ستدفع ثمناً باهظاً عن أي إطلاق نار أو خرق لوقف إطلاق النار”، وفق تصريحه.

لماذا بدأت إسرائيل هذه الهجمات؟

زعم الجيش الإسرائيلي أن “مسلحين أطلقوا صواريخ مضادة للدبابات وفتحوا النار على قوات إسرائيلية عاملة في منطقة رفح، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار”، معتبراً أن “إطلاق النار على القوات الإسرائيلية يشكل خرقاً فاضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار”.

واتهم الجيش الإسرائيلي “حماس” بتنفيذ “هجمات متعددة ضد القوات الإسرائيلية خارج المنطقة العازلة المعروفة باسم الخط الأصفر”، شملت “إطلاق قذيفة صاروخية ونيران قناصة”.

وفي بيان لاحق، أعلن الجيش الإسرائيلي قتل ضابط وجندي إسرائيليين خلال معارك في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

ويشير مصطلح “الخط الأصفر” إلى الخط الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية في 10 أكتوبر الجاري وذلك بموجب بنود اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، والذي يشمل نحو 53% من مساحة القطاع، ومعظمها تقع خارج المناطق السكنية.

كيف ردت “حماس”؟

نفت “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” علمها بالأحدث التي دارت في رفح، وقالت: “لا علم لها بأي أحداث أو اشتباكات تجري في منطقة رفح”، موضحة أن “تلك مناطق حمراء تقع تحت سيطرة الاحتلال، وقد انقطع الاتصال بما تبقّى من مجموعاتنا هناك منذ استئناف الحرب في مارس من العام الجاري، ولا نملك معلومات حول ما إذا كانوا قد استشهدوا أم ما زالوا على قيد الحياة منذ ذلك الحين”.

وأضافت الكتائب: “بناءً على ذلك، لا علاقة لنا بأي أحداث تقع في تلك المناطق، ولا يمكننا التواصل مع أي من أفرادنا هناك إن كان لا يزال أحدهم على قيد الحياة”.

من جانبه، أكد القيادي في حركة “حماس” عزت الرشق التزام الحركة باتفاق وقف إطلاق النار، متهماً إسرائيل بـ”مواصلة خرق الاتفاق، واختلاق الذرائع الواهية لتبرير جرائمها”.

وبالتزامن مع هذه الأحداث، أعلنت الحركة وصول وفد برئاسة خليل الحية إلى العاصمة المصرية القاهرة لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع الوسطاء والفصائل والقوى الفلسطينية. 

ما أبرز القرارات التي اتُخذت عقب التصعيد؟

قررت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إغلاق المعابر في قطاع غزة ووقف إدخال المساعدات الإنسانية، فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن القيادة السياسية قررت تعليق دخول المساعدات “حتى إشعار آخر”.

ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر سياسي زعمه أن القرار “ليس رداً على خرق حماس لاتفاق وقف إطلاق النار، بل نتيجة القصف الواسع وسقوط عشرات القتلى في صفوف الحركة”.

وأضاف المصدر أن “معبر رفح لن يُفتح إلا عندما تواصل حماس إعادة جثث المحتجزين بوتيرة معقولة”، في إشارة إلى الترتيبات الجارية لتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم الأسبوع الماضي.

هل ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل للعودة إلى الاتفاق؟

نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول أميركي قوله إن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس دونالد ترمب، جاريد كوشنر، أجريا اتصالاً مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومسؤولين آخرين، لبحث التنسيق والخطوات المقبلة.

وذكر المسؤول الأميركي أن واشنطن حثّت تل أبيب على “الرد بشكل متناسب، مع إبداء ضبط النفس”.

وفي وقت لاحق، نقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إدارة ترمب مارست ضغوطاً على إسرائيل لدفعها إلى التراجع عن قراراتها الأخيرة، ومنها إغلاق معابر قطاع غزة.

وأضاف المسؤولون أنه بموجب ذلك، سيتم إعادة فتح المعابر واستئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة صباح الاثنين بالتوقيت المحلي.

كما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر سياسية إسرائيلية أن الولايات المتحدة ضغطت على تل أبيب لاستئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

كم بلغ عدد القتلى والمصابين لدى الجانبين؟

وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز” عن سكان في غزة ومسؤولين في قطاع الصحة، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران الدبابات في أنحاء القطاع قتلت ما لا يقل عن 18 فلسطينياً، بينهم امرأة واحدة على الأقل.

في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أن جنديين قُتلا وأُصيب 3 آخرون خلال معارك دارت في مدينة رفح جنوبي القطاع.

وزعم الجيش، في بيان، أن “الحادث وقع نحو الساعة 10:30 صباحاً في جنوب شرقي رفح قرب طريق صلاح الدين، في منطقة تقع شرق ما يُعرف بالخط الأصفر”، لافتاً إلى أن “خلية مسلحة خرجت من نفق في المنطقة وأطلقت قذائف RPG على جرافة هندسية، ما أدى إلى قتل الجنديين، بينما أُصيبت جرافة أخرى بنيران قناصة أسفرت عن إصابة جنديين، أحدهما بجروح خطيرة”.

وأضاف البيان أن “جندياً ثالثاً أُصيب لاحقاً برصاص قناص، وفق التحقيق المبدئي”، مشيراً إلى أن “المسلحين لم يحاولوا اختطاف أي من الجنود خلال الحادث”، بحسب ما نقلته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

شاركها.