مع قرب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن الدخول في المرحلة الثانية من خطته لوقف الحرب في غزة، التي صدرت في قرار لمجلس الأمن الدولي، ظهرت العديد من العقبات التي قد تعيق تطبيق هذه المرحلة، ما قد يطيل من أمد المرحلة الأولى، ويبقى الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة قادمة على أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، ويعيق إعادة الإعمار.
قضايا حساسة
تشمل المرحلة الثانية من الخطة، التي أكد العديد من المسؤولين الأميركيين أن ترمب سيعلنها بحلول منتصف الشهر الجاري، القضايا الأكثر حساسية في هذه الحرب، والتي تحدد وتقرر نتائجها، وفي مقدمتها نزع سلاح حركة “حماس”، وصولاً إلى إعلان قطاع غزة منطقة خالية من السلاح، وتدمير البنية العسكرية الباقية من معامل تصنيع السلاح والأنفاق ومراكز التدريب وغيرها.
وتشمل هذه المرحلة، أيضاً، تشكيل مجلس السلام الذي يرأسه ترمب للإشراف على تطبيق الخطة، وإعادة إعمار غزة، يعاونه مجلس تنفيذي يعد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير المرشح الأكثر حظاً لترأسه، فيما تتولى لجنة محلية فلسطينية من التكنوقراط إدارة الخدمات المحلية.
وتشمل أيضاً إنشاء قوة استقرار دولية لضمان الاستقرار وعدم عودة الحرب وتدريب قوة شرطة محلية.
وتتطلب هذه المرحلة من إسرائيل سحب قواتها من الخط الأصفر الحالي الذي يضم أكثر من 53% من أراضي القطاع إلى خط جديد يسمى الخط الأحمر.
وحددت الخطة ثلاثة خطوط للانسحاب الإسرائيلي هي الأصفر والأحمر والأزرق. والخط الأزرق هو الخط الأخير القريب من الحدود، والذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية في المرحلة الأخيرة. ويبقى هذا الخط منطقة عازلة بين إسرائيل والقطاع.
وتشمل المرحلة الثانية أيضاً إعادة الإعمار بدءاً من إزالة أنقاض المباني المدمرة التي تقدر بأكثر من 60 مليون طن، وإعادة بناء وترميم البنية التحتية والشروع في بناء البيوت والمنشآت التي دمرتها الحرب.
السلاح والانسحاب
وترفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة التي تحتلها حالياً قبل نزع سلاح حركة “حماس” وتدمير البنية العسكرية في القطاع.
أما “حماس” فترفض مبدأ نزع السلاح، وتقترح استبداله بمبدأ “تنظيم السلاح”، وتربطه بانسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة، ووصول قوات دولية مهمتها الفصل بين الجانبين، وضمان عدم عودة قوات الاحتلال، وضمان وقف تام للاغتيالات والاجتياحات.
دروس صعبة من المرحلة الأولى
مصادر في حركة “حماس” قالت للشرق، إن الخروقات الإسرائيلية التي سجلت في المرحلة الأولى تجعل الانتقال إلى المرحلة الثانية بحاجة إلى ضمانات جدية من الوسطاء، مختلفة عن تلك التي قدمت في المرحلة الأولى.
مسؤول في الحركة قال: “إسرائيل لم تلتزم في المرحلة الأولى بقائمة طويلة من البنود التي جاءت في الخطة مثل وقف الاغتيالات والاجتياحات، وفتح معبر رفح في الاتجاهين، ودخول المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض، وعدد الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية والاحتياجات وغيرها”.
وأضاف: “الاتفاق يقوم على مبدأ وقف إطلاق النار، وإسرائيل لم تلتزم بذلك، وأكبر مثال على ذلك قيامها بملاحقة واغتيال المقاتلين العالقين في أنفاق تقع في المناطق التي بقيت تحت سيطرتها وراء ما يسمى الخط الأصفر”. ومضى يقول: “ما جرى هو عمليات قتل واغتيال وتصفية وهو أمر مناف لأبسط مبادئ وقف إطلاق النار، والوسطاء يعرفون ذلك”.
وتشير أرقام وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 370 فلسطينياً في غزة منذ سريان وقف إطلاق النار قبل شهرين.
الضمانات المفقودة
ترى “حماس” في الخروقات الإسرائيلية التي سجلت في المرحلة الأولى مدعاة للمطالبة بضمانات أكبر وأكثر جدية في المراحل التالية. مسؤول في الحركة: “لا يوجد أية ضمانات للحماية الجماعية والفردية سوى بقاء السلاح، لهذا لا يمكن بحث هذا الموضوع قبل انسحاب إسرائيلي كامل وشامل، ووجود قوات دولية للفصل بين الجانبين وحماية الشعب الفلسطيني من الاجتياحات والاغتيالات”.
قدم بعض الوسطاء، في جولات سابقة، مقترحاً يقوم على تخزين السلاح بدلاً من نزعه. ويشمل ذلك تخزين السلاح الهجومي في مواقع محددة معروفة لدى الوسطاء وتحت إشرافهم، فيما تحافظ الحركة على السلاح الفردي الدفاعي. ويشمل ذلك أيضاً وقف التصنيع العسكري والتدريب العسكري وتهريب المواد العسكرية وحفر الأنفاق وغيرها.
ورفضت إسرائيل، ومعها الإدارة الأميركية، كل فكرة تقل عن تجريد الحركة والقطاع من السلاح بصورة كاملة.
بدء المرحلة الثانية
مصادر دبلوماسية أميركية أكدت أن الرئيس ترمب سيعلن قريباً عن بدء تطبيق المرحلة الثانية من خطته، وأنه دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لزيارة البيت الأبيض للتباحث في تطبيق الخطة وأمور أخرى في الإقليم.
مسؤولون أميركيون التقوا جهات فلسطينية مؤخراً أبلغوها أن فريق الرئيس ترمب تلقى مقترحات بأسماء عديدة مرشحة لتولي عضوية لجنة التكنوقراط التي من المتوقع ان تضم من 12- 15 عضواً، وأنه يعكف على اختيارها. وأبلغوهم أيضاً أن الإدارة تعكف على تحديد الأطراف المشاركة في قوة الاستقرار الدولية.
ومن المقرر أن يضم مجلس السلام 10 شخصيات برئاسة ترمب، يعاونه مجلساً تنفيذياً من المتوقع أن يقوده الثلاثي توني بلير، وجاريد كوشنر، صهر ترمب، والمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف.
تطبيق أحادي الجانب
وفي حال فشل اللقاء القادم بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ورئيس وفد حركة “حماس” المفاوض خليل الحية، خاصة موضوع “نزع السلاح”، فإن الإدارة الأميركية، حسب العديد من مسؤوليها، عازمة على الشروع في تطبيق المرحلة الثانية من جانب واحد.
وكان من المقرر أن يلتقي ويتكوف مع الحية قبل عدة أسابيع في إسطنبول بتركيا، لكن جرى تأجيل اللقاء لحين نضوج اتصالات تجري بين الجانبين بهدف إنجاحه.
مصدر أميركي مطلع قال لـ”الشرق”: “في حال فشل الاتفاق مع حماس، سنعمل على تطبيق الخطة في المناطق الواقعة حالياً تحت السيطرة الإسرائيلية”. وأضاف: “سنبدأ بإقامة قرية تجريبية في منطقة رفح، ومن هناك سننتقل إلى المناطق الأخرى، وستقوم القوات الدولية بالحلول محل القوات الإسرائيلية، فيما تبقى حركة حماس في المناطق المدمرة إلى أن توافق على نزع السلاح”.
حماس من جانبها تراهن على فشل المشروع الأميركي في غزة.
مسؤول في الحركة قال: “لن تشارك دول العالم في قوة دولية قد تضعها في صدام مباشر مع الحركة التي تدير القطاع، ولن تتبرع دول العالم لإعادة بناء ما دمرته الحرب دون اتفاق واستقرار يضمن سلامة ما يعاد بناؤه”.
إطالة المرحلة الأولى
يرى العديد من الخبراء في الشؤون الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجه لإطالة المرحلة الأولى التي تبقي السيطرة الإسرائيلية على أكثر من نصف مساحة القطاع لأطول فترة ممكنة. ويرى الكثير من المراقبين أن من الصعوبة على نتنياهو القيام بانسحاب من غزة قبل نزع سلاح حركة “حماس” خاصة في السنة الانتخابية.
لكن من المتوقع أن يتعرض نتنياهو لضغوط من الرئيس الأميركي المُصر على إنجاح خطته لتسهيل الدخول في المرحلة الثانية. ومن المتوقع أن تترافق هذه الضغوط مع إغراءات في الترتيبات الإقليمية. غير أن نتنياهو، حسب الكثير من المراقبين، لا يعدم وسائل المراوغة والتملص من الضغوط الخارجية.
وفي الجانب الفلسطيني، تبدو مصلحة “حماس” أيضاً في إطالة أمد المرحلة الأولى التي تحافظ فيها على سلاحها، وعلى سيطرتها على حوالي نصف مساحة القطاع التي يتواجد فيها الغالبية العظمى من السكان، إلا إذا وجدت قبولاً أميركياً لمفهوم “تنظيم السلاح”، كما تعرضه الحركة، أو “تخزين السلاح” كما يعرضه بعض الوسطاء، وهو أمر لا يبدو واقعياً.
البديل الوطني
ترى “حماس” أن هناك حاجة لتفاهم عربي فلسطيني على المرحلة التالية في غزة، وتقديمها للجانب الأميركي. وقال مسؤول في الحركة لـ”الشرق”: “يمكن حل موضوع السلاح في إطار فلسطيني عربي، وتقديم خطة فلسطينية عربية قابلة للتطبيق للجانب الأميركي”. وقال إن الوسطاء، مصر وتركيا وقطر يتفهمون موقف الحركة، ويشاركونها الرأي في ضرورة وجود مخرج فلسطيني-عربي”.
المسؤول قال إن اتصالات تجري مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية لعقد لقاءات لبحث هذا الخيار.
لكن مسؤولين في السلطة قالوا لـ”الشرق”، إن المقترحات التي تقدمها “حماس” غير مقبولة من الإسرائيليين والأميركيين على السواء، وأن “كل ما تحاول الحركة فعله هو اللعب على هامش الوقت والتغيرات الخارجية”، حسب قول أحد المسؤولين.
