مع دخول اتفاق وقف الحرب في غزة مرحلته الثانية، بدأت الأطراف تعد للتعامل مع الملف الأكثر صعوبة في الاتفاق، وهو ملف السلاح، إذ قالت مصادر مطلعة لـ”الشرق” إن الوسطاء يعكفون على تشكيل لجنة مختصة بنزع السلاح يرجح ان تتولاها بريطانيا.

وحددت الفقرة السادسة من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء حرب غزة معالجة ملف السلاح والمسلحين وفق النص التالي: “بعد إعادة جميع الرهائن، سيمنح أعضاء حركة حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي وبالتخلي عن أسلحتهم عفواً عاماً، أما من يرغب من عناصر حماس في مغادرة غزة فسيوفر له ممر آمن الى دول مستقبلة”.

ونصت الخطة في الفقرة الثالثة عشرة على: “ستدمر كل البنى التحية العسكرية والهجومية والإرهابية، بما في ذلك الانفاق ومرافق إنتاج الأسلحة ولن يعاد بناؤها، وستجرى عملية نزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين من خلال آلية متفق عليها”. فما هي سيناريوهات التنفيذ؟

السيناريو الأول: حماس والسلطة الفلسطينية

وفق المصادر، هناك عدة سيناريوهات لنزع السلاح، في مقدمتها إنجاز اتفاق بين حركة “حماس” والسلطة الفلسطينية، يُنظم وضع السلاح تحت مسؤولية اللجنة الإدارية الفلسطينية، التي ستحكم قطاع غزة في المرحلة الأولى، ليصار إلى نقلها للسلطة الفلسطينية عندما تتولى إدارة القطاع، بعد قيامها بالإجراءات المطلوبة دولياً، والتي تسمى “إصلاحات”.

ومن المقرر أن تدعو مصر إلى لقاء قريب بين ممثلين عن حركتي “فتح” و”حماس” لبحث ملف المصالحة أو الاتفاق على الترتيبات المستقبلية لإدارة غزة.

وقالت مصادر في “حماس”، لـ”الشرق”، إن هذا الخيار هو الأفضل للحركة لأنه يضمن بقاء الملف تحت مظلة سياسية متفق عليها فلسطينياً.

وأكدت مصادر بالسلطة الفلسطينية، تحدثت مع “الشرق”، اتفاقها مع “حماس” في تفضيل هذا الخيار أو السيناريو، لكن المصادر أضافت أن السلطة ستطلب من “حماس” الإقرار بمبدأ “سلطة واحدة، وسلاح واحد، وقانون واحد”.

وتابعت المصادر: “هناك محاذير مثل أن تطلب حركة حماس إبقاء قوات أمنها في الخدمة، وهذا الأمر لا تقبله الدول المشرفة على تطبيق الاتفاق، خاصة الإدارة الأميركية”.

السيناريو الثاني: لجنة عربية أو إسلامية

وفي حال فشل هذا السيناريو، ستطلب “حماس” تشكيل لجنة عربية لتولي ملف السلاح، حيث يصار والحال هذه، إلى نقل السلاح لجهة عربية أو إسلامية، بدلاً من جهة غربية مثل اللجنة التي قد تقودها بريطانيا.

ومن غير المعروف ما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة ستوافقان على هذا الاقتراح من حركة “حماس”، لا سيما أن الإدارة الأميركية رشحت بريطانيا لتولي هذه المسؤولية.

السيناريو الثالث: اتفاق حماس وإسرائيل

السيناريو الثالث هو تأمين اتفاق بين إسرائيل و”حماس” على نزع السلاح بوساطة تركية، إذ تطالب إسرائيل بنزع كل أنواع الأسلحة وتدمير كل المنشآت العسكرية.

ومن المتوقع أن تعرض “حماس” تدمير المنشآت العسكرية والأسلحة الهجومية لكن مع الاحتفاظ بالأسلحة الدفاعية، وأن تطالب الحركة باعتماد قوات الأمن الحالية في غزة من قبل اللجنة الإدارية المنوي تشكيلها بعد أن أثبتت قدرتها على حفظ الأمن والنظام في لحظة تعرض فيها القطاع لخطر الفوضى الأمنية من قبل العائلات الكبيرة وبعض العصابات المسلحة.

والتطورات الأخيرة تعزز مطلب “حماس” حيث سعت من خلال إجراءاتها المدنية الأخيرة (التي باركها الرئيس الأميركي) إلى تعزيز الانطباع بأن قواتها هي الجهة الوحيدة القادرة حالياً على حفظ النظام، وأن تأهيل قوى أمنية بديلة قد يستغرق فترة طويلة، خاصة أنها في حاجة إلى جهاز أمني لتزويدها بمعلومات دقيقة عن المجموعات المسلحة في غزة التي قد تهدد اتفاق وقف إطلاق النار، والتي لا تتوفر سوى لحركة “حماس” في الوقت الراهن.

كما بينت التجربة أن “حماس” في حاجة إلى السلاح الدفاعي لمواجهة التهديدات الخارجية من قبل بعض العائلات والجهات ذات الدوافع الثأرية أو دوافع الاستئثار بالسلطة في مناطقها، كما فعلت أثناء الحرب.

السيناريو الرابع: بقاء الوضع الراهن

السيناريو الأخير هو بقاء الوضع الحالي كما هو، بحيث تواصل حركة “حماس” فرض الأمن والنظام في غزة، لكن إسرائيل ترفض هذا الوضع وتصر على نزع السلاح، وتتخذ إجراءات عسكرية للضغط على الحركة، مثل القيام بعمليات قصف مركزة أو فرض حصار على غزة وجعل إعادة الإعمار رهناً بإتمام نزع السلاح. 

وتعهد المبعوثان الأميركيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر لقادة “حماس”، في لقاء مباشر مع وفد الحركة أثناء مفاوضات شرم الشيخ، بوقف دائم للحرب في حال التزمت الأخيرة بتطبيق جميع بنود الاتفاقية.

حماس ملتزمة بتطبيق الاتفاق

وبينت المرحلة الأولى من تطبيق الاتفاق ميل حركة “حماس” إلى الالتزام بالتطبيق خشية عودة الحرب إلى قطاع غزة، فقد وافقت الحركة على إتمام صفقة تبادل الأسرى رغم قيام إسرائيل بتغيير المعايير التي نصت عليها الخطة مثل إطلاق سراح 250 أسيراً من الصادر بحقهم أحكام بالسجن مدى الحياة، حيث قامت باستبدال عشرات الأسرى من هذه الفئة بأسرى من فئات أخرى.

واستثنت إسرائيل نصف الأسرى من هذه الفئة من الاتفاق، وفي مقدمتهم الأسرى الكبار، وهم: مروان البرغوثي، أحمد سعدات، إبراهيم حامد، عباس السيد، حسن سلامة وعبد الله البرغوثي.

وأكد مسؤولون في “حماس” لـ”الشرق” التزام الحركة بتطبيق الاتفاق، وقال أحدهم: “نحن مهتمون بتطبيق الاتفاق وصولاً إلى إعادة إعمار كل ما دمرته الحرب، لكن هذا الاتفاق لم يحدد الآليات التنفيذية لتطبيق هذا الهدف”. 

مفاوضات طويلة قادمة

وتوقعت مصادر عديدة قريبة من المفاوضات أن تستغرق مفاوضات المرحلة الثانية وقتاً طويلاً بسبب تعقيدات ملف السلاح والمسلحين.

وقال مصدر لـ”الشرق”: “ملف السلاح معقد جداً، هناك سلاح الأجهزة الحكومية، وهناك أسلحة حركة حماس، وهناك أسلحة الفصائل، وفي قلب هذه الأسلحة هناك السلاح الهجومي، وهناك السلاح الدفاعي، وهناك السلاح الفردي”.

وأضاف المصدر: “الاتفاق على السلاح في نهايات الحروب يجري عادة من خلال الحلول السياسية، وفي الحال الفلسطينية لا يوجد شريك إسرائيلي لأي نوع من اتفاقات الحل السياسي، لهذا يجب الاتفاق على ترتيبات أمنية يمكن أن تصمد لفترة طويلة قادمة”.

وكشف مسؤول في “حماس” لـ”الشرق” أن الحركة ستعيد طرح فكرة اتفاق الهدنة المفتوحة أو المحددة (مع إسرائيل) التي يجري فيها الاتفاق على التسليح والتدريب والتصنيع وغيرها، مشيراً إلى أن هذا الخيار ربما يكون الأفضل لكل جهة تبحث عن حل مستقر لسنوات طويلة قادمة.

وتبدي الحركة، بموجب اتفاق من هذا النوع، استعدادها لوقف كل أنواع التصنيع العسكري وحفر الأنفاق والتدريب العسكري. ورفضت إسرائيل في السابق مثل هذا العرض، لكن من غير المعروف ما إذا كانت ستقبله بعد وقف الحرب أم لا.

قلق السلطة الفلسطينية

في المقابل، تشعر السلطة الفلسطينية بالقلق من أي اتفاق معلن أو غير معلن بين إسرائيل وحركة “حماس” بشأن مستقبل قطاع غزة.

وقال مسؤولون فلسطينيون، لـ”الشرق”، إن هذا السيناريو هو الأكثر إثارة للقلق، خشية أن تقوم إسرائيل بالاتفاق مع حماس على مواصلة حكم غزة مقابل تحقيق هدفها الكبير وهو منع إعادة توحيد شطري الأراضي الفلسطينية  المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة) التي تشكل ارض الدولة الفلسطينية التي حظيت باعتراف العالم، وصولاً إلى الدفع باعتبار العالم مع الوقت أن “فلسطين هي قطاع غزة”، فيما تطلق إسرائيل يد المستوطنين لاستكمال التهام الضفة الغربية.

شاركها.